اخبار لبنان

التيار

سياسة

مؤتمر بيروت-1: «الحكي أحلى من الشَّوْفِة»

مؤتمر بيروت-1: «الحكي أحلى من الشَّوْفِة»

klyoum.com

 

محمد وهبة -

أول انطباع عن مؤتمر «بيروت واحد» أنه مؤتمر وطني لا أجنبي مثل المؤتمرات السابقة، وأنه ليس مؤتمراً للتسوّل بعكس مؤتمرات باريس السابقة، وأنه لن يكون المؤتمر الأول.

بالفعل، يصفه مؤسّس المؤتمر وزير الاقتصاد عامر البساط، بأنه «نقطة تحوّل» تهدف إلى «عودة المستثمرين العرب». ومن مؤشّرات هذا التحوّل التي وردت على لسان البساط، أن لبنان لديه طاقة إنتاجية غير مستغلّة قادرة على بلوغ 80 مليار دولار بينما يقف اقتصاد لبنان اليوم عند حدود الـ40 مليار دولار.

إذاً كيف يحصل ذلك؟ يحصل من خلال تحمّل أصحاب المسؤولية مسؤولياتهم، لا أن يقفوا في طابور جلسات المؤتمر للمطالبة بتنفيذ «الإصلاحات» التي لا يتفق أيّ واحد منهم مع الثاني عليها، وبعضهم يتّفق ضدّ البعض الآخر مع إملاءات صندوق النقد الدولي أو ضدّها. التحوّل من أيّ نقطة وإلى أيّ نقطة، ليس مجرّد سؤال هامشي عندما يجري الترويج للمؤتمر بأنه تأسيسي و«إعلان انطلاقة جديدة» كما قال البساط. فالاقتصاد اللبناني يسير وفق النموذج المُعتمد سابقاً مع تبديل في قنوات الاستقبال والضخّ والتوزيع.

كانت المصارف هي القلب النابض لهذا الاقتصاد، ولكنها لم تعد قادرة على لعب هذا الدور بعد إفلاسها الجماعي، فلجأ النموذج إلى قنوات أضيق تعتمد على مؤسسات مالية صغيرة وعلى النظام الضريبي للسيطرة على سعر الصرف وتثبيته. في النموذج السابق، كما في النموذج الحالي، التثبيت هو هدف السلطة التي تفتقر إلى رؤية واضحة للتعامل مع تبعات انهيار مصرفي ونقدي عمره من نهاية 2019 إلى اليوم.

وفي هذا الوقت، ظهر التفكّك اللبناني بوضوح أكثر وسط متغيّرات دولية هائلة. وهنا أيضاً يتعامل البساط من خلال مؤتمره التأسيسي، مع المسألة كأنها عابرة مُعوِّلاً على اجتذاب المستثمرين العرب إلى لبنان. فهل سيأتون لمجرّد أنه يقول ذلك، بينما تقف الولايات المتحدة الأميركية والعدو الإسرائيلي كتفاً إلى كتف وبإسهام محلي، في التضييق على تدفّقات اللبنانيين من الخارج إلى الداخل، ومن الداخل إلى الداخل أيضاً؟

حاكم مصرف لبنان كريم سعيد كان أوضح في هذا المجال، إذ قال، إن الاستثمارات التي أتت إلى لبنان كانت غالبيتها لبنانية وليست أجنبية. أيضاً، كيف يكون هناك أيّ تغيير في نموذج الاقتصاد السياسي للبنان، طالما أن أول مؤشرات التغيير يجب أن يظهر في الموازنة العامة التي خرجت من بين يدي البساط ومجموعة من الوزراء - الحلفاء، عارية من النفقات الاستثمارية؟

«لبنان أكبر من أزماته» قالها البساط. وبالبساطة نفسها يسعى البساط إلى أربعة أهداف رئيسية: مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي بين 7 و10 سنوات من 31 مليار دولار حالياً إلى 78.2 مليار دولار في عام 2035، زيادة التصدير من 4.3 مليارات دولار إلى 20 مليار دولار، واستقطاب استثمارات بنسبة 29% من الناتج في عام 2035 مقارنة مع 3.6% في عام 2025.

