ضغوط الاقتصاد تُعيد رسم خريطة المدارس
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
دوي انفجارات في محيط منطقة ضاحية قدسيا بريف دمشقمنذ الانهيار المالي عام 2019 وتفشي جائحة كورونا، يعيش القطاع التعليميّ في لبنان على وقع أزمات متلاحقة، لم تهدأ ارتداداتها حتى اليوم. فقد أعادت تلك الأزمات تشكيل الخريطة الاجتماعية والاقتصاديّة للأسر اللبنانية، وألقت بظلالها على خياراتهم التعليميّة. الطبقة الغنيّة تراجعت، والطبقة الوسطى اندثرت تقريبًا، ما جعل المدارس الرسمية هذا العام مفوّلة.
في خضمّ كلّ هذا، لا يبدو الانتقال من الخاصّ إلى الرسميّ خيارًا موقتًا، بل مؤشرًا على تحوّل عميق في النظرة إلى التعليم، يتجاوز الاقتصاد ليطول البنية التربوية والثقة بالنظام التعليميّ العام.
في هذا السياق، يعزو الأستاذ الجامعي في الجامعة الأميركية للثقافة والتعليم حسين النابلسي هذا التوجّه إلى أسباب اقتصادية واجتماعية متشابكة، أبرزها تدهور القوّة الشرائية للأسر، وارتفاع الأقساط المدرسية التي باتت تُسعَّر بالدولار، في ظلّ جمود الأجور، خاصة في القطاع الخاصّ.ويسأل كيف يمكن لأسرة دخلها بالليرة أن تتحمّل أقساطًا تفوق الـ 1500 دولار؟، مشيرًا إلى أن كلفة التعليم لم تعد محصورة بالقسط فقط، بل تشمل أيضًا النقل والقرطاسية والأنشطة، ما يفوق قدرة العائلات على الاحتمال.
في المقابل، يوضح أحمد ب. (45 عامًا، مهندس) أن هناك عددًا من المدارس والثانويات الرسمية تقدّم تعليمًا بمستوى مقبول، بل ممتاز أحيانًا، ما يجعلها بديلًا منطقيًا للتعليم الخاص. ويضيف: أفضّل أن أوفّر القسط المدرسيّ الذي أدفعه في المدرسة الخاصة وأدفع جزءًا منه في المدرسة الرسمية.
ويكشف النابلسي أن هذا التحوّل لا يشمل كلّ المناطق بالطريقة نفسها، بل يتفاوت تبعًا للواقع الاقتصادي والاجتماعي لكلّ منطقة، مؤكّدًا عدم انتقال كلّ الطلاب من الخاص إلى الرسمي. فهناك مناطق تشهد العكس، والموضوع يرتبط بخصوصيّة كلّ منطقة، وبالطبقات الاجتماعية التي تعيش فيها، رغم أن لبنان بلد صغير، لكنه كبير باختلاف قدراته وتوجّهات الأهالي.ويعطي النابلسي مثالًا على أن العاصمة بيروت تشهد انتقال الطلّاب من المدارس الخاصّة إلى المدارس الرسميّة، فيما الانتقال في الجنوب محدود، كما أن قسمًا من المدارس الرسمية في الجنوب خارج الخدمة.
مصدر تربويّ متابع يشدّد على أن المدرسة الرسمية هي في أساس التعليم وبناء الإنسان المعرفيّ رغم كلّ الظروف التي تمرّ بها وهي حافظت على نوعية التعليم، وعلى النظام العام داخل المدرسة، خصوصًا في المراحل الثانوية من خلال الجهد الكبير المبذول من قبل الأساتذة الذي ارتقى إلى مستوى التضحيات رغم كلّ الظروف الصعبة على مختلف الصعد. وهذه التضحيات تتوّج دائمًا بالنتائج في الامتحانات الرسمية وبشهادة الوزيرة ريما كرامي ووزراء التربية السابقين، لافتًا إلى أن قسمًا كبيرًا من أساتذة المرحلة الثانوية في التعليم الخاص هم أساتذة في التعليم الرسميّ، وقد تعاقدت معهم المدارس الخاصة بناء على سمعتهم وكفاءتهم المهنية.
