لبنان بين الارتهان لصندوق النقد وبلاء اقتصاد "الكاش"
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
قبلان: الدولة بسيادتها وعزة نفسها الوطنيةلا بأس من تكرار قولٍ قاطع، للمرّة المليون على الأقل، إن لبنان والفساد المالي حلقتان مترابطتان، ونية الإصلاح عند طبقة سياسية ألفت نِعم النهب، من المستحيلات المؤكدة. وكأنّ لبنان لجأ إلى خيارات بديلة، ولا بُدّ، لا حول ولا، من اللّجوء إلى صندوق النقد كملاذ أخير.
يستأنف لبنان سياسة الترقيع، من خلال اللجوء إلى صندوق النقد الدولي ودولاراته ووصفات الإنقاذ الجاهزة: رقمنة المعاملات، توسيع القاعدة الضريبية وإطلاق العنان لسياسات لم تنفع في بلدان "السلّة المفخوتة"، كل دولار فيها "يزمط" في دهاليز الدويلة العميقة كلبنان ذي الاقتصادين: الأصلي والموازي حيث يتمدّد اقتصاد الكاش.
خرافة الإنقاذ والتغيير
تُشيع منظومة "الإصلاح المزعومة"، المتمثلة بـ "كلنا إرادة أند كو"، أنها مع رفع السرّية المصرفية مثلاً، إلّا أن كل معاقب دولياً من ساسة لبنان، استطاع رغم العقوبات المفروضة عليه الوصول إلى المال. لم "يشتدّ الخناق على أحد" ومضى الزمن على تأمين وسائل بديلة لتسيير أمورهم.
متلازمة "الإصلاح" امتدّت إلى كبار المافيا العميقة، لكنّ المواطن يعلم أن أحداً من الطبقة السياسية مجتمعة، غير خائف من رفع السرية المصرفية، لذا نجدهم كأعتى الغزاة الغابرين، يخوضون حرباً على الفساد. ولا يخفون نيّتهم فضح المستور، كما لو أن لبنان مقبل على استعادة الأموال المنهوبة. مسرحيات يمكن الاستفاضة فيها بالتفصيل. أما كُبرى مُعلّقات الشعر، فتكمن في إيهام الناس أن تنفيذ شروط صندوق النقد دون كسر منظومة الكاش السياسية - الأمنية سيُرشد بلادنا إلى لبنان السبعينات.
يستعطي الأبطال المشاهدون من الشعب المنهوب تأييداً، فيما يعيدون إنتاج الأزمة بحُلّة جديدة. والخلطة السحرية: اقتصاد كاش ممزوج ببنية زبائنية ولجوء إلى صندوق استدانة فشل في بلدان عدة، وقد يتحوّل إلى مظلّة لضرب ما تبقى من "طبقة تحت خط الفقر" تُجبَر على الخضوع لقواعد مصرفية لا تمسّ غيرها في ظل ميوعة السيادة المالية.
الأرقام لا تكذب
إذا كانت الرغبة خلف اللجوء إلى صندوق النقد تتمثل بالحدّ من نفوذ الدولة العميقة، فالبيانات الرسمية الصادرة عن صندوق النقد حتى الـ 25 من نيسان 2025 غير مشجعة، وتشير إلى أن الأرجنتين تتصدّر قائمة الدول الأكثر مديونية للصندوق برصيد بلغ 40.26 مليار دولار، بزيادة قدرها 9 مليارات دولار مقارنة بشهر آذار فقط.
تليها أوكرانيا بـ 10.80 مليارات دولار، ثم مصر بـ 8.26 مليارات دولار فالإكوادور بـ 6.43 مليارات دولار ثم باكستان بـ 6.10 مليارات دولار. وتُظهر اللائحة أيضاً دولاً مثل كينيا، أنغولا، غانا وساحل العاج بديون تتراوح بين 2 إلى 3 مليارات دولار. أرقام تعكس ليس فقط حجم الغرق المتواصل في الاعتماد على الصندوق بل أيضاً اتساع نطاق الأزمات المالية المتكررة رغم تدخلات الصندوق المستمرّة.
دوّامة عالمية التجربة
في السياق، ارتفعت القروض المستحقة عالمياً خلال فترة قصيرة (أقل من شهر) رغم أن الصندوق يُفترض أن يساهم في استقرار الأوضاع لا زيادة الاعتماد على الاقتراض. أما نسبة السداد فلا تتخطى الـ 10 % من قيمة القروض الجديدة، ما يشير إلى عجز الدول عن الالتزام بالتسديد أو عدم وجود استراتيجية فعّالة للإنقاذ المالي.
