كيف وظّفت إسرائيل الطائفية في حربها على لبنان وتجنّبتها مع إيران؟
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
بعد كبوة الحرب... السياحة قلعت من جديدليس المطلوب فقط أن نفضح الخطاب الإسرائيلي، الذي يستخدم الطائفية كأداة سياسية مدروسة تهدف إلى استغلال الانقسامات الاجتماعية والطائفية، بل أن نتساءل أيضاً: لماذا ينجح هذا الخطاب؟ وأي تركيبة سياسية واجتماعية في لبنان تُتيح لهذا الخطاب أن يمرّ، ويكون فعالاً في الداخل اللبناني؟ ومن يعيد إنتاج هذه التركيبة من داخلنا؟
في كلّ جولة عنف، لا تخوض إسرائيل معركتها بالقصف والطائرات فقط، بل تخوضها أيضاً من خلال الخطاب الموجّه. ومنذ الانسحاب من جنوب لبنان في عام 2000، ومع اندلاع حرب تموز/ يوليو 2006، بدأت إسرائيل تُنتج سردية إعلامية– سياسية مركزها أن "العدوّ ليس لبنان بل حزب الله".
سردية لا تنفي مسؤوليّة الدولة، بل تُعيد تفكيكها، لتُعيد بناء المعركة كمواجهة مع "تنظيم طائفي" لا تستطيع الدولة ضبطه. لكنّ هذه السردية لا تنسحب على المواجهة مع إيران، حيث تتجنّب إسرائيل المقاربة الطائفية، وتُدير صراعها بلغة "عقلانية"– أمنية قائمة على مفاهيم القوّة، والتوازن، والتهديد النووي، والاستقرار الإقليمي. فما الفرق؟ وأين تكمن حدود هذا الخطاب، لا فقط في بنيته؛ كيف يُقال؟ ولماذا يُقال بهذه الطريقة دون غيرها؟ بل في أثره السياسي، أي واقع سياسي يُراد إنتاجه؟
سلاح الطائفية: أداة في إدارة هشاشة لبنان
لم تكن الطائفية في الخطاب الإسرائيلي، مجرّد لغة، بل أداة إدارة لدولة انتهازية. بعد الانسحاب من الجنوب، قيل بشكل متكرّر: "نحن لا نحارب لبنان، بل حزب الله"، وخلال "حرب تموز"، صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود أولمرت في تموز/ يوليو 2006: "لا نقاتل لبنان… نقاتل الإرهاب داخل لبنان".
أما وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان فذهب أبعد، وقال في خطاب في وزارة الدفاع في تل أبيب في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2017: "الجيش اللبناني فقد استقلاليته وأصبح جزءاً لا يتجزأ من حزب الله. لم نعد نتحدّث عن جبهة لبنانية فقط، بل عن جبهة موحّدة من لبنان وسوريا".
بهذه التصريحات، تتحوّل الحرب من مواجهة مع كيان سياسي إلى تفكيك لمنطق الدولة نفسها: "حزب الله" يُعتبر كذراع إيرانية شيعية، والدولة تُختزل في عجزها عن كبحه، ما يبرّر ضربها دون الحاجة إلى تحمّل المسؤوليّة الدولية.
وما يمنح هذا الخطاب قوّته ليس فقط ما يقوله، بل البيئة التي يتحرّك فيها: نظام إئتلاف طوائف قائم على توازنات طائفية هشّة، يجعل من ضرب شرعيّة هذا النظام أمراً سهلاً ومُقنعاً، سواء للداخل أو للخارج.
هذه السردية لم تقتصر على الخطاب فقط، بل تُرجمت على الأرض باستهداف ممنهج لمناطق بعينها في الحرب الأخيرة، حيث تمحور القصف على الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع والجنوب، أي على المناطق ذات الغالبية الشيعية، في مقابل امتناع شبه تامّ عن استهداف مناطق محسوبة على طوائف أخرى.
هذا التمييز الجغرافي الطائفي لم يكن عرضياً، بل يُظهر إدراك إسرائيل العميق للهشاشة الطائفية الداخلية، وتوظّيفها لتصوير الحرب على أنها مع "الشيعة"، بدل أن تُفهم كمواجهة مع كيان سياسي. بذلك يتحوّل الخطاب الطائفي إلى أداة تفكيك لا فقط بالكلام، بل في القصف والتدمير أيضاً.