الخطيب: نأمل أن يرتقي الحكم الى مستوى المسؤولية
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
قرية مأهولة على القمر... قريبا!أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس في طريق المطار، وألقى خطبة الجمعة التي قال فيها:
قال تعالى : ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾[ القصص: 4]القصص القرآنية ايها الاخوة انما ذكرها الله تعالى في كتابه العزيز لأمرين: الامر الاول لأخذ العبرة من تاريخ الأمم.والثاني لدعم الفكرة التي يريد الله جل وعلا ان يثبتها في اذهان الناس. وهي جميعا تشترك في المغزى، وان اختلفت في تفاصيل الازمنة والاحداث والاشخاص والأمم، وترسم صراعا بين اتجاهين: اتجاه تقوده الغرائز والاهواء بلا ضوابط من قيم انسانية او أخلاقية، او اعتماد على منطق يستند الى العقل والحكمة ويقوم على تعطيل هذه المبادئ كمعايير تُعتمد كخيار بعد تسخيفها.. ونهج اخر يناقضها تماما في الاعتماد على العقل والمنطق والحكمة والاعلاء من شأن القيم الاخلاقية والانسانية كمعايير لصلاح المجتمعات وفسادها او كمبادئ تحكم العلاقات بين الامم والشعوب. وقد تزعّم الدين الدعوة الى اعتماد المنهج الثاني انسجاما مع الفطرة الانسانية التي قادها الانبياء والرسل الذين اعتبروا النهج الاول خروجا عن الفطرة الانسانية وافسادا لها. كما اعتُبر تعطيلا لحكمة الخلق واعتباره امرا عبثيا، وفي الحقيقة هو انكار للخالق الحكيم، وان هناك هدفا اسمى وغاية ارقى تقف خلف هذا الوجود التي لولاها لما كان للإنسانية قيمة أو معنى، ولما كان هناك من تفسير منطقي للخلق والوجود، ولساد منطق القوة والغلبة والفوضى في العلاقات بين الامم ، ما يخدم فقط القوى التي تتمتع بالقوة المادية الغاشمة وتحقق غاياتها وتبرر لها الظلم والعدوان.. هذا مع العلم أنها ليست تملك القوة المطلقة لتدوم لها الغلبة والسيطرة والنفوذ، وانما هي دول بين الناس والشعوب كما يُنبئ عنه الواقع وتحولاته التاريخية.
أضاف: ان وصف الناس للبعض بجنون العظمة الناتج عن تصرفه الخارج عن الحدود المتعارفة والعقلانية، لإحساسه بالتفوق على الاخرين، قد ينطبق ايضا على الأمم والشعوب والدول ايضا التي يصيبها الغرور والغطرسة، نتيجة لشعورها بالقوة المفرطة، تدفعها لاستخدامها ضد الاخرين واستثمارها في العدوان، واعتبار ذلك امرا عاديا وحقا من حقوقها الطبيعية لان من يملك القوة يملك التفوق، ولا معنى لهذا التفوق ان لم يملك الحق في فرض هيبته على الآخرين. وهذا الفهم ناتج عن سوء الفهم للقوة التي يفرض محدوديتها وتحولها كما فلسفة الحياة والوجود، عدم صحة الاستناد اليها، وانما يصح الاستناد الى الثابت غير المتحول ما يحق لها فقط ان تفرض شروطها في استخدام القوة المتحولة، وهي الله تعالى وحده. فكما لا يصح ان نفسر الخلق والوجود ونسنده الى العبثية، كذلك لا يصح اسناده الى المتحول والمتغير والزائل.فلا بد للمتحول والمتغير والزائل من عامل يعمل فيه التحول والتغير والزوال الذي لا بد ان ينتهي الى عامل ثابت أزلي ابدي لا يطرأ عليه الحدوث والزوال، وهو الله سبحانه وتعالى الذي يمتلك القوة الحقيقية التي قررها الله تعالى. ولذلك فإن النهج الاول ليس له اساس منطقي، وانما هو نتاج الاحساس بالقوة الفائضة الهشة وهو إحساس غرائزي يؤدي بصاحبه، شخصا او حاكما او شعبا، الى جنون العظمة ويقود الى الفساد والافساد.
