تلاعب وتزوير مصدر الشحنة… والقضاء يتحرّك أمام "الفضيحة"!
klyoum.com
كتب يوسف دياب في "الشرق الأوسط":
وسّع القضاء اللبناني تحقيقاته في ملفّ باخرة الفيول، التي فرّغت حمولتها في معمل الجية الحراري، وتبين لاحقاً أنها كانت محمّلة بشحنة نفط مصدرها روسيا، وليس تركيا كما ورد في المستندات الرسمية المرفقة بالشحنة، ولم يعد التحقيق محصوراً بخرق القيود والتحايل على العقوبات الدولية المفروضة على روسيا فحسب، بل تعدّاه إلى جرائم الاحتيال والتزوير والتلاعب بمستندات رسمية وسرقة أموال عامة.
الباخرة التي ترفع علم دولة بنما، وتعمل لصالح شركة نفط دولية مسجّلة في دبي، رست قبل أسابيع في مرفأ الجية محمّلة بشحنة من الفيول لصالح وزارة الطاقة اللبنانية المتعاقدة مع الشركة المذكورة، ومخصصة لتشغيل معمل الجيّة، أحد أهم المعامل الحرارية في لبنان، إلا أن التحقيقات التي فُتحت عقب الاشتباه بتناقضات في أوراق الشحنة، كشفت عن أن مصدر النفط روسيا، وليس تركيا كما ورد في الوثائق المقدمة التي قدّمها قبطان الباخرة لإدارة معمل الجيّة، وبدا أنه واثق من أن الوثائق والمستندات التي استحصل عليها من ميناء مرسين في تركيا لا يمكن دحضها بأدلة مضادة، على حدّ تعبير مصدر قضائي لبناني مشرف على التحقيقات.
وكشف المصدر القضائي لـ«الشرق الأوسط»، عن أن «مفتاح الوصول إلى مصدر الفيول، هو تقرير خبير بحري كلفه النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار، بالتدقيق بالمستندات التي قدمها طاقم الباخرة، وفحص مسار السفينة وشحنتها»، مشيراً إلى أن التقرير «أثبت بما لا يقبل الشكّ أن الباخرة أبحرت من ميناء روسي، ثم توقفت في ميناء مرسين التركي بضعة أيام، حيث جرى تعديل المستندات لإظهار أن مصدر النفط تركي، في محاولة واضحة للالتفاف على العقوبات الغربية المفروضة على صادرات النفط الروسية»، مشدداً على أن هذه المعطيات «عززها اعتراف أحد أفراد طاقم الباخرة الذي أقرّ صراحة بأن الباخرة زوّدت بكامل حمولتها من روسيا وأبحرت إلى ميناء مرسين حيث توقفت لأيام»، مؤكداً أن الباخرة لم تفرغ حمولتها من النفط الروسي في تركيا وتعبئ مكانه نفطاً تركياً كما ورد في أقوال القبطان الذي لا يزال موقوفاً منذ 10 أيام، إنما ملأت خزاناً صغيراً بمادة المازوت فقط».
ومع اتخاذ التحقيق منحىً جزائياً، فإنه سيشمل طاقم السفينة بكامله الذي يحمل غالبية أفراده الجنسية الفلبينية. وأفاد المصدر القضائي بأن «قبطان السفينة الموقوف طلب من سفارة بلاده في بيروت تعيين محامٍ للدفاع عنه، ما يشير إلى أن وضعه القانوني معقّد».
ورغم مرور نحو الأسبوعين على فرار السفينة ومطاردتها من قبل الجيش اللبناني، وتوقيفها في عرض البحر مع طاقمها، لم يصدر أي تعلق رسمي من السلطات اللبنانية حتى الآن، فإن المصدر القضائي أشار إلى أن «التحقيقات ستتوسّع وتشمل جهات داخلية وخارجية بما فيها الجهة التي تسلمت الشحنة في لبنان، والشركات الوسيطة التي شاركت في العملية». وقال: «التحقيق سيتشعّب لمعرفة ما إذا كان لبنان استورد في السابق شحنات مماثلة ولم يكتشف أن مصدرها روسيا، وفي حال تبيّن أن الجهات الداخلية والخارجية على علمٍ مسبق بمصدر الفيول الروسي، فهذا يعني أنها شريكة في هذه العمليات والنتائج التي ترتّبت عليها».
خطورة هذه الشحنة لا تقف عند حدود لبنان، بل تكتسب بعداً دولياً، كونها تمسّ بشكل مباشر نظام العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على روسيا منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022، وتحديداً القيود المشددة على استيراد النفط الروسي، وحددت سقفاً لسعره، لتقليص الإيرادات الروسية وتقويض قدرتها على تمويل حربها على أوكرانيا.
ويتطلّع لبنان منذ انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية، وتأليف حكومة جديدة برئاسة القاضي نواف سلام، التي لاقت ترحيباً عربياً ودولياً، إلى إعادة بناء الثقة مع الدول العربية والأوروبية وأيضاً الولايات المتحدة على أسس سليمة، ويحاذر الانزلاق ولو عن غير قصد إلى خرق العقوبات والقيود المفروضة على المنتجات الروسية لا سيما النفط، تجنباً لأي تدابير قانونية دولية.
وما دام أن مسار التحقيق سيأخذ وقتاً طويلاً، كشف المصدر القضائي المشرف على التحقيق، عن أن مالكي الباخرة المحجوزة «بدأوا اتصالاتهم مع القضاء لرفع قرار حجزها». وأشار إلى أن أصحاب الباخرة «عبروا عن استعدادهم لإجراء مصالحة جمركية، لا سيما وأن كل يوم إضافي في حجزها يكلّف مبالغ مالية إضافية ويفاقم خسائرها الناتجة عن توقفها عن العمل». ولفت المصدر إلى أن «التعامل مع شحنة النفط الروسي بهذه الطريقة، هو دليل على أن القضاء اللبناني بدأ التعامل بحزم مع كلّ ملفات الفساد، وإثبات جديته في محاسبة من يخالف القانون».