العالم يودّع البابا فرنسيس: رجل السلام والصوت الإنساني الذي لن يُنسى
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
الشيباني: الممارسات الإسرائيلية في سوريا تقوض أمن المنطقةفي لحظة طغى فيها الحزن على القلوب، ودّع العالم البابا فرنسيس، الذي توفي عن عمر ناهز 88 عامًا، بعد صراع مع المرض، تاركًا وراءه إرثًا إنسانيًا وروحيًا سيظل حيًا في ضمير البشرية. على مدى اثني عشر عامًا قضاها على رأس الكنيسة الكاثوليكية، اتّسمت قيادته بالشجاعة، والانفتاح، والدعوة الدائمة إلى السلام والعدالة الاجتماعية.
إعلان الحداد وبدء الإجراءات الكنسية
أعلن الكاردينال كيفن فاريل، عبر شاشة الفاتيكان الرسمية، نبأ الوفاة بكلمات تملؤها الأسى: «أيها الإخوة والأخوات، ببالغ الحزن نعلن انتقال البابا فرنسيس إلى رحمة الله». انطلقت بعد ذلك فترة حداد رسمية تستمر تسعة أيام، تُعرف بـ"الحداد البابوي"، تمهيدًا لاجتماع المجمع المقدس لاختيار البابا الجديد خلال أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع.
في لحظة رمزية مؤثرة، قرعت أجراس كاتدرائية نوتردام في باريس 88 مرة، عدد السنوات التي عاشها البابا. وأعلنت عمدة باريس، آن هيدالجو، إطفاء أضواء برج إيفل ليلاً، واقترحت تخليد اسمه بإطلاقه على أحد المعالم الباريسية.
إرث من الحوار والدعوة للسلام
وُصف البابا فرنسيس، في موقع «فاتيكان نيوز»، بأنه "بابا السلام"، وقد كرّس حياته لرفع صوت المظلومين، والدعوة إلى وقف الحروب، ودعم المهمّشين. لم يكن السلام بالنسبة له شعارًا دبلوماسيًا، بل مسارًا عمليًا سعى لتكريسه من خلال زياراته المتكررة لمناطق النزاع، ومبادراته في سبيل التقريب بين الثقافات والأديان.
مواقف إنسانية
منذ أيامه الأولى وحتى آخر ظهور له على الشرفة الرئيسية لكاتدرائية القديس بطرس، ظل البابا مناصرًا للقضايا العادلة حول العالم. وفي رسالته بمناسبة عيد الفصح، قبل ساعات من وفاته، جدد دعوته لوقف إطلاق النار في غزة، مؤكدًا: «لا يمكن تحقيق السلام من دون نزع السلاح».
وكانت مواقفه من القضايا الدولية واضحة وحاسمة. ففي مارس الماضي، دعا من سريره في مستشفى "جيميلي" إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا، وإحلال السلام في فلسطين، لبنان، ميانمار، والسودان.
ردود فعل عالمية: نعي واسع وإجماع على مكانته
انهالت رسائل التعزية من قادة الدول والزعماء الدينيين والسياسيين في شتى أنحاء العالم، في مشهد يُجسّد مدى تأثير هذا الرجل الفريد.
• الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قال إن البابا "ترك إرثًا إنسانيًا سيبقى محفورًا في الوجدان"، ونعاه كـ"صوت للسلام والمحبة".
• الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استذكر جهوده في جعل الكنيسة "مصدرًا للفرح والأمل للفقراء".
• الملك عبدالله الثاني من الأردن قال إن البابا "اكتسب محبة الشعوب بتواضعه وحرصه على التقريب بين الجميع".
• الرئيس جوزاف عون وصفه بـ"صوت العدالة والسلام ونصير المهمشين".
• أحمد أبوالغيط، أمين عام جامعة الدول العربية، اعتبره "صوتًا للضمير في زمن تجاهله الكثيرون".
وفي السياق ذاته، نعى الرئيس الفلسطيني محمود عباس "صديقًا مخلصًا لقضية فلسطين"، بينما كتب الرئيس العراقي عبداللطيف رشيد عن البابا قائلاً إنه "رفض الحروب ونادى بإنسانية جامعة".
