النفط مُحرّك الاقتصاد العالمي... قراءة معمّقة في تأثيراته الجيوسياسية والاقتصادية!
klyoum.com
نوال أبو حيدر
تعيش الأسواق العالمية حالة من الترقّب والاضطراب الدائمين أمام كل تطوّر سياسي ذي طابع صراعي، لا سيّما في مناطق جغرافية حسّاسة كمحيط الشرق الأوسط. وقد شكّلت الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل نموذجاً صارخاً للتأثير العميق الذي تُخلّفه التوترات الجيوسياسية على حركة الأسواق، حيث شهدت أسعار السلع الأساسية - وفي مقدّمتها النفط والذهب - تقلّبات حادّة عكست حجم المخاوف من تفاقم الأزمة.
ففي الوقت الذي يُعدّ فيه النفط من أبرز السلع المرتبطة بتوازنات العرض والطلب العالميين، يتأثر سعره سريعاً بأي تهديد يمسّ أمن الإمدادات، وهو ما يفسّر ارتفاعه في ذروة النزاع، ثم تراجعه بعد إعلان وقف إطلاق النار. في المقابل، يظلّ الذهب بمثابة الملاذ التقليدي للمستثمرين، يزداد الإقبال عليه في فترات عدم اليقين، ما يدفع إلى ارتفاع قيمته السوقية رغم تراجع حدّة التوتر.
ومع صدور بيان وقف إطلاق النار وتراجع حدّة التوترات في المنطقة، بدأت أسعار النفط بالهبوط بشكل ملحوظ، حيث خفّ الضغط الجيوسياسي الذي كان يهدّد سلاسل الإمداد ويؤثر على توازن العرض والطلب في أسواق الطاقة العالمية. فقد ساهم الانفراج النسبي في التوترات السياسية والعسكرية في تهدئة مخاوف المستثمرين بشأن نقص الإمدادات النفطية.
فإلى أي مدى تؤثر النزاعات الجيوسياسية، مثل الحرب بين إيران وإسرائيل، على استقرار الأسواق العالمية، وبخاصة أسعار السلع الأساسية كالنّفط؟ وهل يمكن لآليات السوق والمؤسسات الدولية أن تحدّ من هذه التأثيرات، أم أن التوترات السياسية ستظل العامل المهيمن في توجيه حركة الأسعار؟
النفط والصراع الجيوسياسي
في هذا السياق، يقول الكاتب والباحث الاقتصادي زياد ناصر الدين، لـ «اللواء» إن «العوامل الجيوسياسية تلعب دوراً محورياً في التأثير على أسعار النفط، خصوصاً وأن الدول المنتجة له تقع في قلب منطقة الشرق الأوسط، وهي منطقة تشهد توترات وصراعات مستمرة نظراً لما تحتويه من مصادر طاقة ومواد أولية وصناعات بتروكيميائية، بالإضافة إلى قطاعات خدماتية أساسية يعتمد عليها الاقتصاد والصناعة عالمياً. وفي ضوء التطورات الأخيرة، ولا سيما الصراع العسكري بين إيران وإسرائيل، شهدت أسعار النفط ارتفاعاً بنسبة 8%، بينما تراجع الطلب بنحو 4%. وقد دقّت معظم الأطراف ناقوس الخطر محذّرة من ضرورة إنهاء هذا النزاع سريعاً، نظراً لتداعياته المباشرة على سوق النفط، والتي تنعكس بدورها على الاقتصاد العالمي ككل».
تداعيات النزاع
وفي سياق متصل، يعتبر ناصر الدين أن «انتهاء الحرب، التي لم تتجاوز مدّتها 12 يوماً، ساهم في تخفيف حدّة المخاطر التي كانت تهدّد الاستقرار الإقليمي والاقتصادي، إذ أن معظم التقديرات كانت تشير إلى أنه في حال استمر الصراع لفترة أطول، فإن التداعيات كانت ستكون أكثر عمقاً واتساعاً، خاصة على مستوى القطاعات الاقتصادية المختلفة»، معتبراً أنه «كان من المتوقع أن يؤدي استمرار الحرب إلى اضطرابات كبيرة في الأسواق العالمية، مع تصاعد القلق من ارتفاع أسعار النفط بشكل غير مستقر، مما كان سيؤثر سلباً على الإنتاج الصناعي، ويرفع معدلات التضخم، ويؤدي إلى تآكل القدرة الشرائية للأفراد. وهذه السيناريوهات كان من شأنها أن تُحدث خللاً في التوازنات الاقتصادية العامة، وتُضاعف الضغوط المعيشية على المواطنين، خاصة في الدول المستوردة للطاقة».
