الخميني وورثته جمّدوا تاريخ المنطقة وبن سلمان أعاد تحريكه
klyoum.com
لم يعرف الشرق الأوسط أسوأ من الثورة الإيرانية كونها ليست مجرّد حركة تخريبية لديها عقيدة توسعية لا تؤمن بدول وكيانات وحدود ودساتير، إنما نجحت في السيطرة على دولة كبرى لها تاريخ وموارد وقدرات، واستخدمت إمكاناتها في أربعة اتجاهات أساسية:
الاتجاه الأول، استنهاضي للواقع الشيعي في المنطقة، وقد حولّت نفسها إلى مرجعيتهم الدينية والسياسية، وأخرجتهم من ولاءاتهم للدول التي يشكلون جزءاً لا يتجزأ منها، إلى الولاء لخطها ونهجها وتوجهاتها، وبالتالي حولتهم إلى حالات اعتراضية وغير مندمجة مع أولويات الدول التي يشكلون أحد مكوناتها.
الاتجاه الثاني، انتزاعي للورقة الفلسطينية من الدول العربية والسنية، والتلطي خلف هذه الورقة في محاولة لإخفاء مشروعها المذهبي، والتغلغل في الدول العربية عن طريق المزايدة بهذا العنوان، والعمل على تقويض الأنظمة العربية من خلال التسلل إليها ونشر الفوضى داخلها، والاستحواذ على هذه الورقة بغية الدخول على خط التفاوض مع الولايات المتحدة.
الاتجاه الثالث، صراعي وتضخيمي من خلال تصوير العالم بانه منقسم إلى قطبين: «الشيطان الأكبر»، وإيران التي تواجه هذا الشيطان، والهدف من هذا التضخيم تصوير نفسها بأنها وريثة الاتحاد السوفياتي، وإلغاء أي خيار ثالث، وتحييد ما أمكن من دول تحت عنوان «إما معنا وإما ضدنا»، وتوظيف هذا الصراع من أجل التمدُّد والتوسُّع.
الاتجاه الرابع، تحالفي مع نظام الأسد والفصائل الفلسطينية والحوثيين، ولولا التحالف الاستراتيجي مع البعث السوري لما تمكّن النظام الإيراني من الدخول إلى الساحتين اللبنانية والفلسطينية، خصوصاً في زمن الحاجز العراقي مع صدام حسين.
والهدف الأساس لإيران كان إبقاء حالة الحرب في الشرق الأوسط، وهذا الهدف من طبيعة استراتيجية وعقائدية وتكوينية، لأنه من دون الحرب لا تستطيع التوسّع والتمدُّد ونشر ثورتها العنفية، الأمر الذي يتناقض مع علة وجودها، وبالتالي جمّدت إيران التاريخ بمنعها المنطقة من الذهاب إلى السلام والاستقرار، وأبقتها في حروب متواصلة ومستمرة.
وقد شاءت الظروف أو الأقدار أو العناية الإلهية أن تتقدّم شخصية شابة في المملكة العربية السعودية إلى موقع المسؤولية، وقرّرت إخراج المملكة من الدور الكلاسيكي للدولة التي تريد الخير لشعبها وشعوب المنطقة، وتربطها أفضل العلاقات مع معظم دول العالم، إلى الدور الرائد سعودياً وإقليمياً ودولياً ويمكّنها من نشر الخير وتعميمه من موقع قوة وشراكة مع صناع القرار في العالم، وجل ما كان مطلوباً تحقيقاً لهذه النقلة النوعية والاستراتيجية وجود شخصية تتحلى بالجرأة والرؤية، وأن تبدأ التحديث من داخل المملكة، وأن ترسم خريطة الطريق التي تجعل منها دولة استقطابية لدول العالم أجمع.
وبمعزل عمن يكتب التاريخ، فهناك من يجمِّد حركته، وهناك من يسرِّعها، وقد جمّدت الثورة الخمينية التاريخ، والأمير محمد بن سلمان أعاد تسريع وتيرة حركته من خلال ربط المملكة واستطراداً المنطقة بحركة العالم والبشرية، لأن من يجمِّد هذه الحركة يجمدها في بلده ودائرة تأثيره ونفوذه، ولكنه لا يستطيع تجميدها كونياً، والكون يسير باتجاه البحث عن الأفضل دائماً للإنسانية وفي المجالات كافة.
ونجاح أي بلد يكمن في قدرة قيادته على ربط حركته مع حركة العالم، وليس في عزله عن هذه الحركة. إن توهّم قيادة أن بإمكانها ضبط حركة الكون والبشرية على ساعتها، هذا النوع من القادة على غرار الخميني وورثته، يسيئون كثيراً إلى بلادهم وشعوبهم باستجرارهم الموت والشقاء والحروب والفوضى وعدم الاستقرار.
ونجاح الأمير محمد يكمن في إرادته وتصميمه على تجاوز العقبات الداخلية وتهيئة البنية التحتية التي تجعل من المملكة مساحة جذب والتقاء دول العالم وفي طليعتها الولايات المتحدة، ونجاحه أيضاً في ضبط ساعته على التوقيت العالمي، وقد مكّنته جهوزيته من التقاط المومنتم الدولي والإقليمي الذي بدّل وجه المنطقة من أجل وضع الشرق الأوسط على الخريطة الدولية بعدما كان الخميني وورثته أزالوها عن هذه الخريطة، ويبقى السؤال عن كيفية ربط لبنان بالمسار الجديد بعدما جمّدت الممانعة حركته على مدى نصف قرن؟