بلدية طرابلس: البحث عن شخصية لقيادة توافق جامع لا تنتمي إلى الحقبة الماضية
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
الرئيس عون في عيد قوى الأمن : ملتزمون بتقديم كل الدعم اللازمتكتسب الانتخابات البلدية في طرابلس أهمية كبرى ضمن عملية "قيامة" الدولة وإعادة تشكيل توازناتها السياسية. فهي عاصمة الشمال، والمدينة الثانية في لبنان سكانياً وسياسياً. فيها يتمركز العصب السني وينسحب تأثيره على رقعة جيوسياسية واسعة تتصل بالحدود مع سوريا، وما خلفها في كثير من الأحايين.
وهي التي أحدثت انتخابات مجلسها البلدي عام 2016 واحداً من الصدوع التي "زلزت" أركان النظام السياسي وقواه التقليدية قبل أن يزهر التغيير انتفاضة شعبية في ساحات وشوارع لبنان عام 2019، بعدما هزمت لائحة "قوى التغيير" المتصلة بنبض المجتمع لائحة "تحالف السلطة"، تحت عباءة اللواء أشرف ريفي، والذي تنظر إليه شريحة واسعة من أبناء المدينة على أنه يجسد آخر منجز طرابلسي جدّي في بنية الدولة، لعصاميته، وشجاعته في الثبات على موقفه المعارض لتغول "حزب الله" وزبانيته في حقبة عزّ فيها النصير، وفاحت رائحة فساد تحالف "المافيا والميليشيا" ولوّثت سمعة لبنان عربياً ودولياً.
وصفة التعافي
لا تزال مقاربة هذا الاستحقاق الحيوي أسيرة السمة السلبية التي تطبّعت بها الساحة السنية في السنوات الأخيرة تحت تأثير سياسات بعض قادتها، الذين أمعنوا في تحويل الاستحقاقات الانتخابية، وكل ما يتصل بعملية صناعة السياسة وحجم الحضور والتأثير ضمن المعادلة الوطنية، من صراعات بين تكتلات وتحالفات تحمل أفكاراً أو برامج، إلى تنافس فردي على الوجاهة تحت عباءة هذا الزعيم أو ذاك.
نتيجة لذلك، صارت كل محطة سياسية عبارة عن "شلّال" تتدفّق فيه الأسماء السنية فُرادى، أكان على مستوى الحكومة والتوزير، أو التعيينات، أو الانتخابات النيابية، وينسحب ذلك على الاستحقاق البلدي والاختياري، حيث يسجل إفراط في الترشيحات الفردية التي تتبنى معالجات ظرفية وميدانية لواقع شديد التعقيد، وسط غياب المساحات المشتركة التي يمكن من خلالها تكوين أرضية صلبة لتشكيل لوائح. وهذا ما صعّب مهمة العرّابين والعاملين على خط نسج تحالفات وتفاهمات تتمتع بالحد الأدنى من التماسك لتسويقها أمام الرأي العام.
التوافق المتوازن
ثمة اعتبار سائد يحظى بمقبولية واسعة لدى النواب السنة في عاصمة الشمال بأن مقتضيات المرحلة تحتاج فريقاً متماسكاً بقيادة ربّان مُسيّس، يحفظ خريطة "ألغام" المدينة ومراكز القوى فيها بما يمكنه من إدارة التوازنات السياسية والمجتمعية الهشة، واستراتيجي مدرك عمق المتغيّرات التي تعيشها المنطقة بأسرها، لديه القدرة على بناء علاقة تعاون مُنتجة مع الحكومة، بما يتيح إنضاج مناخ سياسي واجتماعي ينسجم مع التحوّلات الحاصلة في مراكز صنع القرار ويترجم في الانتخابات النيابية المقبلة.
وعلى عكس كل الأجواء السائدة إزاء الرئيس سعد الحريري والتي تضطلع بعملية "إضرام" مظلومية تغلب على البعدين السياسي والاجتماعي في الاستحقاقات الانتخابية، فإن السعودية غير معنية بالاستحقاقات المحلية، إلا أنها تنظر إلى بقاء مفاتيح صياغة التفاهمات في يد الأقطاب التقليديين على أنها تصب في نهاية المطاف لصالح إحياء المرحلة الماضية بتوازناتها ومصالحها على حساب "قيامة" الدولة.
الديناميات المتشابكة بين السياسي والمحلي أفضت إلى تشكل مناخ داعم لتوافق يتسم بالتوازن بما يضمن وحدة الساحة السنية، ولا سيما في طرابلس، وفي الوقت نفسه يحدّ من تأثير تدخّلات الأقطاب التقليديين، مع الحرص على عدم كسرهم من خلال إبقاء تمثيلهم حاضراً وإن بشكل موارب.
العقل والعضلات
وتتولّى شخصيات وقوى مجتمعية ترويج فكرة مفادها أن سيطرة "جماعات الشارع" على الحيّز العام في عاصمة الشمال بشكل فاقع تستوجب اختيار شخصية عسكرية قادرة على مواجهة تغوّل هذه الفئة وإحداث التوازن المطلوب، من أجل تسويق ترشيح العميد المتقاعد محمد فوّال على رأس تحالف يحظى بدعم النائب فيصل كرامي، وعدد من الأطراف المجتمعية ذات التأثير.
لكن هذا الطرح يصطدم بكون الاسم المطروح من المحسوبين على حقبة الرئيس السابق إميل لحود والنظام الأمني اللبناني - السوري، وتنظيم قديم إبان الحرب الأهلية حمل اسم "المقاومة الطرابلسية" وكانت لديه صلات معروفة بالأجهزة السورية. لذلك أظهرت أجواء عدد من نواب عاصمة الشمال وساستها رفضها تبنّي هذا الطرح، وأكثر منها فكرة "عسكرة" رئاسة البلدية في الوقت الذي تحاول الحدّ من تدخلات الأجهزة الأمنية والأدوار التي تلعبها على الساحة الطرابلسية.
إلى ذلك، جرت بعض المحاولات للتوافق على اسم فيصل البقار كمرشح رئاسي، لكن طرح اسمه لم يحظَ بالإجماع السياسي المطلوب لأسباب مختلفة، رغم أنه شخصية معروفة كما عائلته في الوسط الطرابلسي. إلى جانب مجموعة "انتفض" التغييرية التي سبق لها تسجيل حضور مدوّ في الانتخابات النيابية الماضية، وصارت لاعباً يصعب تجاوزه، ولديها عدد من المرشحين للعضوية في بلديتي طرابلس والميناء، إلا أنها لم تتقدم بشخصية للرئاسة لأنها عملت على التوفيق بين الأطراف الإسلامية المحافظة والنائب أشرف ريفي، من دون أن توفق في ذلك.
في ظل هذه المعطيات، صار من الضروري البحث عن شخصية من خارج السياقات المطروحة، ذات عقل وإرادة، تتمتع بفكر سياسي ممزوج بالصرامة ونظافة الكف، ومن خارج المجلس البلدي الحالي، على أن تُترك لها حرية اختيار أكثر من نصف الأعضاء لتكوين فريق منسجم لديه الأكثرية اللازمة لوأد سياسات التعطيل، والقدرة على تحقيق الأهداف الواقعية الموضوعة، وعلى رأسها إخراج طرابلس من عزلتها وحالة الخواء التي أوصلت إليها تحالفات الحقبة الماضية، وإعادتها إلى ذاتها وهويتها التاريخية.