حسناء واشنطن لا "تُمَكيج" مواقفها أورتاغوس: إنما للصبر حدود
klyoum.com
تحمل زيارات مبعوثة إدارة الرئيس ترامب، مورغان أورتاغوس إلى لبنان، دلالات إيجابية لناحية استمرار الاهتمام الدولي الدقيق به، وأخرى سلبية، تشير إلى أنّ الإصلاحات الجوهرية المطلوبة من الدولة، لم تُحقّق بعد. فجمال حسناء الدبلوماسية الأميركية، لا يُلَطّف قساوة مواقفها المُعلنة ولا يُخفّف خلال لقاءاتها الضيّقة من تعابيرها النارية و"الشقيّة"، المستوحاة من القاموس الترامبي، لوصف تباطؤ أركان القرار اللبناني في تنفيذ وعودهم.
وعلى الرغم من إشادات أورتاغوس بالحكم الجديد، غير أنّ عبارة "نحن لا نركّز على ما يقال لنا، بل على نتائج ما يقال لنا"، التي أطلقتها على هامش اجتماعات الربيع لصندوقي النقد والبنك الدوليين، لا تزال سارية المفعول وبدرجة أقوى.
يؤكّد عارفوها، مدى امتعاضها من عدم تلقّف الدولة للإشارات والتطورات المتسارعة على مستوى الشرق الأوسط، والتي تمظهرت في القمة الخليجية الأميركية في السعودية. فلبنان المعدّ تاريخيّاً وثقافياً وحضاريّاً لصعود قطار التفاهمات الاستراتيجية الغربية – العربية، كان مقعده خلف سوريا، التي حصلت على جرعة دعم استثنائية.
واللافت وفق تلك المصادر المقرّبة من أورتاغوس، أن المصافحة التاريخية وما تحمله من دلالات سياسية ومعنوية كبيرة، بين دونالد ترامب وأحمد الشرع برعاية ولي العهد محمد بن سلمان في الرياض، كان يمكن أن تكون ثلاثية، أو ثنائية أميركية – لبنانية. ويخشى المطّلعون إياهم من أن ينجح "حزب الله" في ليّ يد الحكومة وتسطيح مواقفها حيال نزع سلاحه وبسط سلطاتها على كامل أراضيها. فـ "الحزب" عندما كان قويّاً، وظّف "عضلاته" لقضم السلطة وتسخيرها لحسابه، وعندما هُزم بعد حرب الإسناد، يسعى إلى تأميم خسارته على الدولة، وفق منطقه "وحدي في الربح وشريك في الهزيمة". وهذا ما يُحذّر منه أصدقاء واشنطن اللبنانيين، الحُكم الجديد، لأنّ سياسة التذاكي انتهت وزمن التردّد والتذبذب غير قابلٍ للصرف والهضم لا أميركيّاً ولا عربيّاً، فالتواصل بين أورتاغوس والموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان شبه يوميّ، ومواقفهما متطابقة لا يشوبها تمايزٍ.
كما أنّ رهان "الحزب" على المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران، لرفع الضغط عنه، سيكون مخيّباً لآماله وتوقّعاته، لأنّ أي تسوية مرتقبة بين الجانبين ستكون انعكاساً لترتيبات المنطقة الجديدة، حيث لا مكان فيها للتسويفات والرماديات بل لـ "من معنا ومن علينا".
ومن المسائل المهمّة التي تتوقّف عندها المصادر، هي الضربات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان. صحيحٌ أنه بحسب مفهوم "السيادة الوطنية" تُعتبر خروقات وتعدّيات، لكنها من وجهة نظرٍ أميركية وعربية، تفضح تمسّك "حزب الله" بما تبقّى من منظومته العسكرية والأمنية، خصوصاً بعد الحزام الناري الإسرائيلي العنيف الذي استهدف بنية تحتية عسكرية ثقيلة في منطقة النبطية قبل أسبوعين من ناحية، و"تعليمة" على الدولة و"تكاسلها" في نزع سلاح "الحزب"، لا سيّما شمال الليطاني من ناحية أخرى، حيث أنّ الجيش الإسرائيلي يتكفّل بالمهمّة جنوبه، ما يعطي تل أبيب ذريعة البقاء في النقاط الخمس، علماً أن الأميركيين يكفلون خلال لقاءاتهم مع المسؤولين اللبنانيين انسحاب إسرائيل منها وترسيم الحدود البريّة، ولديهم أفكار حول خطوات متوازية يمكن أن تؤدي إلى انسحاب إسرائيل من كل المواقع، في حال نفّذت الدولة ما عليها.
وكما في الأمن والسياسة، كذلك في الاقتصاد، تشكو أورتاغوس من تباطؤ الإصلاحات المطلوبة، فلا يكفي تشريع قانون رفع السريّة المصرفية، إذا لم يدخل حيّز التنفيذ، واستكمال الخطوات الإنقاذية الأخرى، كإعادة هيكلة المصارف ومعالجة الفجوة المالية. وتوقّفت المصادر عند موقفها في منتدى قطر الاقتصادي، حيث كشفت أن لديها "خطة كبيرة ورؤية قد تمكّن لبنان من الاستغناء عن صندوق النقد ربما، إذا تمكنّا من تحويله إلى بلد استثمارات وتجنيبه من المزيد من الديون". هذا الكلام، يعني أنه لا يمكن فصل التعافي الاقتصادي عن السيادي، لأن جذب الاستثمارات والأموال يحتاج إلى بيئة سيادية وأمنية مستقرّة، ركيزتها الأساسية حزم الدولة اللبنانية أمرها. وستحمل زيارة أورتاغوس المرتقبة (الشهر المقبل وفق التقديرات) رسائل حاسمة، وتنتظر أجوبة واضحة مُرفقة بالتنفيذ، وإلا سيفوّت لبنان القطار، ويستمرّ في ركوب الأزمات الداخلية.