الأمن الدوائي مُستهدف… وسلّوم يعتبر التلاعب خطةً متكاملةً للنيل من صحّة اللبنانيين
klyoum.com
في بلدٍ يرزح تحت أعباء الأزمات المتلاحقة، لم يكن قطاع الدواء بمنأى عن التلاعب والإهمال، وهو ما عبّر عنه نقيب صيادلة لبنان الدكتور جو سلّوم، في بيانٍ لافتٍ، حمّل فيه مسؤوليات جسيمة لمَن وصفهم بالمتورّطين في خطةٍ ممنهجةٍ هدفت إلى ضرب الأمن الدوائي للبنانيين.
سلّوم كشف أنّ ما جرى خلال السنوات الماضية لم يكن مجرّد فوضى عابرة أو نتيجةً لظروف اقتصادية طارئة، بل "خطة متكاملة" بدأت بتهريب الأدوية المدعومة وذات الجودة العالية إلى خارج لبنان، ما أدّى إلى فقدانها من السوق المحلية. واعتبر أن هذا الفقدان لم يكن سوى تمهيدٍ لمرحلةٍ جديدةٍ، أُدخل خلالها الدواء المغشوش والمزوّر، وصولًا إلى تبرير الاستيراد الطارئ لأنواع من الأدوية المتدنّية الجودة، وغير الحائزة على شهادات طبية موثوقة، بما في ذلك أدوية السرطان الحسّاسة.
وأكّد أن "معظم صيادلة لبنان التي أُفرغت صيدلياتهم من الدواء، ومعهم مرضى لبنان هم ضحايا تلك المرحلة"، معتبرًا أن "الحلّ اليوم لإنصاف المرضى والصيادلة معًا، عبر وضع ملفّ الدواء في يد الوكالة الوطنيّة المستقلّة التي نامت مراسيمها التطبيقيّة أربع سنوات في الأدراج، على الرَّغم من مناشداتنا المتكرّرة لإقرارها"، مُرَحِّبًا بموقفيْ رئيس الجمهورية ووزير الصحة اللذيْن يسيران بهذا الاتجاه".
أبرز المتورّطين
وكشفت التحقيقات الأولية أن المتورّط الرئيسي في الملف هو شقيق النائب الحالي ووزير المالية السابق علي حسن خليل (محمد) وزوجته ماريا فواز التي غادرت إلى جورجيا، بعد أن كانت تدير صيدليّة في منطقة حي الماضي – الضاحية الجنوبية، وهي واحدة من صيدليات عدّة أغلقتها القوى الأمنية في الأيام الماضية.
في حين نفى الوزير السابق أي علاقة له بالقضية. وقال في بيان عبر حسابه على منصة "إكس" أمس: "فيما يخصّ القضيّة المُثارة مؤخرًا والمتعلّقة بطليقة شقيقي وعلاقته بها، نودّ التأكيد أنّ الموضوع قضائي يخصّهما ولا علاقة لنا لا من قريب أو بعيد بما يتمّ تداوله ولا تربطنا أي صلة عمل بالمذكورَيْن".
توقيف ضابط بالأمن العام ونقيب
إلى ذلك، أشارت مصادر خاصة لـ"العربية" إلى أنّه تمّ حتى الآن توقيف أربعة أشخاص، بينهم الضابط محمد حسن خليل ونقيب في قوى الأمن الداخلي، إلى جانب اثنَيْن من تجار الأدوية، مع توقّعات بارتفاع عدد الموقوفين خلال الأيام المقبلة، في ظلّ الاشتباه بتورّط شركات أدوية خاصة أيضًا.
كما كشفت التحقيقات عن تورّط سيدة أخرى إلى جانب زوجة خليل، في حين برزت أسماء ضباط آخرين أيضًا من جهات أمنية ضمن شبكة تهريب الأدوية، تحديدًا عبر مطار بيروت.
مرضى السرطان
وشددت المصادر على أنّه من أخطر ما تمّ كشفه في هذا الملف، أنّ بين الأدوية المغشوشة علاجات مخصّصة لمرضى السرطان، كانت تُستبدل بأدوية وزارة الصحة ثم تُباع بأسعار مرتفعة، بينما تُسلّم للمريض أدوية مزورة لا تحتوي على المواد الفعّالة.
وفي هذا السياق، أكد نقيب مستوردي الأدوية في لبنان جو غريّب أن الأزمة بدأت فعليًا عام 2019، تزامنًا مع انقطاع الأدوية بسبب شحّ العملات الأجنبية، إلّا أنّ النقابة لم ترصد في حينه حجم المشكلة، نظرًا لعدم وضوح حركة السّوق خلال فترة الانهيار.
وبعد تقييم شامل، تبيّن أن كمياتٍ كبيرةً من الأدوية التي دخلت البلاد خلال تلك الفترة كانت غير مطابقةٍ من حيث تاريخ الصلاحية، ولا تحمل أي إثبات على احتوائها لمواد فعّالة، بحسب ما أظهرته نتائج الفحوصات المخبرية.
وبحسب معلومات غريّب، فإنّ المصدر الأساسي للأدوية المهرّبة إلى لبنان، هو تركيا ومِصر، إضافة إلى دخول بعض الأدوية المزوّرة من إنكلترا، لافتًا إلى أنّ الدواء الذي يدخل من سوريا يأتي ضمن خانة الدواء "غير المسجّل"، لأنّ وزارة الصحة لا تسمح باستيراد الدواء منها لعدم استيفاء أدويتها شروط التسجيل المطلوبة في وزارة الصحة.
"الصحة" ستدّعي على كلّ من يثبت تورطه
من جهته، أوضح النائب بلال عبد الله أن لجنة الصحة النيابية عقدت اجتماعًا موسعًا، شارك فيه وزراء الصحة والعدل والدفاع والداخلية، إلى جانب قيادات من الجيش والجمارك، وتمّ خلاله وضع خريطة طريق لمعالجة الملف المتعلّق بتفشّي الأدوية المزوّرة والمهرّبة في السوق اللبنانية.
وأشار عبد الله إلى أنّ هذه الشبكات بدأت تتشكّل منذ بداية الأزمة الاقتصادية، حين فُقدت الأدوية من الصيدليات وتُركت الحدود الرسمية وغير الرسمية مفتوحةً، ما شرّع الباب أمام دخول كمياتٍ كبيرةٍ من الأدوية غير المسجلة والمجهولة المصدر. ولفت إلى أن أي دواء لا يُعرف مصدره، أو لا يُحفظ ضمن ظروف الحرارة المناسبة، أو لا يخضع لرقابة وزارة الصحة، يعدّ غير صالحٍ ويُشكّل خطرًا صحيًا مباشرًا.
وأكّد وزير الصحة ركان ناصرالدين بدورِه أنّ وزارة الصحة ستدّعي على كلّ من يثبت أنّه متورّط بملف صحة اللبنانيين.