اقتراح قانون لتسديد الضرائب على ودائع «الليرة»: خطوة نحو إنصاف المودعين أم إهمال متجدّد؟!
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
عناوين الصحف الصادرة اليوم الإثنين 29 09 2025نوال أبو حيدر
تواجه الودائع المصرفية في لبنان تحدّيات كبيرة بعد الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد. وتتصاعد الجهود القانونية والتنظيمية لإيجاد حلول تحمي حقوق المودعين وتعيد التوازن للنظام المالي.
من هنا، تقدّم النائب فريد البستاني باقتراح قانون يسمح للمودعين بتسديد الضرائب والرسوم من ودائعهم المحجوزة بالليرة، بسعر صرف يعادل 20% من السوق، ولمدة ثلاث سنوات، يُحدد السقف السنوي بـ100 ألف دولار لكل مكلف، وتُستخدم العائدات حصراً لتقليص الدين العام. يهدف الاقتراح لتعويض جزئي للمودعين وتعزيز الإيرادات الضريبية، كما يتضمن آليات رقابة من وزارة المالية وديوان المحاسبة لضمان الشفافية.
إلى أي حدّ يمكن اعتبار اقتراح القانون خطوة فعلية نحو إنصاف المودعين بالليرة، في ظل الفروقات الكبيرة بين القيمة الاسمية والفعلية لودائعهم؟
فصل الودائع ضروري لإدارة الأزمة
الخبير المالي والمصرفي الدكتور نسيب غبريل يؤكد في حديث خاص لـ«اللواء» أن «قبل اندلاع الأزمة الاقتصادية في لبنان في أواخر عام 2018، بلغ إجمالي الودائع المصرفية حوالي 174 مليار دولار. من هذا المبلغ، كانت هناك نحو 24 مليار دولار مودعة بالليرة اللبنانية، محتسبة على سعر صرف 1507 ليرة للدولار الواحد».
ويتابع: «خلال تلك الفترة، وتحديدا قبل اشتداد الأزمة، شهد النظام المصرفي عمليات تحويل كبيرة من الودائع بالليرة اللبنانية إلى الدولار، نتيجة تراجع الثقة بالعملة المحلية. وبعد تشرين الأول 2019، ومع تفاقم الأوضاع، تسارعت وتيرة هذه التحويلات، حيث تم تحويل كميات كبيرة إضافية من الودائع من الليرة إلى الدولار. وبالتالي، تقلّصت تدريجيا حصة الودائع بالليرة اللبنانية داخل المصارف. ففي نهاية تموز 2025، بلغت الودائع بالليرة اللبنانية نحو 81.7 تريليون ليرة فقط، ما يوازي حوالي 920 مليون دولار وفق سعر الصرف الحالي، وذلك ضمن إجمالي ودائع يقارب 88.5 مليار دولار. وهذا يعني أن الغالبية الساحقة من الودائع اليوم هي بالعملات الأجنبية، وليست بالليرة».
من هنا، يرى غبريل أنه «من الضروري عند البحث في كيفية إدارة هذه الودائع أو تنظيم استعادتها التفريق بين نوعين أساسيين من الودائع، تلك التي كانت موجودة قبل الأزمة عام 2019 وتلك التي تم تحويلها إلى المصارف بعد اندلاع الأزمة، إذ أن هذا الفصل ضروري، لأن لكل نوع من هذه الودائع خصائص زمنية وقانونية ومالية مختلفة، ما يؤثر على كيفية التعامل معها ضمن أي خطة مالية أو إعادة هيكلة مستقبلية».
إهمال ودائع الليرة ومقترح ضريبي لصالح المودعين
وفي سياق متصل، يعتبر غبريل أن «مشروع القانون المطروح اليوم يتناول الودائع التي كانت موجودة في المصارف قبل اندلاع الأزمة في تشرين الأول 2019. ومنذ ذلك الحين، تركّزت السياسات المالية والمصرفية سواء عبر تعاميم مصرف لبنان، أو عبر مقترحات الحكومات المتعاقبة، أو حتى ضمن مشروع القانون الحالي المتعلّق بتحديد مصير الودائع والمعروف بمشروع «الفجوة المالية» على الودائع بالعملات الأجنبية، وبشكل خاص الودائع بالدولار الأميركي، مع إهمال شبه كامل للودائع بالليرة اللبنانية».
