من آلية الزناد إلى خطة غزة.. فلبنان إلى الدمار
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
عن خطة وضعت لترفض: أي خيارات أمام حماس ؟كتبت د. جوسلين البستاني في "نداء الوطن":
عندما أكّد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن "إيران نفّذت الاتفاق بالكامل"، في إشارة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، ذكّرنا ذلك بتصريحات قادة "حزب الله" حول التنفيذ الكامل لالتزامات اتفاق وقف إطلاق النار المُبرم في تشرين الثاني 2024. فمن جهة، يتعارض السجل التاريخي وتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخيرة بشكل مباشر مع ادعاء عراقجي. ومن جهة أخرى، يتجلّى عدم امتثال "حزب الله" لاتفاق وقف إطلاق النار، في الضربات الإسرائيلية المُستمرّة التي تستهدف مستودعات الأسلحة المرتبطة به في الجنوب والبقاع. إذ تُشير هذه الضربات إلى أن البنية التحتية العسكرية لا تزال سليمة، مع الإشارة إلى مواصلة قادته رفض نزع السلاح علنًا.
بناءً عليه، وفي بيئة ما بعد تفعيل آلية الزناد، أو إعادة فرض العقوبات تلقائيًا على إيران بموجب القرار 2231، لمجلس الأمن الدولي، لا يُمكن تقييم مواقف إيران و"حزب الله" على أساس النوايا المُعلنة وحدها. إذ يُظهر سجلّهما التاريخي نمطًا ثابتًا في استخدام الخداع سلاحًا للهجوم ودرعًا للدفاع، باعتباره ممارسة مقبولة، بل وحتى فاضلة، عند مواجهة أعداء يعتبرونهم غير شرعيين أو مُعادين. ما يعني أن التأكيدات الرسمية الإيرانية لا يُمكن أخذها على محمل الجدّ.
ومن هذا المنظور، لا ينبغي النظر إلى نفاق "حزب الله" تجاه الدولة اللبنانية بمعزل عن سياقه، بل كجزء من ثقافة استراتيجية يشترك فيها مع راعيه، وآخر مثال على ذلك ما أقدم عليه في الروشة. فكل من إيران و"حزب الله" ينتميان إلى نفس المدرسة الفكرية، التي تعتبر الخداع سِمَة هيكلية للعمل السياسي وليس خيارًا طارئًا، ويستمدّان ذلك من الثقافة الاستراتيجية الثورية التي شكّلتها عقيدة الخميني، هدفها الأساسي التحكّم بالغموض.
الفكرة الأساسية هي إظهار الديناميكية التي برزت مؤخرًا بعد إعادة تفعيل آلية الزناد. فقد رفضت إيران رفضًا قاطعًا إعادة فرض العقوبات، ووصفتها بأنها غير شرعية بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، ورغم قوة خطابها، إلا أنها لم تصل إلى حدّ إصدار تهديدات مباشرة بالانتقام. بالتالي، يبرز تحدٍ رسمي يُرافقه إنكار للنوايا العدوانية، مع التحضير في الوقت نفسه لقوات الوكلاء، التي يظلّ دورها مُهمًا وفقًا لأحدث المصادر المفتوحة، وذلك على الرغم من الأضرار الكبيرة التي ألحقتها إسرائيل بها.
