زخم عربي ورسائل دولية: مؤتمر «بيروت 1» يعيد لبنان إلى خارطة الإستثمار
klyoum.com
في خطوة تحمل مؤشّرات تحوّل اقتصادي وسياسي مهم للبنان، احتضنت الواجهة البحرية للعاصمة بيروت، مؤتمر "بيروت 1” الاستثماري، بمشاركة وفود رفيعة من دول عربية وخليجية وغربية، وحضور لافت لرئيس الجمهورية جوزف عون الذي افتتح أعمال المؤتمر مؤكداً أن لبنان يدخل مرحلة جديدة عنوانها الثقة والشراكة والفرص.
ويأتي انعقاد المؤتمر في توقيت حسّاس تمرّ فيه البلاد بواحدة من أعقد أزماتها منذ عقود، بعد الانهيار المالي الذي بدأ عام 2019، وما خلّفته الحرب الإسرائيلية على لبنان العام الماضي من أعباء اقتصادية وإنسانية وإعمارية. غير أنّ الحشد الدولي والعربي الذي سجّله المؤتمر حرّك مشهداً بدا راكداً، مقدّماً إشارة أولى إلى إمكانية إعادة لبنان إلى خارطة الاستثمار من جديد.
وفي كلمته الافتتاحية، شدّد الرئيس عون على أنّ المؤتمر ليس حدثاً اقتصادياً تقليدياً، بل "بداية فصل جديد من نهضة لبنان”، متوجهاً إلى المشاركين بالقول: "لبنان لا يطلب تعاطفاً، بل ثقة. لا ينتظر صدقة، بل يقدّم فرصة. وجودكم هنا اليوم هو استثمار في الاستقرار، في الطاقات الشابة، وفي مستقبل سيكون أفضل إذا سرنا فيه معاً.”
وأضاف أن الحضور العربي والدولي الواسع يعكس إرادة شركاء لبنان في دعم مسار إعادة البناء، مشدداً على أنّ البلاد تمتلك كل المقومات لفتح صفحة نمو حقيقي إذا توافرت الإرادة والشراكات المناسبة .
اليوم الأول
وفي اليوم الاول عقدت 6 جلسات متنوعة، كانت حول «رؤية لبنان الاقتصادية - ترسيخ المستقبل»، والتي اعلن فيها وزير المال ياسين جابر بأن لبنان سيحقق فائض مالي جيد جدا في بداية عام 2026، وذلك من خلال الموازنة التي تم ارسالها الى المجلس النيابي، وهذا ما سينعكس ايجابا على لبنان.
وشدد جابر على ان «لبنان من اوائل الدول في العالم الذي ادخل الشراكة بين القطاعين العام والخاص. واعلن بانه سيعاد هيكلة قطاع الكهرباء الى 3 اقسام، وسيكون هناك شراكة مع القطاع الخاص، كما يتطلع لبنان الى شراكات مع المستوى المحلي والعربي في العديد من المشاريع.
ولفت الى ان «هناك مشروع الاتيان بالغاز الى لبنان لتخفيض كلفة الكهرباء وتحسين التغذية الكهربائية وتخفيف نسبة التلوث». وشدد على انه «ليس هناك اقتصاد من دون مصارف، ويجب اصلاح القطاع المصرفي وهذا الموضوع من اولوية الاولويات، والاصلاحات قادمة لننقل لبنان الى حالة افضل».
بدوره، هنأ نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان أوسمان ديون لبنان على تنظيم هذا الحدث المميز، مؤكدا بان «لبنان يستطيع ان ينهض بسرعة، لافتا الى ان البلد بحاجة الى اصلاحات وخطوات ملموسة، كما ان عليه ان يثبت انه قادر على اتخاذ خطوات للاصلاح. وشدد على ان الرسالة التي ساعيدها معي الى واشنطن هي ان «لبنان قادر على النهوض».
واعتبر ديون بأن «هناك اليوم خطوات واضحة على لبنان القيام بها، كما يجب خلق بيئة مؤاتية يمكن التنبؤ بها، ونؤكد على اهمية الاصلاحات القطاعية. ودعا الى تعزيز الاستثمارات الخاصة بين القطاعين العام والخاص، كما يجب خلق بيئة يسودها حكم القانون، ولدى البنك الدولي الكثير من التجارب الممثالة، والكثير من البلدان نجحت، ويستطيع لبنان ان ينجح».
ولفت الى ان «اصلاح القطاع المصرفي في لبنان يجب ان يكون اولوية، واليوم لدينا 50 مشروعا في لبنان بقيمة 1.8 مليار دولار اميركي، ونحن نبحث عن افضل استثمارات في لبنان، ونحن مستعدون لمرافقة لبنان لتنفيذ الاصلاحات. وشدد على انه علينا اصلاح الاقتصاد الكلي في لبنان، ويجب ان يكون ضمن التنفيذ، وفي نهاية المطاف يعود للشعب اللبناني ان يجتمع ويفكر في التوافق اللبناني الذي يؤدي الى استعادة الثقة ويعيد لبنان الى مكانته».