أما الدول الأكثر مديونية فتستحوذ على النصيب الأكبر من التمويلات الجديدة، ما قد يدلّ على سياسة استمرارية الإقراض دون مراجعة جادة للأثر.
وفي ظل استمرار ارتفاع المديونية، لا توجد مؤشرات في البيانات المنشورة على الموقع الرسمي لصندوق النقد على تحسّن فعلي في الوضع المالي للدول، وهو ما يُفترض أن يظهر من خلال انخفاض الاعتماد على التمويل الخارجي.
وبالفعل، يظهر أن العديد من الدول التي تجدّد حصولها على التمويل هي نفسها التي كانت تقترض باستمرار في السنوات الأخيرة، ما يكشف عن نمط تكراري للفشل، لا تعالج فيه الأزمات بل تُدار موقتاً.
وبما يُفترض أن يكون الهدف الرئيسي للصندوق هو تحقيق الاستقرار، إلّا أن البيانات تُظهر عكس ذلك. فزيادة القروض وقلّة السداد خلال فترة قصيرة جداً لا تنسجم مع منطق "الاستقرار المالي"، بل تعكس عمق الأزمة. والأرقام تقول إن 69 دولة لم تسدّد سنتاً واحداً خلال الفترة المحلّلة، رغم استمرار تلقّي بعضها تمويلات جديدة. وهناك 79 دولة سدّدت أقل من 1 % من مديونياتها السابقة، ما يعكس هشاشة مالية عميقة وفشلاً في تحسين الإيرادات أو غياب خطة واقعية للالتزام بشروط الاقتراض.
لبنان... السّم في التفاصيل
في لبنان، يطرح الصندوق أكثر من 40 سؤالاً دقيقاً ومفصلاً حول كل ما يتعلّق بالتحويلات، الاعتمادات، السوق السوداء والتدخلات النقدية. لكنّه كما جرت العادة، لا يقدّم أي تصوّر واضح لكيفية إنقاذ النظام المصرفي، تماماً كما حدث في الأرجنتين وغانا، حيث فُرضت متطلبات رقابية وإدارية معقدة، لكنها لم تُترجم إلى انتعاش اقتصاديّ بل إلى شلل إضافي في الحركة الاقتصادية.
حجم اقتصاد الكاش في لبنان يُقدّر بأكثر من 9 مليارات سنوياً وفق تقديرات غير رسمية، ويُستخدم لتمويل عمليات التهريب ونشاطات حزبية وعسكرية خارجة عن الدولة، وتحويلات لمستخدمي تطبيق "ويش" موازية خارج النظام المصرفي.
وفيما يصحّ اعتبار اقتصاد الكاش في لبنان، كوجه مالي للدولة العميقة، من المتوقّع إعادة تدوير، كل من استفاد من اقتصاد الكاش الحالي، من مافيا وميليشيا وإصلاحيين جُدد، "لاقتصاد الظل" بوسائل "غير تقليدية".
ومن المرجّح أن ذلك قد بدأ منذ أشهر، عبر ما يُطلق عليه اقتصادياً بالتهريب العكسي واللجوء إلى العمليات الرقمية المشفّرة، لا SWIFT، لا بنك، لا مراقبة فيها، أهمها الـUSDT كعملة رقمية مُستقرّة ومربوطة بالدولار الأميركي ثابتة القيمة وسريعة دون المرور بالنظام المصرفي والرقابة.
ناهيك بإنشاء شبكات مالية موازية، ليس لـ "حزب اللّه" فقط بل لسياسيين، كُثر منهم تغييريو الهوى، عبر جمعيات ومؤسسات دينية، كلّها تعمل بالكاش وتُموّل من الخارج (إيران ومغتربون وغيره) تمرّ عبر صناديق زكاة أو مجالس مذهبية أو منظمات غير حكومية، لا تخضع للتدقيق الضريبي أو عبر شركات صرافة خاصة غير مُرخّصة وغير مضبوطة، تتمركز في مناطق اقتصادية رمادية خارج سيطرة الرقابة المركزية للدولة اللبنانية. وهو ما دفع دولة الإمارات مثلاً، إلى اتخاذ قرار يفرض على جميع الصرّافين التبليغ عن تفاصيل كافة التحويلات المالية إلى لبنان.
يمكن اعتبار "حزب اللّه" نموذجاً مبدعاً في تقديم أدوات مالية داخلية كإعادة تنشيط بطاقات "سجاد" و "نور" تحت مظلة مكتفية ذاتياً بالكاش لا رقابة عليها مصحوبة برفض تام للرقمنة الانتخابية أو إصلاح قانوني يكشف مصادر تمويل الأحزاب.
مجدّداً، تغليف للواقع بـ "مكياج" برّاق، يخفي تحته لا شيء سوى... قباحة.