اخبار لبنان

المرده

سياسة

خطة ترامب والحراك الشعبي العالمي

خطة ترامب والحراك الشعبي العالمي

klyoum.com

كتب ناصر قنديل في "البناء"

– يمكن القول بثقة إن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب هي محاولة جادة للتأقلم مع معادلة تسبّب الأرق والقلق لكل من أميركا و”إسرائيل”، نجح طوفان الأقصى بإطلاق ديناميكيتها وتصاعدت مع حرب الإبادة التي يشنّها جيش الاحتلال بدعم أميركي على الشعب الفلسطيني، وجوهر هذه الديناميكية الآخذة في الاتساع والنمو يرتكز على وعي متعاظم بين نخب الغرب وشعوبه لحقيقة الصراع في منطقتنا، واكتشاف الخدعة الإعلامية التي وقع ضحيتها لعقود بتصديق سردية قدمت له وقبلها وعاش معها، تقول إن “إسرائيل” هي دولة اليهود العائدين إلى بلدهم الذي حرمهم منه العرب والمسلمون، وإن “إسرائيل” هي الدولة المتمدنة الحضارية الديمقراطية في شرق الهمجية والتوحش، وإنها كانت أرضاً بلا شعب حصل عليها شعب بلا أرض، وإن هذا الشعب المعذب في التاريخ، والذي تورط الغرب بمسؤولية تعذيبه في المحرقة التي نظمها النازيون بحق اليهود، ملزم أخلاقياً بدعم دولة “إسرائيل” ولو من باب التكفير عن جريمة المحرقة.

– بدأ شباب الغرب يرون الوحشيّة الإسرائيلية في غزة، ووفرت وسائل التواصل الاجتماعي فرصة لتعرّف شعوب الغرب على حقيقة ما يجري في غزة، ما أثار الفضول لدى الملايين لتكوين روايتهم الخاصة عن قصة “إسرائيل” وفلسطين، حتى اكتشفوا فضيحة الخديعة التي كانوا ضحاياها، وكيف استخدم هذا الخداع من حكومات الغرب ومؤسساته الإعلامية العملاقة لتضليل شعوب الغرب لعقود طويلة لاستخدام موارد الغرب في ارتكاب الجرائم بحق شعب فلسطيني مظلوم يدافع باللحم العاري عن حقوقه السليبة ويستبسل في التضحية لبقائها حيّة، وهكذا صار التضامن مع فلسطين من جهة تعويض وتكفير عن الأذى الذي لحق بالفلسطينيين باسم شعوب الغرب، ومن جهة مقابلة فرصة لتحرير شعوب الغرب من تضليل حكوماتها وخداعها، وإعادة صياغة معادلة السياسات الداخلية في الغرب على بوصلة الموقف من فلسطين وقضيتها ومظلومية شعبها، باعتبار أن هذا المقياس ضامن لإيجاد حكومات حرة تتولى شؤون بلادها.

– لم تنجح كل محاولات ضبط وتقييد هذا الطوفان الثقافي في الغرب، وقد وصل إلى البرلمانات وبعض الحكومات، ووصلت شعارات مثل فلسطين حرة من البحر إلى النهر لتصبح هتافاً شعبياً في شوارع عواصم الغرب الكبرى، وبقي رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يتجاهل هذا التحوّل التاريخيّ، لاعتقاده أن التحوّل يمكن حصره في أوروبا، وأنه طالما يحظى بدعم إدارة الرئيس ترامب فلا تأثير عملياً على حروبه بفعل هذه الموجة، لكن الموجة وصلت إلى أميركا باعتراف ترامب نفسه، إلى حد قوله إن نفوذ اللوبي الداعم لـ”إسرائيل” في الكونغرس يفقد نفوذه، وإنه يعاني في الحزب الجمهوريّ وفريق ماغا بسبب الدعم الذي يوفره لـ”إسرائيل”، بينما اعترف مركز تل أبيب للأمن القومي بهذه الأزمة المتفاقمة في الرأي العام الأميركي ضمن الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ووصولها الى التيار الإنجيلي البروتستانتي الداعم العقائدي لـ”إسرائيل”، وقيام بعض الكهنة الإنجيليين بفحص ضميري لإمكانية مواصلة دعم “إسرائيل” مع المجازر الوحشية المرتكبة بحق الأطفال والنساء، ووصلت بعض التحليلات إلى القول إن الناشط تشارلي كيرك دفع حياته ثمناً على يد الموساد بسبب انتقاداته المتزايدة للحرب الإسرائيلية، وهو الناشط الأشدّ دعماً لترامب، والذي كان من بين أقرب الداعمين لـ”إسرائيل” حماساً لها، ووفقاً لبعض الإحصاءات سوف يكون صعباً على الحزب الجمهوري والرئيس ترامب الحفاظ على الغالبية في الانتخابات النصفية للكونغرس خريف العام المقبل إذا استمرّت حرب الإبادة بعد نهاية العام.

– جاء قصف “إسرائيل” العاصمة القطرية الدوحة وانفلات خططها العدوانية والتوسعية في سورية ليثير حفيظة الدول العربية والإسلامية الحليفة لأميركا، ويُشعرها بالخطر، ويستنهضها لمطالبة واشنطن لمواجهة الانفلات الإسرائيلي، عارضاً مع الحكومات الأوروبية المتأثرة بضغوط شوارعها معادلة قوامها دولة فلسطينية ونزع سلاح المقاومة في غزة ضمن خطة لوقف الحرب، تنتهي بالتطبيع العربي الإسرائيلي مقابل قيام الدولة الفلسطينية، لكن “إسرائيل” التي تغيرت لصالح فكر تلمودي غيبي متطرف ذهبت إلى التبشير بـ”إسرائيل” الكبرى، فصاغ ترامب الذاهب من أول العام المقبل إلى الحملات الانتخابية للحفاظ على الأغلبية في مجلسي الكونغرس في انتخابات خريف العام المقبل، معادلة وقف حرب الإبادة ومواصلة الحرب على المقاومة، تاركاً لـ”إسرائيل” صياغة الموقف من الدولة الفلسطينية، متخذاً من دعوة العرب والأوروبيين لنزع سلاح المقاومة ومن تقاطع طلبهم لوقف حرب الإبادة مع ضغط الشارع، ليصوغ مبادرته على هذا الأساس، معترفاً بفشل التهجير، ومدركاً لعدم واقعيّة الحديث عن “إسرائيل” الكبرى والحاجة لضبط الحروب الإسرائيلية عند حدود مواجهة قوى المقاومة ومنعها من إعادة بناء قواها، بانتظار استعادة الرأي العام الأميركي والغربي، وفقاً لخطط أنفقت عليها عشرات مليارات الدولارات كانت منها صفقة تيك توك، والأموال التي رصدها اللوبي الدعم لـ”إسرائيل” لحملات إعلامية شرح مضمونها نتنياهو في لقائه مع كبار المؤثرين الدعمين لـ”إسرائيل” في أميركا.

– يستطيع حكام الدول العربية والإسلامية التباهي بأنهم وراء أي وقف للحرب على غزة ولو بصورة مؤقتة أو تخفيض وتيرتها، لكن ذلك غير صحيح، فالأب الشرعيّ لهذا التحوّل هو الرأي العام في الغرب، والأب الشرعيّ لتحول الرأي العام في الغرب هو طوفان الأقصى وصمود المقاومة البطولي والتضحيات الأسطورية للشعب الفلسطيني في غزة.

*المصدر: المرده | elmarada.org
اخبار لبنان على مدار الساعة