الموسم السياحي في لبنان يكسر قيود الحرب
klyoum.com
لا يزال التعويل يرتكز بصورة كبيرة على المغترب اللبناني بسبب عدم توفر الاستقرار الأمني الكامل
قبيل أشهر من انطلاق الموسم السياحي 2025، سادت حال ترقب لموسم واعد في ظل الأجواء الإيجابية التي عاشها لبنان. ففي الأعوام السابقة الأخيرة، حالت الأحداث والحروب في لبنان والمنطقة دون تحقيق الأهداف المرجوة في القطاع السياحي الذي تعول عليه جهات عدة في البلاد. أما في الموسم الحالي، فكانت أجواء القلق حاضرة أيضاً جراء التهديد بحرب محتملة، لكن في الوقت ذاته، غلب جو من التفاؤل بموسم واعد صيفاً.
صحيح أن الحرب الإسرائيلية - الإيرانية أتت لتشكل عائقاً في بدايته، لكن الحركة عادت، وسجلت أرقاماً تدعو للتفاؤل في شأن الموسم السياحي، حتى قيل إنها الأعلى منذ أعوام. في المقابل، يتساءل المواطن العادي حول ما يعود به الازدهار في القطاع السياحي من فائدة عليه، وعلى وضعه المعيشي، وعلى الوضع الاقتصادي عامة. فما يبدو له واضحاً بصورة مباشرة ليس إلا معاناة مستمرة مع زحمة السير الخانقة، وازدحام المطاعم والمقاهي والمتنزهات، وارتفاع الأسعار مع زيادة الطلب في الموسم السياحي.
في موسم صيف 2025، كثر التداول بأرقام خيالية تؤكد ازدهاراً غير مسبوق في القطاع السياحي. وأوحت الزحمة في الطرقات والمطاعم بأن هذه الأرقام حقيقية فعلاً. شعر كل مواطن بالازدهار الواضح في الموسم السياحي في الظاهر.
وحول حقيقة ما كان عليه هذا الموسم الذي كان مرتقباً، وكان لبنان يعول عليه قبل أشهر من قدومه، أوضح نقيب مكاتب السياحة والسفر جان عبود أن "الموسم السياحي 2025 كان بالفعل ناجحاً بنسبة 85 إلى 90 في المئة. ولولا الحرب الإسرائيلية- الإيرانية، لكان لبنان على موعد مع موسم أكثر ازدهاراً بعد. وأضاف عبود، "مع رفع الحظر عن سفر مواطني دول الخليج إلى لبنان، شهدنا بالفعل قدوم السياح الخليجيين، إلا أنهم حضروا بنسبة أقل مما كان متوقعاً بسبب الحرب التي سبقت الموسم السياحي. أما عدد السياح الذي سجل في لبنان في الموسم السياحي لهذا العام فقارب المليون و200 ألف زائر خلال ثلاثة أشهر. ففي حين بلغ عدد السياح السنة الماضية حتى أغسطس (آب) 2024، 247 ألفاً، فإنه سجل في أغسطس الماضي 397 ألفاً، أي زيادة بنسبة 60 في المئة".
بصورة عامة، يعد عبود أن الموسم السياحي كان "جيداً ومرضياً"، وإن "كان من الممكن أن يكون أفضل وأن تسجل فيه أرقام أعلى لولا تهديد الحرب". وأضاف، "قد تكون الأرقام قريبة من تلك التي سجلت العام الماضي بصورة عامة، بعدما خسر لبنان السياح الخليجيين الذين كان يترقبهم بسبب الحرب الإسرائيلية- الإيرانية، وهم من كانوا سيحدثون فرقاً، إذ يعول عليهم لبنان في مواسمه السياحية. وكانت هناك آمال بأن تقارب الأرقام تلك التي سجلت عام 2010 قبل حرب سوريا"، حين كان لبنان يشهد ازدهاراً كبيراً في مواسمه السياحية. ففي عام 2010، سجلت أعلى الأرقام وكانت هناك مساهمة في الاقتصاد بلغت 11 مليار دولار، قبل أن يحصل تراجع ملحوظ مع مرور الأعوام.
وتابع "بصورة عامة، كانت حركة جيدة في موسم الصيف وأسهم الموسم السياحي في دخول الأموال إلى البلاد وتحريك الاقتصاد، لكن كانت التوقعات بأن يكون أفضل مما كان عليه بنسبة 20 أو 25 في المئة".