ومن بين الأسباب التي يكشفها المصدر: تسرّب أعداد كبيرة من تلامذة الخاص، بالإضافة إلى استمرار وجود عدد لا يستهان به من الطلّاب السوريين في فترة ما بعد الظهر.
بدوره، يرى الأستاذ الجامعي مازن جبري (دكتوراه في التربية والاقتصاد التربويّ) أن القطاع التعليمي في لبنان يعيش على وقع الأزمات المتلاحقة منذ الأزمة الاقتصادية 2019 وتفشي جائحة كورونا، فقد أعادت تلك الأزمات تشكيل الخريطة الاجتماعية والاقتصادية للأسر اللبنانية، وألقت بظلالها على خياراتهم التعليميّة؛ معتبرًا أنه وبعد تراجع الطبقة الغنيّة، تحوّلت الطبقة الوسطى إلى فئة تبحث عن الحدّ الأدنى من البقاء في بلد تتآكل فيه المقوّمات الأساسية للحياة.ويضيف أنه وسط هذا الواقع، وجدت آلاف الأسر نفسها أمام خيار حتميّ: التخلّي عن المدارس الخاصة، والتوجّه نحو التعليم الرسميّ. إذ لم يعد بالإمكان تحمّل أقساط تبدأ بـ 3000 دولار سنويًا في بعض المدارس، مقابل شبه مجانية التعليم الرسمي، خاصة في المرحلتين الأساسية والثانوية. ففي المدارس الرسميّة، يُعدّ التعليم مجانيًا حتى الصف التاسع، بما في ذلك الكتب، بينما لا تتجاوز كلفة التعليم الثانوي الرسمي غالبًا 150 دولارًا سنويًا وفق تعبيره .ويتابع جبري: رغم التحدّيات التي تواجه التعليم الرسمي، كالنقص في الأساتذة وارتفاع معدّلات الهجرة في الكادر التربوي، لا يزال هذا القطاع يحافظ على مستوى مقبول، خصوصًا في بعض الثانويات التي ما زالت تُصنّف ضمن الأفضل من حيث النتائج والانضباط.
وقد برز مع بداية العام الدراسي نزوح حوالى 150 طالبًا من أكثر من مدرسة خاصة إلى مدرسة رسميّة في إحدى المناطق في العاصمة بيروت، ما دفع بإدارة هذه المدرسة إلى رفع عدد الشعب من 13 إلى 18، وفتح صفوف إضافية. ويأتي ذلك بفعل النتائج المهمة التي حققتها هذه المدرسة هذا العام في الامتحانات الرسمية (على اختلاف فروعها)، علمًا أن معظم هؤلاء الطلاب الجدد هم من أبناء المنطقة الواقعة فيها هذه المدرسة، ويقول علي .ف ( 22 عامًا، طالب بكالوريا): وضع والدي الماديّ لم يعد يسمح لي بالتسجيل في الثانوية الخاصة، أتيت إلى هنا بعدما رأيت النتائج التي حققتها هذه المدرسة في الامتحانات الرسمية، بالإضافة إلى النشاطات التي تنظمها لطلّابها حول استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في التعليم على أيدي الخبراء التربويين وبشكل دوري.
ومن بين الفوارق المادية أيضًا: - المدارس الخاصة تطلب أقساطًا تتراوح بين 3000 و 7000 دولار سنويًا.- المدارس الرسمية مجانية حتى المرحلة المتوسطة، وبتكاليف رمزية في المرحلة الثانوية.- الكتب والقرطاسية متوفرة مجانًا في العديد من المدارس الرسمية بدعم من جهات دولية.
وفي الختام، يرى كثير من الأهالي أن التعليم الرسمي أفضل الممكن، بل إن بعضهم يعتبره خيارًا مستقرًا بعد سنوات من المعاناة مع الأقساط والفروقات الاجتماعية في المدارس الخاصة.