واشار وزير الاقتصاد عامر البساط الى ان «كل قطاعات لبنان لديهم قابلية للانتاج، ويجب ان نترك المجال لهذه القطاعات كي تنتج، ولفت في مداخلته الى انه لدينا خطة طموحة لتحقيق أهداف اقتصادية وتنموية للبنان بحلول عام 2035، مع رؤية واضحة للاستثمار والإصلاح مؤلفة من 3 اقسام:
1. أهداف طموحة ولكن قابلة للتحقيق، ومنها مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي خلال 7 إلى 10 سنوات (من 31 مليار في 2025 إلى 78.2 مليار في 2035)، وزيادة الصادرات من 4.3 إلى 30 مليار، كما رفع الاستثمار من 3.6، والقضاء على الفقر بحلول عام 2030. وذكر بان الحاجات الاستثمارية لعشر سنوات تقدّر بـ 74 مليار، منها جزء عام وآخر خاص.
2. خطة استثمار رأسمالي مبدئي تقديره (قرابة 8 مليار)، الاستثمار العام والخاص (PPP) يشمل:
- الطاقة (3 مليار)
- الأشغال والنقل (1.1 مليار )
- النفايات الصلبة (1.68 مليار)
الاستثمار العام فقط يشمل: المياه، الاتصالات، الصحة، التعليم، الإصلاح الإداري، التكنولوجيا، الشؤون الاجتماعية والثقافة.
واكد ان «لبنان يتمتع بأفضلية تنافسية قوية، وبان الفرصة ما زالت مفتوحة، وقد بدأنا الإصلاحات لفتح الإمكانات، وعند تحقيق الإمكانات، ستكون هناك فرص استثمارية كبيرة».
وختم البساط ، أن «هذه البداية وإعلان انطلاقة جديدة ومسار جديد لاستعادة الثقة بين الدولة ومواطنيها».
«الاستثمار مفتاح التحول الاقتصادي»
اشار حاكم مصرف لبنان كريم سعيد الى ان «لبنان يعمل على إعادة بناء هيكليته الاقتصادية وعلى الاستقرار المادي وهذا ما يعزز ثقة المستثمرين، والهدف هو الوضوح المادي وتثبيت العملة عبر الخطط الواضحة وبدون هذه الخطوات لا يمكننا العمل على الاصلاح». وشدد على ان «مصرف لبنان هو المنظم وليس المساعد للقيام بالخطط وهو ممول الدولة، وحان وقت الجدية والعمل».
واردف: « نحن بحاجة لاقتصاد منتج لا اقتصاد ريعي وأسواق افضل للأصول والسندات وبحاجة أيضا لعملة مستقرة، واكد إن أولوية مصرف لبنان هي سداد ودائع المودعين، وأشار إلى أن لبنان بات يملك الآن فرصة لمطالبة المقرضين المحليين بإعادة الرسملة، وسداد الودائع، وتحسين الحوكمة، وضمان عدم وجود أشخاص من ذوي النفوذ السياسي في مجالس إدارات المصارف أو ضمن المساهمين فيها».
وأكد أن «المصارف التجارية المحلية التي تبدي استعداداً لتوفير رأس المال ستبقى على قيد الحياة». واوضح بان مصرف لبنان يعمل على إعادة دور المصارف، كما يعمل على تثبيت العملة، ونحن بحاجة لاحتياطات أجنبية إضافية لحماية العملة الوطنية».
بدوره، اعتبر رئيس المجلس الاقتصادي الاجتماعي شارل عربيد أن «هذا المؤتمر رسالة واضحة للبنانيين المتأمّلين بوطنهم ولبنان ليس في حالة انتظار بل أنّه ينهض رغم الأزمات».
وقال: «لبنان يستحق ونحن قادرون. فلننتقل إلى الفعل ونبني صورة لبنان كما يجب من أجل وطن مستقر ومتنوّع»، مشيراً إلى أن «مؤتمرنا إشارة مباشرة إلى أن لبنان فرصة لا أزمة».
ورأى أن «الحضور العربي العزيز بيننا اليوم والزخم السعودي المتصاعد هما دليل محبة وفرص ونحن اليوم نريد الاستثمار وإعادة الإعمار واسترجاع الودائع وعودة الاقتصاد، إذ لا تعافيَ من دون عودة القطاع المصرفي إلى كفاءته وازدهاره».
وأشار إلى أن «الثقة باتت صفة أداء الرئيس عون لتصحيح المشهد بعيداً مما يشتّت الوطن عن مصلحته وأنتم هنا لأنكم تثقون بلبنان».
وختم: «بهذا فقط نؤمن الاستقرار الذي يستحقّه اللبنانيون».
رسائل سياسية واقتصادية
ويحمل "بيروت 1” دلالات تتجاوز إطار الاستثمار، إذ يراه المراقبون خطوة لإعادة وصل لبنان بشبكة العلاقات الاقتصادية العربية والدولية بعد سنوات من العزلة والجمود. كما يُتوقع أن يفتح المؤتمر الباب أمام تفاهمات جديدة في ملفات الطاقة، البنى التحتية، التكنولوجيا، وإعادة الإعمار، إضافة إلى تحريك القطاع المصرفي الذي يُعدّ حجر الأساس في أي خطة تعافٍ شاملة.
وبينما تتجه الأنظار إلى ما سيلي المؤتمر من خطوات عملية، بدا أن بيروت استعادت جزءاً من دورها كعاصمة جاذبة للقاءات الاقتصادية العربية، ورسّخت انطباعاً بأن لبنان لا يزال يمتلك القدرة على التحوّل إلى بيئة استثمارية واعدة متى استعاد استقراره وثقة العالم به.