ويتطلّب ذلك استثمارات عامة وخاصة بقيمة 74 مليار دولار يمكن استقطاب أكثر من نصفها من القطاع الخاص والباقي من القطاع العام. ويقترح أن يستثمر مبلغ 5.8 مليارات دولار في قطاعات الطاقة والنقل، والنفايات الصلبة، عبر الخصخصة (الشراكة مع القطاع العام). وأن يستثمر القطاع العام 2 مليار دولار في 10 قطاعات من بينها المياه، الاتصالات، الشؤون الاجتماعية، التعليم، التكنولوجيا والثقافة.

يُقِرّ البساط بأن نقطة البداية صعبة، لكنه يخفّف من تأثير ذلك بالإشارة إلى أن لبنان لديه فرص تنافسية (مع من؟ كيف؟)، وأن هناك نافذة مفتوحة لفرصة تلوح في الأفق، ولا سيما من خلال «الإصلاحات».

المشكلة في هذا الخطاب، أنه تقليدي ومُقلَّد أيضاً. سبق أن فعلها الرئيس نجيب ميقاتي في «ميثاق بيروت الاقتصادي» في عام 2005، معتبراً أن العرقلة في الإصلاحات هي محلية، وأنه يتوجب عقد «طائف اقتصادي وتنموي»، بمعنى أن يشارك الجميع في الاستثمار والمنافع. في الواقع، صارت الإصلاحات المطلوبة أكثر ضرورة بعدما سجّل الاقتصاد تشوّهاً أعمق وأكبر مما كان عليه في مطلع الألفية، بسبب الانهيار المصرفي والنقدي في نهاية 2019.

والآن، يسجّل لبنان تفكّكاً اجتماعياً وسياسياً أوسع من السابق بعد العدوان الإسرائيلي المُدمِّر على لبنان لمدة 66 يوماً واستمراره بوتيرة أدنى لأكثر من سنة، وهو مستمر أيضاً بلا أيّ أفق لإنهائه. وهذا الأمر أتى بعد تفكّك في بنية قوّة العمل وهجرة آلاف الشباب... كل ذلك يعقّد عملية الاستثمار، لكن ما يعمّق تعقيداتها ما يحصل في سوريا لجهة انفتاح الاقتصاد، والتعافي القطاعي واحتمالات التطوير وفرصه هناك.

فما هو موقف البساط ورؤيته مما يحصل في سوريا؟ هل سينافس سوريا التي صار لديها اقتصاد مفتوح الحدود مثل لبنان إنما بقدرات إنتاجية هائلة زراعياً وصناعياً وبعدد سكان ضخم، وبقدرات بشرية ذات مؤهّلات حرفية ومهنية...؟

أمّا لبنان فلم يعد لديه ذلك القطاع «اللقطة» الذي كان يجعل من لبنان مركزاً مالياً في المنطقة. أصلاً بسقوط السرية المصرفية لم يعد ممكناً أن يعود القطاع المصرفي إلى الدور الذي كان يلعبه، لا في جذب التدفّقات ولا في إدارتها. كان القطاع القلب النابض لنموذج الاقتصاد السياسي، الذي يستقطب الأموال ويعيد ضخّها في الداخل لتمويل استهلاك مستورد. نموذج سقط بصخب بعد إدارة «سوبر ناجحة» على مدى ثلاثة عقود وأكثر.

فما هو القلب النابض الجديد لاقتصاد لبنان الذي يتصوّره البساط؟ كيف سيصل بالتصدير إلى 20 مليار دولار؟ ما هي المُنتجات التي سيصدّرها لبنان أو سينافس فيها؟ أيّ أسواق سيصدّر إليها ولديه تنافسية فيها؟ مؤتمر البساط التأسيسي، ليس سوى نسخة رديئة عما قدّمه السابقون. ينطبق على المؤتمر ترويج دعائي إذاعي: «الحكي أحلى من الشَّوْفِة».

*المصدر: التيار | tayyar.org
اخبار لبنان على مدار الساعة