اخبار لبنان

ام تي في

سياسة

الحكومة اللبنانية لـ"حماس: وأُعذِر من... حذَّرَ

الحكومة اللبنانية لـ"حماس: وأُعذِر من... حذَّرَ

klyoum.com

في خطوة تعكس قلق الدولة من التهديدات المتكررة التي تطال أمنها القومي، أصدر مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ 2 أيار 2025 القرار رقم 29، الذي تضمّن تحذيراً واضحاً وصريحاً لحركة حماس من استخدام الأراضي اللبنانية للقيام بأي أعمال تمسّ بالأمن القومي، وتأكيداً على اتخاذ أقصى التدابير والإجراءات اللازمة لوضع حد نهائي لأي عمل يمس بالسيادة اللبنانية.

قرار في الشكل حازم، وفي المضمون بالغ الأهمية، غير أن التحدي الحقيقي يكمن في الانتقال من مستوى التحذير السياسي إلى التنفيذ السيادي.

بين تحذير اليوم واتفاق الأمس

ليس القرار رقم 29 إلا محاولة لتصحيح مسار تاريخي خاطئ بدأ عام 1969 عندما وقّع لبنان، تحت وطأة الضغوط الإقليمية، اتفاق القاهرة الذي شرّع العمل المسلح الفلسطيني على أراضيه، ومهّد لعقود من الخلل السيادي، والاقتتال الأهلي، والتدخلات الخارجية.

ومع أن اتفاق الطائف ألغى هذا الاتفاق قانوناً، فإن مفاعيله ظلّت قائمة بفعل سياسة التمييع السيادي، التي سمحت ببقاء المخيمات خارج سلطة الدولة، واستُثنيت منها الرقابة والتفتيش والقرار الأمني، لتصبح جزراً معزولة خارجة عن سيطرة الشرعية.

أما اليوم، فقرار مجلس الوزراء يؤسس لمرحلة جديدة، تبدأ بتحذير وتنتهي – إذا أُريد لها النجاح – بتكريس حصرية السلاح بيد الدولة دون سواها.

التحذير وحده لا يكفي: ما الذي يجب أن يتبع؟

التحذير هو العتبة الأولى، لكنه لا يكتمل من دون اتخاذ سلسلة من التدابير العملية والسيادية، نعدد أبرزها:

1. تنفيذ أمني مباشر وإزالة المستودعات والمراكز المسلحة خارج المخيمات.

2. فتح ملفات التحقيق والمحاسبة بحق من يسهّل إدخال السلاح.

3. تجفيف مصادر التمويل واللوجستيات، ومراقبة التحويلات والدعم الخارجي.

4. تحرك ديبلوماسي رسمي باتجاه الجامعة العربية والأمم المتحدة والدول الراعية.

5. تثبيت مبدأ حصرية السلاح والقرار الأمني في السياسات الحكومية والبيانات الرسمية.

لكن ماذا عن وزراء حزب الله؟ وماذا عن تحالف السلاح المقاوم مع حماس؟

من اللافت أن هذا القرار أُقرّ في جلسة حضرها وزراء حزب الله، ووافقوا عليه دون تحفظ.

وهنا يُطرح سؤال سيادي بامتياز:

ألا يُفترض أن ينطبق مضمون هذا القرار أيضاً على حزبهم، بما يمثله من دعم علني ومباشر لحركة حماس؟

هل التزامهم بالقرار ينسحب على وقف كل أشكال الدعم اللوجستي والعسكري والتنسيقي مع الحركة، بما في ذلك:

• تدريب عناصرها،

• تهريب الأسلحة،

• توزيع الأدوار العملياتية،

• التنسيق الاستخباراتي،

• وفتح الجغرافيا اللبنانية أمام تمددها؟

بل أكثر من ذلك، ألا يُفترض أن يشمل هذا القرار كل ممارسات السلاح الموازي على الأراضي اللبنانية، ولو كانت تتخذ شكل مقاومة أو تنظيم حزبي؟

أليس من الواجب على حزب الله، بصفته شريكاً في القرار السياسي، أن يكون أول المنفذين لمندرجات القرار 29؟

أم أن التحذير موجه فقط للفصائل غير اللبنانية، فيما يبقى سلاح الفصيل الداخليحزب اللهبمنأى عن أي إجراء؟

من اللافت أيضاً أن هذا التحذير الرسمي لحركة حماس يتزامن مع تطور ميداني مقلق في الجنوب، يتمثل في الانقلاب الصامت الذي يمارسه حزب الله على تفاهمات الأمم المتحدة بشأن حرية حركة قوات اليونيفيل، والتي تم تثبيتها بموجب تجديد ولايتها الأخير، خلال مهمة وزير الخارجية عبدالله بو حبيب، وبعد سجال سياسي حاد بين أطراف داخلية وخارجية، انتهى إلى صيغة توافقية واضحة تضمن حرية تنقّل اليونيفيل دون مواكبة لبنانية مسبقة.

لكن، وبعيداً عن الإطار الرسمي، جرى في الميدان تفعيل أدوات ضغط شعبية - تنظيمية، عبر التعميم على ما يسمى “الأهالي” للتصدي لقوات اليونيفيل، بذريعة عدم التنسيق مع الجيش أو تجاوز نطاق العمل الجغرافي.

وقد سُجّلت في الأسابيع الأخيرة حوادث اعتراض ميدانية مريبة، ترافق بعضها مع تصعيد لفظي أو جسدي، تحت عنوان “غضب الأهالي”.

والسؤال السيادي هنا:

هل عاد “عنصر الشعب” ليُستعمل مجددًا كورقة ضغط في وجه الشرعية الدولية؟

وهل باتت مقاومة الأهالي غير المنظمة تمهيداً لواقع جديد تُعاد فيه صياغة ثلاثية الشعب – الجيش – المقاومة، في وقت غاب فيه السلاح الفلسطيني الموالي لـ حزب الله موَقتاً، بينما يسود حذر في تحريك جناح المقاومة بشكل علني؟

يبدو أن الجنوب يُدار بمنطق التصعيد غير المُعلن، وأن عناصر المعادلة يتم تنشيطها بطريقة تبقي حزب الله ممسكاً بكل الخيوط، دون أن يظهر في الواجهة، ما يسمح له بالتنصل من الالتزامات الدولية من جهة، والاستمرار في التحكم بالقرار الميداني من جهة أخرى.

في المحصلة،إن القرار رقم 29 ليس ورقة في محضر، بل نداء سيادي يجب أن يتحوّل إلى مسار كامل يُفضي إلى احتكار الدولة للسلاح، والقرار، والسيادة.

لا مساومة بعد اليوم، ولا انتقائية. فإما أن تكون الدولة فوق الجميع، أو نعيد إنتاج الدولة ضمن الدولة، والمسلح فوق الدستور.

وإن غابت المحاسبة، فليُسأل وزراء الحكومة:

هل التحذير يعني الجميع؟ أم أن هناك استثناءات تبقي السيادة ناقصة؟

*المصدر: ام تي في | mtv.com.lb
اخبار لبنان على مدار الساعة