وتابع الخطيب: ان فرعون شخصا ونظاما، واحد من هؤلاء الذين استغلوا القوة التي امتلكوها الى جانب الشعور بالضعف لدى من تحكم برقابهم والجهل الذي استبد بهم، ما مكنه من الشعور بالقوة والاستعلاء والتحكم بهم واستعبادهم حتى منعهم من التفكير وابداء الرأي وان يقول لهم :( لا اريكم الا ما ارى ) استخفافا بعقولهم وذبحا لابنائهم واستحياء لنسائهم عبيدا يستعملهم في خدمة البيوت، وهي الغاية في الافساد. وهذه هي النتيجة الطبيعية لهذا النهج الذي تسوقه الغرائز، مهما اختلفت تسمياته والوانه، ولو كان اسمه نظاما ديمقراطيا طالما يعتمد في المبدأ سبيل القوة، ويرى ان البقاء للأقوى. فالأقوى قد يكون فردا يتحكم بشعبه، وقد يكون نظاما يتحكم بالعالم من حوله، فهما نظامان يتشابهان من حيث النتائج والفساد والافساد، طالما أنهما يستندان الى مبدأ حق القوة، ويستبعدان من قاموسهما صاحب القوة الحقيقية، وهو الله تعالى، ولا يحتكمان الى القيم والاخلاق التي من دونها لا عدالة تتحقق في الحياة. وسأل :وهل نجد فارقا اليوم بين القوى الدولية المعاصرة التي تتقاسم النفوذ في هذا العالم ، وبين الحكم الفرعوني وغيره من الحكومات المشابهة التي مرت في التاريخ، الا ربما فروق شكلية من حيث التسميات او تعبيرات القوة، من حيث قوة ادوات السيطرة سلاحا او ادواتٍ للتضليل كالإعلام؟ وما هو الفرق بين الغرب المستعمر بالأمس وبين الغرب المسمى بالغرب الذي يرفع اليوم شعار الديمقراطية وحقوق الانسان، والتي يضلل بها شعوب العالم المستضعف ويفرض فيها سيطرته احيانا بالقوة الناعمة واخرى بالقوة الخشنة، ويقول لنا بالفعل كما قال فرعون لاهل مصر (لا أريكم الا ما أرى)؟وهل ما يفعله الغرب اليوم في بلادنا الا صورة اخرى عن فرعون يقتل ابناءنا ويستخدم شعوبنا ويسلبها حقها في الحياة الهادئة والمستقرة، في افتعاله الفتن والحروب الطائفية والمذهبية، كما يسلبها حقها في التمتع بخيراتها. ولا نحتاج في ذلك الى شواهد اخرى في استباحة بلداننا حيث اصبحت اليوم مكشوفة تماما امامه، يضرب انى شاء وانى أراد، ونحن في مواجهته مُكبّلو الإرادة، ونخاف بعد كل ذلك من اتخاذ الخطوات اللازمة لحماية بلداننا وشعوبنا التي تلقى مزيدا من الاذلال وسحق الكرامة لدولنا وشعوبنا.
وتابع الخطيب متسائلا: إلى متى هذا الخنوع والاستسلام للأقدار، نستنجد بالأمم المتحدة وقراراتها التي لا تطبق سوى علينا؟.. وهل هذا ما اراده الله لنا ان نكون خير امة اخرجت للناس، فاصبحنا أذل الأمم؟.. ألم يحن الوقت للتوافق بين الدول العربية والاسلامية الاقليمية الكبرى التي يتطلع اليها ابناء الامة لتشكل لهم غطاء يحميهم من هذا الانكشاف، وهي قادرة الان على القيام بذلك؟.. واذا لم يحصل الآن فمتى يحصل؟.. أحين يُطبِقُ العدو على هذه الامة أكثر فأكثر؟ ام انكم ما زلتم تحلمون بالسلام الواهم حتى الآن وبعد كل ما جرى، وتصدقون الغرب واحابيله واكاذيبه وخدعه، والمؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين؟.