ومن جهة أخرى، يوضح ناصر الدين أن «معظم التوقعات والتحليلات الاقتصادية تفيد بأن النزاعات الجيوسياسية، وخاصة تلك التي تندلع في المناطق الغنية بالنفط، تثير مخاوف جديّة بشأن تراجع مستويات الإنتاج العالمي، وانعكاسات ذلك على أداء منظمة التجارة العالمية وعلى حركة التجارة الدولية بشكل عام. وغالباً ما تُربط هذه الاضطرابات بانخفاض في معدلات النمو الاقتصادي العالمي، حيث يُقدّر أن استمرار التوترات قد يؤدي إلى تراجع النمو العالمي بنسبة تقارب 1.9%».
ويتابع: «من المعروف أن أي تراجعا في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 1% يترتب عليه تأثيرات نقدية ومالية ملموسة، سواء من حيث اضطراب الأسواق أو تذبذب العملات أو زيادة الضغط على السياسات النقدية في العديد من الدول».
من هي الدول الأكثر استهلاكاً للنفط؟
من هذا المنطلق، يرى ناصر الدين أن «الصين تُعدّ من أكبر الدول استهلاكاً للنفط على مستوى العالم، حيث تستورد الصين ١١ مليون و٣٥٠ ألف برميل يومياً. وإلى جانب ذلك، تُصنّف أيضاً كأكبر مستورد للنفط، مما يجعل اقتصادها من بين الأكثر تأثراً بأي تغيّرات في أسعار أو إمدادات الطاقة، خاصةً وأنه يُعدّ من الاقتصادات الأضخم عالمياً».
ويتابع: «أما من يستفيد من هذه الديناميكية، فهو الدولار الأميركي، إذ أنه يُستخدم كعملة رئيسية في تسعير وتداول النفط عالمياً. وهذا يعني أن زيادة الطلب على النفط يقترن تلقائياً بارتفاع الطلب على الدولار».
من المتضرر من ارتفاع النفط؟
عليه، يشدّد ناصر الدين على أن «أكثر المتضررين من ارتفاع أسعار النفط دول وسط آسيا، والدول النامية، والعديد من الدول الأوروبية، حيث أن الزيادة في أسعار المحروقات تنعكس بشكل مباشر على تكلفة الطاقة والنقل في هذه البلدان. ويؤدي ذلك إلى ارتفاع تكاليف تشغيل وسائل النقل والإنتاج الصناعي، مما يحدّ من القدرة الإنتاجية ويؤثر سلباً على مختلف القطاعات الاقتصادية. كما تتزايد الأعباء على المستهلكين نتيجة ارتفاع الأسعار، ما يؤدي في النهاية إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وزيادة الضغوط التضخمية».
تقلّبات النفط والأسعار
إذ يعتبر أنه «في السياق العالمي، يُعتبر العامل الأكثر إزعاجاً في ملف النفط هو تأثيراته المباشرة على الأسعار، إذ تؤدي التقلّبات في تكلفة النفط إلى تآكل القدرة الشرائية للمستهلكين نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج. فارتفاع أسعار النفط يعني زيادة النفقات على الوقود والطاقة، مما ينعكس سلباً على تكلفة السلع والخدمات بشكل عام، ويضع ضغوطاً إضافية على الاقتصاد العالمي».
النفط ركيزة الاقتصاد
وبناءً على كل تلك المعطيات، يشرح ناصر الدين أن «النفط يمثل اليوم العمود الفقري للبنى التحتية الاقتصادية العالمية، فهو يشكّل الأساس الذي تقوم عليه عمليات الإنتاج في مختلف القطاعات، كما أنه يشكل ركناً أساسياً في عمل منظمة التجارة العالمية والأسواق المالية والبورصات العالمية، فضلاً عن كونه المصدر الرئيسي لطاقة شركات الإنتاج في كافة أنحاء العالم، حتى يتمكن الاقتصاد العالمي من إيجاد مصادر بديلة ومستدامة للطاقة، يبقى النفط محورياً في استقرار النظام الاقتصادي العالمي».
ويختم: «إن حالة الاستقرار والهدوء على صعيد أسواق النفط تنعكس إيجابياً على النمو الاقتصادي من خلال زيادة الاستثمارات والمشاريع الإنتاجية، بينما أي اضطراب أو عدم استقرار يؤدي إلى تراجع النشاط الاقتصادي وخلق حالة من التوتر في الأسواق العالمية».