تدمير أنفاق غزة هدف إسرائيلي أميركي يتقدّم على سلاح المقاومة
klyoum.com
كتب حسن حردان في "البناء"
أعلنت هيئة البث الإسرائيلية انّ “إسرائيل” تبحث مع واشنطن تدمير أنفاق غزة، وأنّ إدارة ترامب تريد البدء بنموذج تجريبي في أنفاق رفح…
السؤال الذي يُطرح، لماذا الاهتمام الإسرائيلي الأميركي بأنفاق غزة ووضعه في رأس جدول الأعمال قبل نزع سلاح المقاومة، هل لأنّ الأنفاق شكلت في الحرب السلاح الأقوى بالنسبة للمقاومة من السلاح نفسه، وهل بإمكان واشنطن وتل أبيب تدمير الأنفاق في وقت عجز فيه جيش الاحتلال عن تحقيق هذا الهدف، رغم دخوله الى معظم مناطق قطاع غزة؟
هذه الاسئلة تطرح جوهر التحدي العسكري والسياسي الذي تمثله شبكة أنفاق غزة بالنسبة لـ “إسرائيل” والولايات المتحدة الأميركية… يمكن تفسير وضع هدف تحييد الأنفاق قبل نزع سلاح المقاومة وإمكانية تدميرها، في رأس جدول الاعمال الأميركي الإسرائيلي، من عدة نواحي:
أولاً، على صعيد أهمية الأنفاق كـ سلاح أقوى من السلاح نفسه:
1 ـ البنية التحتية الاستراتيجية: تشير العديد من التقارير الإسرائيلية والأميركية إلى أنّ شبكة أنفاق حماس ضخمة ومعقدة، ويُقدّر طولها بمئات الكيلومترات (بعض التقديرات تقول بأنها تتجاوز 500 ـ 700 كم). هذه الشبكة هي بمثابة “غزة السفلى” أو “المترو”، وتشكل العمود الفقري لقدرة المقاومة على البقاء والقتال، وتصنيع السلاح، وليست مجرد وسيلة لتهريب السلاح.
2 ـ الوظائف العسكرية:
ـ الإخفاء والمناورة: وفرت الأنفاق حماية للمقاتلين من القصف الجوي والمدفعي، وسمحت لهم بالمناورة السرية وإعادة التموضع والقيام بهجمات مفاجئة خلف خطوط جيش الاحتلال الإسرائيلي.
ـ القيادة والسيطرة: تستخدم الأنفاق كمراكز قيادة وسيطرة وغرف عمليات.
ـ تخزين السلاح: تُخزن فيها الصواريخ والأسلحة والذخائر.
ـ احتجاز الأسرى: يرجح أنّ الأنفاق استخدمت أيضاً لاحتجاز الأسرى الإسرائيليين.
3 ـ عامل بقاء المقاومة: الأنفاق هي التي حوّلت غزة إلى “قلعة” وجعلت من القتال التقليدي لجيش الاحتلال عملية مكلفة وصعبة للغاية. وبالتالي، فإنّ تحييد هذه الأنفاق هو في الواقع شرط مسبق وضروري لنزع سلاح المقاومة وإضعافها بشكل هيكلي، بل إنه قد يُعتبر الهدف العسكري والاستراتيجي الأول بالنسبة لكيان العدو.
ثانياً، أسباب اهتمام واشنطن وتل أبيب المشترك:
*الفشل في التدمير: اعترفت تقارير إسرائيلية وأميركية بأنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي فشل في تدمير شبكة الأنفاق، حتى الآن، وما حققه إنما هو تقدّم محدود، حيث أشارت بعض التقديرات في وقت سابق إلى أنّ نسبة كبيرة من الأنفاق لا تزال سليمة. الأنفاق أذهلت الجنرالات الصهاينة والأميركيين لناحية جودتها وعمقها ونطاقها وهندستها.
*الحاجة إلى الخبرة والتقنية: يُعتقد أنّ الاهتمام الأميركي ينبع من الحاجة إلى المساعدة في إيجاد حلّ لـ “معضلة الأنفاق” عبر توفير الخبرة التقنية والمعدات المتقدمة للكشف عنها وتحييدها، وهو ما يعجز عنه جيش الاحتلال الإسرائيلي وحده.. لا سيما أنّ قدراته في مكافحة الأنفاق ثبت أنها غير كافية لمواجهة هذا التعقيد.
*خطة ما بعد الحرب: تحييد الأنفاق يرتبط أيضاً برؤية ما بعد الحرب، حيث يرى البعض في كيان العدو أنّ مهمة تدمير الأنفاق، غير الاستراتيجية، ستقع على عاتق الجهة التي ستدير القطاع مستقبلاً، أو يتطلب إشرافاً دولياً أو أميركياً لضمان عدم إعادة بنائها، خاصة أنّ الأنفاق تستخدم أيضاً في تهريب السلع عبر الحدود مع مصر (أنفاق رفح).
ثالثاً، إمكانية تدمير الأنفاق:
ـ الصعوبة البالغة: تدمير الأنفاق بالكامل مهمة صعبة للغاية ومستمرة، حتى مع الدعم الأميركي. وتعود الصعوبة إلى:
*الحجم والتعقيد: الشبكة واسعة ومتشعبة وعميقة (أحياناً بعمق 7 طوابق تحت الأرض).
*البناء الجيد: بعض الأنفاق مصمّمة هندسياً بجودة عالية ومزوّدة بأنظمة تهوية وكهرباء.
*الارتباط بالبنية التحتية المدنية: تقع العديد من فتحات الأنفاق تحت المباني المدنية.
*تقنيات المقاومة: استخدام الأنفاق كفخاخ أو تدميرها جزئياً لتضليل القوات المهاجمة.
*النماذج المقترحة لتحييدها: الإغراق بمياه البحر أو استخدام مواد متفجرة خاصة هي نماذج جُربت أو نوقشت، لكن فعاليتها على كامل الشبكة محلّ شكّ ولها مخاطر بيئية وأمنية.
باختصار، يمكن القول إنّ الاهتمام الأميركي الإسرائيلي بالأنفاق قبل نزع السلاح يعكس الإدراك بأنّ تحييد هذه الشبكة هو المفتاح لتفكيك القدرة العسكرية والبنيوية للمقاومة، وأنّ هذه الأنفاق كانت بالفعل السلاح الأقوى الذي مكّن المقاومة من الصمود والبقاء والنجاح في إدارة وشنّ حرب استنزاف ضدّ جيش الاحتلال كبّدته خسائر فادحة في الارواح والعتاد.. وفي ظلّ العجز الإسرائيلي الواضح عن تدمير الانفاق واستطراداً الفشل في تحقيق أهداف الحرب عبر القوة، لجأ المسؤولون الصهاينة الى طلب العون من الولايات المتحدة الأميركية لتقديم الخبرات والتقنيات التي ربما تساعد في تحقيق هذا الهدف الإسرائيلي الاستراتيجي…