واستطرد الخطيب: لقد ثبت لكل ذي عينين ان العدو لا يفهم سوى لغة القوة.. وأنا لا ادعو الدول العربية والاسلامية وانظمتها الى شن الحرب الآن، ولكن فلتترك لشعوبنا ان تقاوم، وقد اثبتت المقاومة جدارتها في مواجهة العدو الذي وان بدا انه حقق في الحرب الحالية والمستمرة ، بعض الانجازات التكتيكية، لكنه لم يفلح ابدا في انهاء اي جبهة منها وما زال عالقا فيها لا يرى له منها مخرجا. فبوركت ايدي المقاومين الذين سطّروا في هذه المعركة البطولات في الصمود رغم ما قدموه من تضحيات كبيرة.
واستذكر الخطيب شهداءنا الكبار في لبنان، الامينين العامين سماحة السيد الشهيد شهيد الامة حسن نصرالله، هذا القائد التاريخي الكبير الذي كان حريصا على الوحدة الوطنية وعلى الوحدة الداخلية لكل بلد عربي واسلامي، وعلى الوحدة بين كل طوائف الامة ومذاهبها وخصوصا الإسلامية منها، والسيد الشهيد هاشم صفي الدين.. ونأمل ان تدفع مواقف الدول العربية وبالأخص العربية السعودية الى تعزيزها وشد ازرها كما هو المعهود منها، وكما عبر سفيرها الذي نكن له وللعربية السعودية كل الود والاحترام في مساعدة اللبنانيين على لم الشمل ولأم الجراح واعادة البناء والإعمار للقرى والمدن المهدمة ووقف اعتداءات العدو على لبنان وتطبيق الاتفاق الأخير.
وأمل الخطيب من الحكم اللبناني ان يصب اهتمامه في التركيز على تطبيق هذا الاتفاق وتوجيه الرأي العام نحو العدوان الاسرائيلي المستمر، والذي يذهب ضحيته يوميا العديد من الشهداء والجرحى وتدمير البيوت، ومنها المجزرة الرهيبة التي اودت بحياة رب عائلة وعدد من ابنائه الأطفال وجرح زوجته وابنته.. ونسأل الله ان يرحم الشهداء ويشفي الجرحى.
وأكمل الخطيب: اننا نأمل ان يرتقي الحكم الى مستوى المسؤولية بدل التركيز على ارضاء وتحقيق رغبات المبعوثين الاميركيين الذين لا يراعون حتى اللياقات الدبلوماسية، ولم يحققوا للبنان حتى ما ضمنوه بل نفضوا ايديهم منه وخلت تصرفاتهم من الاحترام للبنان وسيادته. كما ان على الحكومة اللبنانية، بدل التلهي بأمور جانبية ، ان تبدي ادنى الاهتمام بإعادة الاعمار والترميم، وبشؤون النازحين من ديارهم ورعايتهم، بدل ان تنزع عن نفسها اي اهتمام بهم، على الاقل شأن النازحين السوريين الذين ترعاهم منظمات الامم المتحدة.
وقال: إن ما حصل في منطقة الروشة في العاصمة بيروت مساء أمس يجب أن يكون درسا وحافزا لكل عين ترى ولكل أذن تسمع، بأن إرادة الناس يجب أن تُحترم ،مثلما يجب أن تُحترم شهادة الكبار الكبار الذين ضحوا بحياتهم في سبيل الوطن. وهنا نوجه التحية لقيادات الجيش والأمن الداخلي والقوى الأمنية، على التعاطي الحكيم والعاقل مع هذا الحدث الذي كادت السياسة أن تأخذه إلى زواريب الفتنة.
وختم الخطيب: تحية للشهداء القادة، شهداء لبنان والعرب والمسلمين الذين ارخصوا دماءهم من اجل قضاياهم، وخصوصا للبنان وسيادته، ووقفوا سدا منيعا امام العدو طيلة ما يزيد عن ثلاثين عاما، وحققوا للبنان ولشعبه العزة والكرامة وتحية لكل الشهداء الابرار وللجرحى ولعوائلهم. ويكفيهم تكريم الله لهم فخصهم بالذكر انهم احياء عند ربهم يرزقون.