من موسكو، أرسل فلاديمير بوتين برقية عزاء مشيرًا إلى دور البابا في تعزيز العلاقات مع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، وأكّدت البطريركية نفسها على أهمية الإرث الذي تركه في بناء جسور التواصل.
أما في الغرب، عبّرت كل من أورسولا فون دير لاين وجورجيا ميلوني وكير ستارمر وتشارلز الثالث وفريدريش ميرتس عن حزنهم العميق، وأشادوا بالبابا كرمز للسلام والتواضع والعدالة.
وفي الولايات المتحدة، نشر البيت الأبيض صورة تجمع البابا بـ"دونالد ترامب" ونائبه "جي دي فانس"، مرفقة بعبارة: "ارقد بسلام". أما "فانس" فقال: "قلبي مع ملايين المسيحيين الذين أحبوه".
من بوينس آيرس إلى روما: رحلة حياة استثنائية
وُلد خورخي ماريو بيرغوليو، الذي أصبح البابا فرنسيس، في الأرجنتين، ليكون أول بابا من أميركا اللاتينية، وأول يسوعي يتولّى هذا المنصب. منذ لحظة انتخابه، فاجأ العالم بتواضعه، ورفضه الامتيازات البروتوكولية، وقراراته الجريئة في إعادة تشكيل هوية الكنيسة لتكون أقرب للناس، خصوصًا الفقراء والمحتاجين.
رغم تدهور صحته في السنوات الأخيرة، ظل حاضرًا في المناسبات الكبرى. آخر ظهور علني له كان في 6 أبريل، على كرسي متحرك في ساحة القديس بطرس، في ختام قداس اليوبيل.
البابا والسياسة العالمية: ما بعد الموت
لا يمكن فصل الدور الديني للبابا فرنسيس عن تأثيره السياسي والإنساني. فقد التقى بقادة العالم، وانتقد السياسات التي تمس الفقراء والمهاجرين، ولم يتردد في الاختلاف حتى مع المسؤولين الكاثوليك، كما حصل في اجتماعه الأخير مع نائب الرئيس الأمريكي "فانس"، الذي كانت له مواقف مخالفة للبابا في موضوع الهجرة.
من يخلف البابا فرنسيس؟
تزامناً، تستعد الكنيسة الكاثوليكية إلى عقد مجمع الكرادلة في كنيسة سيستين في الفاتيكان لانتخاب بابا جديد خلفاً للبابا الراحل فرنسيس، حيث يعقد المجمع خلف أبواب مغلقة ولا يخرج الكرادلة المشاركون في المجمع إلا بعد أن يتفقوا على انتخاب أحدهم على رأس الكنيسة الكاثوليكية.
ومن العادات أنه في حال لم يتفق الكرادلة على انتخاب بابا بأغلبية ثلثي الأصوات يتم حرق أوراق الاقتراع ووضعها في المدخنة ما يولّد دخاناً أسود دليلا ًعلى عدم الانتخاب، وتتكرر هذه العادة حتى يتصاعد الدخان الأبيض من المدخنة بعد إضافة مادة خاصة على الأوراق المحروقة، في إعلان عن انتخاب بابا جديد.
برزت أسماء عدد من الكرادلة الرفيعي المستوى كأبرز المرشحين لخلافة فرنسيس، أبرزهم:
• لويس أنطونيو تاجلي (67 عاماً)، من الفلبين، المعروف برؤيته الإصلاحية.
• بييترو بارولين (70 عاماً)، إيطالي، يشغل منصب أمين سر دولة الفاتيكان.
• بيتر توركسون (76 عاماً)، من غانا، أول أفريقي يُطرح اسمه بجدية منذ عقود.
• بيتر إردو (72 عاماً)، مجري، يتمتع بخلفية لاهوتية قوية.
• أنجيلو سكولا (82 عاماً)، إيطالي محافظ، اسمه طُرح سابقاً في مجمع 2013.
عادة ما يُعقد المجمع البابوي بين 15 و20 يوماً بعد الوفاة، لإتاحة الوقت لإتمام مراسم الجنازة وفترة الحداد الرسمية التي تمتد تسعة أيام وتُعرف بـ"النوفيميال"، إضافة إلى وصول الكرادلة من مختلف أنحاء العالم.