لذا، فإن ما تُشير إليه خطابات القادة الإيرانيين هو أن طهران ستتجنب المواجهة المباشرة عالية المخاطر، بينما تُعيد تنشيط شبكتها الإقليمية من الوكلاء. وقد تجلّى ذلك في إعلان الحوثيين في اليمن يوم الثلاثاء الماضي عن نيّة استهدافهم لشركات النفط الأميركية الكبرى، بما في ذلك إكسون موبيل وشيفرون، على الرغم من الهدنة التي تمّ الاتفاق عليها سابقًا مع إدارة الرئيس ترامب بعدم مهاجمة السفن الأميركية في البحر الأحمر وخليج عدن. كما أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن هجوم صاروخي على سفينة شحن ترفع العلم الهولندي في خليج عدن. يُضاف إلى ذلك ما صرّح به أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني بعد زيارته الأخيرة للبنان، بشأن "حزب الله" الذي يُعيد بناء نفسه بسرعة ويُواصل المقاومة، مُشيرًا إلى أنه إذا لم يتحرّك الآن فذلك لأنه لا يريد الإخلال بوقف إطلاق النار في لبنان مع إسرائيل، وإلا فهو يمتلك القدرة على قلب الموازين، وفق قوله. بالطبع، يُجسّد هذا الموقف المزدوج، ديناميكية ما بعد إعادة تفعيل آلية الزناد، التي تتسمّ بالغموض وعدم اليقين.
أما إذا أضفنا خطة ترامب للسلام في غزّة إلى هذه المعادلة، فإن ذلك يزيد مستوى آخر من التعقيد الاستراتيجي. لكن تأثير هذه الخطة على الأزمة الإيرانية المُتأجّجة يعتمد على ردّ "حماس"، وتأييد الدول العربية، وتنفيذها بشكل موثوق. ممكن للخطة التي وضعها ترامب لغزّة، في حال نجاحها، أن تُضعف نفوذ إيران بشكل كبير، وفي حال فشلها، من المتوقع أن تستغل طهران وكلاءها ودعايتها لِتقويض المبادرة مع الحفاظ على دورها الإقليمي.
لكن المفارقة تكمُن في أن اتفاق غزّة يزيل أحد المُبرّرات لِحيازة "حزب الله" للأسلحة، وفي الوقت نفسه يزيد من حافز إيران للحفاظ على قوة "حزب الله"، باعتباره الورقة الأخيرة الفعّالة في يد طهران ضد إسرائيل.
بالتالي، فإن خطر اندلاع حرب بالوكالة في الأسابيع التالية لعودة العقوبات ليس مُجرّد احتمال ظرفي، بل يمكن صياغة الإجابة على هذا السؤال بشكل أفضل من منظور الاحتمال الشرطي. فإذا شنّت إسرائيل أو الولايات المتحدة مزيدًا من الضربات على المصالح الإيرانية، فإن احتمال اندلاعها يرتفع بشكل كبير، إذ ستشعر طهران بأنها مُضطرّة للرد،ّ ويُعدّ "حزب الله" أقوى أداة مُتبقيّة لديها. والمؤسف انه وسط تصاعد هذه التوترات الإقليمية وموقف "حزب الله" المُتشدّد، تظلّ السلطات الرسمية اللبنانية عاجزة إلى حد كبير، وغير قادرة على كبح وجود الميليشيا العسكرية أو التأثير على قراراتها الاستراتيجية.
ومثلما اختارت الإمبراطورية اليابانية الدمار بدلًا من التسوية في عام 1945، بعد أن أصبحت الهزيمة حتميّة، وظلّ قادتها يرفضون الاستسلام مُتمسّكين بإيديولوجية التوسّع العسكري، حتى أجبرت هيروشيما وناغازاكي على إنهائها بتكلفة كارثية، يواجه اليوم لبنان خطرًا أشدّ بسبب إصرار "حزب الله" على التمسّك بسلاحه وخدمة مصالح إيران، في وقت ساهمت فيه التحرّكات الجيوسياسية الأخيرة في تضخيم التوتّرات الإقليمية وزيادة عدم الاستقرار داخليًا. وكما أقدمت الإمبراطورية اليابانية على التدمير الذاتي، يُحوّل "حزب الله" ما كان يُمكن أن يكون خيارًا سياسيًا قابلاً للتعديل إلى مبدأ انتحاري. الدرس صارخ: عندما تُقدّم قيادة "حزب الله" ولاءها السياسي فوق بقاء الشعب، تصبح النتيجة حتمًا دمار لبنان.