ويضيف: «هذا الإهمال خلق خللاً في المقاربة الشاملة، خصوصا أن هناك شريحة من المودعين كانت تملك ودائع بالليرة قبل الأزمة، ولم تُمنح نفس الاهتمام أو الوضوح في المعالجة كما حصل مع أصحاب الودائع بالدولار. ومن هنا، يصبح من الضروري أن يُحدَّد بشكل واضح ما هي المبالغ المؤهلة للخضوع لهذا القانون، أي الودائع التي كانت موجودة قبل تشرين الأول 2019، سواء كانت بالدولار أو بالليرة».
وفي هذا السياق، يُذكر غبريل أن «وزارة المالية كانت قد اقترحت في مشروع موازنة 2024 أن تُدفع الضرائب المستحقة على الحسابات المصرفية بالدولار من خلال اقتطاع («هيركات») يصل إلى 60% من قيمة هذه الودائع، وهو طرح قوبل برفض واسع. أما في المقابل، فإن مشروع القانون المقدَّم من البستاني، يذهب باتجاه مغاير، إذ يقترح دفع الضرائب على أساس سعر صرف مدعوم يعادل 20% فقط من السعر الحقيقي، مما يشكّل فارقا كبيرا لصالح المودعين».
وعليه، يقول: «فكرة السماح للمودعين بدفع الضرائب على هذه الودائع بسعر صرف يُحتسب بنسبة 20% فقط من سعر الصرف الفعلي في السوق تُعتبر خطوة إيجابية لصالح المودعين، إذ تُخفّف من الأعباء الضريبية عليهم مقارنةً بسعر السوق الكامل. لكنها تبقى مرهونة بموافقة وزارة المالية، التي تمتلك الكلمة الفصل في هكذا إجراء».
تسعير ضريبي مخفّض لا يشكّل خسارة للمودعين
من جهة أخرى ذات صلة، يوضح غبريل أنه «إذا تم تسعير ودائع المودعين بنسبة 20% من سعر الصرف الفعلي في السوق، فإن هذا الإجراء لا يُعتبر بمثابة «خسارة مقنّعة» للمودع، بل يبدو أن الهدف الأساسي منه هو تسهيل تسديد الضرائب والرسوم المتوجبة على الحسابات المصرفية، وليس تحميل المودعين اقتطاعات إضافية من ودائعهم».
ويتابع: «بالتالي، فإن المقترح لا يُعامل على أنه «هيركات» أو مساس مباشر بحقوق المودعين، بل كإجراء تيسيري لهم، يسمح بتسوية أوضاعهم الضريبية بكلفة أقل بكثير من السعر السوقي الكامل، شرط أن توافق وزارة المالية على هذا التوجّه».
لا عدالة دون معالجة ودائع الليرة
في نهاية المطاف، يقول غبريل: «لا بدّ أن يدخل موضوع تحديد مصير الودائع بالليرة اللبنانية ضمن مضمون مشروع قانون الفجوة المالية، لأنه من غير المقبول الاستمرار في حصر النقاش فقط بالودائع بالدولار، حتى لو كانت تشكّل نحو 90% من إجمالي الودائع المصرفية اليوم».
ويختم: «العدالة المالية تقتضي التعامل مع جميع أنواع الودائع، بغض النظر عن عملتها، خصوصا أن شريحة من المودعين لا تزال تملك ودائع بالليرة اللبنانية كانت موضوعة قبل الأزمة، ويجب أن يُحدَّد مصيرها بشكل واضح ضمن إطار القانون نفسه، لا أن تُترك خارج المعالجة القانونية أو تُهمَّش كما حصل حتى الآن».