اخبار لبنان

جريدة اللواء

أقتصاد

لبنان وإعادة هيكلة الاقتصاد: بوابة التعافي عبر التكامل العربي والخليجي

لبنان وإعادة هيكلة الاقتصاد: بوابة التعافي عبر التكامل العربي والخليجي

klyoum.com

إنّ إعادة هيكلة الاقتصاد اللبناني لم تعد خياراً، بل باتت ضرورة وطنية قصوى، تفرضها الأزمات المتراكمة والانهيارات المتتالية التي أصابت البنية الاقتصادية والمالية والاجتماعية في الصميم. وما بين تصاعد الدين العام، وانهيار العملة، وتآكل مؤسسات الدولة، يقف لبنان على مفترق تاريخي يتطلّب إعادة صياغة شاملة لخياراته الاقتصادية، على أسس حديثة، منتجة عادلة ومستدامة.

لا يمكن الحديث عن إصلاح اقتصادي دون مقاربة شاملة تتجاوز المعالجات التقنية والرقمية، إلى رؤية سياسية وطنية عميقة تتأسس على إعادة تعريف دور الدولة، وتعزيز المؤسسات، ومحاربة الفساد، وتفعيل الإنتاج، وإعادة الثقة الداخلية والخارجية. هذه الرؤية لا تُبنى في الفراغ، بل تستند إلى مرتكزات واضحة، أولها الانتماء العربي، وثانيها الانفتاح على التجارب الناجحة، وثالثها إطلاق طاقات الكفاءات اللبنانية في الداخل والخارج، ورابعها، وهو الأهم، التكامل الحقيقي مع دول الخليج العربي التي لطالما وقفت إلى جانب لبنان في محنه.

إنّ الوطن العربي اليوم، ولا سيما دول مجلس التعاون الخليجي، يمتلك من القدرات المالية، والخبرات الإدارية، والتجارب التنموية ما يجعل التعاون معها فرصة ذهبية للبنان للخروج من نفقه الطويل. فالنماذج الخليجية في إعادة بناء الدولة، وتنويع مصادر الدخل، والاستثمار في التكنولوجيا، والتعليم، والبنى التحتية، يمكن أن تُشكّل خريطة طريق للبنان إذا ما قرر العودة الصادقة إلى حضنه العربي.

ولكي يكون لبنان جزءاً فاعلاً في هذا الفضاء العربي المتحرّك، عليه أن يعيد هيكلة اقتصاده من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج. هذه الهيكلة تتطلّب تغييرات جذرية في أولويات الدولة: من دعم المحاصصة إلى دعم المؤسسات؛ من دعم الاقتصاد غير الرسمي إلى تمكين الاقتصاد الرقمي والصناعي والزراعي والسياحي؛ من دعم المصارف فقط إلى دعم القطاعات الإنتاجية والشركات الناشئة والكفاءات العلمية.

كما ينبغي صياغة خطة وطنية متكاملة لإعادة بناء الاقتصاد، ترتكز على المحاور التالية:

1. إعادة الثقة السياسية والدبلوماسية مع دول الوطن العربي، وفي طليعتهم دول الخليج العربي ، من خلال سياسات واضحة وشفافة، تؤكد التزام لبنان بالمحيط العربي، وتحرره من أي ارتباطات تضرّ بمصالحه العليا.

2. إصلاح النظام المالي والمصرفي وفق معايير الحوكمة الدولية، بما يعيد تدفق الاستثمارات والتحويلات، ويؤسس لنظام مالي عادل يخدم الاقتصاد الفعلي لا المضاربة.

3. إطلاق مشاريع شراكة استراتيجية مع دول الخليج العربي في مجالات الطاقة النظيفة، وإعادة إعمار البنى التحتية، وتطوير المرافئ والمطارات، والتعليم والبحث العلمي.

4. الاستفادة من التجارب الخليجية الناجحة في تطوير المدن الذكية، وتحفيز ريادة الأعمال، وإنشاء مناطق اقتصادية خاصة، تعزز من جاذبية لبنان كرابط بين الشرق والغرب.

5. الاعتماد على الكفاءات اللبنانية المنتشرة في العالم، واستقطابها عبر سياسات تحفيزية لخلق بيئة أعمال قائمة على المعرفة والشفافية والتنافسية.

إنّ مشروع إعادة الهيكلة لا يمكن أن يكون مجرّد ورقة إصلاح أمام المؤسسات الدولية، بل يجب أن يكون رؤية وطنية جامعة تتبنّاها الدولة وتلتف حولها القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولا يمكن لهذه الرؤية أن تنجح من دون التحالف الصادق مع الخليج العربي، ليس فقط كمصدر دعم مالي، بل كشريك استراتيجي في التنمية والتحديث والنهضة.

لبنان كان، ولا يزال، جزءاً لا يتجزأ من النسيج العربي. ولا يمكن له أن يستعيد عافيته ومكانته إلّا بالانخراط مجدداً في المشروع العربي، بكل ما يحمله من قيم السيادة، والاستقلال، والتقدّم، والعدالة. إنّ رهاننا الحقيقي ليس فقط على التمويل، بل على الانتماء، وعلى وعي اللبنانيين بأن مستقبلهم مرهون بخياراتهم، وأن طريق الخلاص يمر عبر إعادة بناء الدولة الحديثة، بالشراكة مع أشقائنا العرب، وفي مقدمتهم دول مجلس التعاون الخليجي العربية.

*المصدر: جريدة اللواء | aliwaa.com.lb
اخبار لبنان على مدار الساعة