إنتخابات الفاكهة – الجديدة: التشطيب يهدّد المناصفة
klyoum.com
كتب عيسى يحيى في “نداء الوطن”:
تقف بلدة الفاكهة – الجديدة اليوم على مفترقٍ حاسم، فنتائج الانتخابات البلدية التي أسقطها التشطيب في اللوائح عام 2016، والخوف من تكرار السيناريو وتجدد الخلل، كلها أمور تضعها أمام اختبار صدق الالتزام الدقيق بين المكونين الأساسيين فيها “السنة والمسيحيين”، ناهيك عن أن تكون المناصفة عنواناً للعيش المشترك، وتتحول صناديق الاقتراع إلى اختبار حقيقي للميثاقية.
تشكل بلدة الفاكهة – الجديدة عقدة جغرافية – ديموغرافية مركبة، يلتقي فيها المسلمون والمسيحيون على أرض واحدة بلا فصل جغرافي أو تمايز، يتقاسمون المصير البلدي ذاته، لكن هذا التعايش، لا يخفي هشاشته الكامنة خلف صناديق الاقتراع. ففي هذه البلدة التي شكلت قبل عقود اتحاداً إدارياً بين قريتين مستقلتين، الفاكهة ذات الغالبية السنية، والجديدة ذات الغالبية المسيحية، باتت فيها السياسة المحلية مرآة دقيقة للتركيبة الطائفية، وهكذا صار المجلس البلدي المكون من 18 عضواً، يُنتظر منه أن يُمثّل بـ 9 أعضاء سنة، و 9 مسيحيين، وفق أعراف غير مكتوبة، لكنها أكثر صلابة من أي قانون.
تجربة المجلس البلدي السابق عام 2016 كانت شاهدة على هشاشة هذا التوازن، حيث جاءت النتائج مشوهة بفعل ظاهرة التشطيب، وصوّت الناخبون لصالح مرشحيهم فقط، ما أدى إلى اختلال التمثيل، ونتج عنها مجلس غير متوازن ” 16 سُنة و 2 مسيحيين”، سرعان ما بدأت الخلافات واستقال عدد من الأعضاء، إضافة إلى شبهات التزوير، لينتهي الأمر ببلدية مستقيلة. هذا السقوط لم يكن إدارياً فقط، بل سياسياً وأكثر، إذ كشف عمق الأزمة في التمثيل المحلي عندما يغيب الحد الأدنى من الثقة المتبادلة، فالميثاقية هنا ليست ترفاً دستورياً، بل ضمانة للاستقرار الأهلي والمحلي.
اليوم تعود الفاكهة – الجديدة إلى الاستحقاق البلدي في ظل انقسام واضح، حيث تشهد البلدة معركة بين ثلاث لوائح، واحدة منها غير مكتملة، لكنها لا تتشابه في تركيبتها الطائفية، ولا في رؤيتها لمفهوم الشراكة، وفي الوقت نفسه يتداخل البعد العائلي فيها مع البعد الطائفي، فتتشظى الولاءات، وتتعقد الحسابات.
تبدو المعركة في البلدة محتدمة والأجواء تنافسية، تسعى كل لائحة إلى كسب الولاءات والأصوات وفق ما تقتضيه ضرورة المنافسة. فاللائحة الأولى التي اكتمل عقد تأليفها وحافظت على التوازن الطائفي عبر اختيار 9 أعضاء مسيحيين و 9 مسلمين، تسعى إلى شد العصب المسيحي عبر رفع نسبة الاقتراع لدى الطائفة، لتصل أقله إلى نصف عدد المقترعين السنة، وهي تجمع تحالفاً عائلياً وحزبياً، تشاع أجواء فوزه قبل الانتخابات وفق تقديرات البعض.
ووفق متابعين، فالمسيحيون يصوتون للائحة التي يتولى فيها مسيحي الولاية الأولى، وهو الأمر المتفق عليه في اللائحة الأولى، ولأن ذلك يضمن لهم عدم الانقلاب عليهم في الولاية الثانية، يدعمون الشخصيات التي تبرم اتفاقاً مع المسلمين على تولي الفترة الأولى.
أما اللائحة الثانية فلا يزال التمثيل المسيحي فيها غير مكتمل بانتظار ربع الساعة الأخير من المفاوضات التي قد تفضي إلى دخول أحد المرشحين من اللائحة الثالثة في البازار الانتخابي، وقد وصلت حتى كتابة هذه السطور إلى 10 مسلمين و7 مسيحيين، وعليه تشاع أجواء حصول المسيحيين على الولاية الأولى لكسب الود المسيحي. إضافةً إلى القول بأن اللائحة والميثاقية تحتاجان إلى مرشح أكبر عائلة مسلمة في البلدة، وسط إشاعة أجواء فوزها.
فيما يتوقع متابعون أن لا تبصر اللائحة الثالثة النور، كونها غير محمية بتمثيل مسيحي يضعها على خط المنافسة، وعليه تبقى المشاريع الانتخابية عنوان جذب الناخبين وهو أمرٌ غير مهم بالنسبة لأبناء البلدة، كون المعيار الطائفي وصحة التمثيل أهم من أي معيار آخر. ولأن المعركة تحتدم يوماً بعد آخر، يتوقع أن تصل نسبة الاقتراع إلى 55 بالمئة، وأن تزيد حماسة المسيحيين هذا العام وتدفعهم نحو الصناديق.
ولأن في الفاكهة – الجديدة يجب أن تكون الشراكة قاعدة لا استثناء، فإن الانتخابات هي اختبار لمدى الالتزام، فهل تكون دروس الماضي القريب كافية لتذكير الجميع أن التمثيل المتوازن ليس ترفاً؟ أم أن الحسابات الضيقة ستعيد إنتاج مجلس بلدي مهدد بالسقوط في أي لحظة.