بالنسبة إلى المواطن العادي، ما يبدو واضحاً في موسم الصيف ليس إلا زحمة سير وارتفاع الأسعار واكتظاظ المطاعم. فهو لا يلحظ تغييراً في وضعه المعيشي مباشرة جراء الازدهار الذي سجله الموسم السياحي الحالي. وهذا ما يدعوه إلى التساؤل حول الجدوى من تعزيز السياحة، والفائدة من هذا الازدهار.
في هذا السياق يوضح المتخصص الاقتصادي الدكتور جاسم عجاقة أن لبنان يترقب سنوياً الموسم السياحي ويعول عليه، كما في كل دول العالم، لكنه بات يعتمد على المغتربين بصورة أساسية، وإن كان قد بدأ في الموسم الحالي يعول أيضاً على السائح الأجنبي الذي يعد ضرورياً للتحدث عن ازدهار في الموسم السياحي. فكثيراً ما كان السائح في لبنان بالدرجة الأولى، وتحديداً في الأعوام الأخيرة، هو المغترب اللبناني الذي ينتظر موسم الصيف ليعود إلى وطنه ويمضي العطلة الصيفية مع أهله وأصدقائه في أرض الوطن. هذا لا يعني أن السياحة بمعناها الحقيقي مفقودة في لبنان، إنما لا بد من التمييز هنا بين المغترب اللبناني والسائح. فالسائح اللبناني له معدل إنفاق في لبنان أقل بكثير من ذاك الذي ينفقه السائح الأجنبي، خصوصاً السائح الخليجي. ومن ثم فلا يمكن التعويل عليه لازدهار القطاع السياحي، بما أن معدل الإنفاق يزيد بمعدل ثلاثة أو أربعة أضعاف لدى السائح الخليجي، مقارنة مع المغترب اللبناني الذي يعود ليقيم بصورة أساسية في منزله أو عند أهله، لا في الفنادق والمنتجعات السياحية. لكن منذ عام 2010، انسحب السعوديون من السياحة في لبنان، ومن بعدهم باقي الخليجيين، فأصبح معظم السياح من المغتربين، وهؤلاء يستغلون فرصة حلول موسم الصيف، فيعودون إلى لبنان للاستفادة من مناخه، خصوصاً إذا كانوا يعيشون في بلاد باردة وتسجل فيها درجات حرارة متدنية". أما قدوم السياح الخليجيين الذي كان متوقعاً هذا العام، فلم يتحقق بالشكل الذي كان متوقعاً بسبب الأوضاع السياسية في لبنان والمنطقة. وأدى ذلك إلى ضرب الموسم السياحي في ما يتعلق بالسياحة الخليجية. أما بالنسبة إلى السياح اللبنانيين، أي المغتربين، فكان موسماً مزدهراً بالفعل. وكان هناك معدل إنفاق مقبولاً من قبلهم، وهذا ما يفسر الزحمة في البلاد في أشهر الصيف في الطرقات والمطاعم وأماكن السهر".
وحول الجدوى الاقتصادية من الازدهار، يشير عجاقة إلى أنه "في العام الماضي، أعاد الموسم السياحي ما يقارب أربعة أو خمسة مليارات دولار من المداخيل على البلاد. هذا ما يؤكد أهمية القطاع السياحي للبلاد، فهو يسهم في نمو الاقتصاد ودخول العملة الأجنبية إلى البلد الذي يواجه تحديات اقتصادية كبرى. وفي عام 2010، أسهم القطاع السياحي بنسبة 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أي من خلال المؤسسات السياحية أو من القطاعات السياحية الداعمة لها. من المتوقع أن تأتي الأرقام في الموسم السياحي 2025 مقاربة لهذا المعدل نظراً إلى الازدهار الذي سجل، إلا أن الأرقام الفعلية لم تصدر بعد عن وزارة السياحة. في المقابل، ليس متوقعاً أن تكون الأرقام قد ارتفعت إلى حد كبير عما كانت عليه بما أن النسبة الكبرى من السياح كانت من المغتربين اللبنانيين، الذين معدل إنفاقهم محدود". وأضاف، "بصورة عامة، تكمن أهمية القطاع السياحي وازدهاره بالنسبة إلى الاقتصاد في دخول العملة الأجنبية بصورة متواصلة. ويعد دخول العملة الصعبة إلى البلاد مسألة لا بد منها، خصوصاً في المرحلة الصعبة التي يمر بها لبنان. أما بالنسبة إلى المواطن العادي، فمع ازدهار القطاع السياحي، فقد لا يشعر بالضرورة بالفائدة من ذلك لأن عائدات القطاع لا تصل إليه مباشرة، بل إن المؤسسات السياحية هي المستفيدة الأولى، ومنها شركات الطيران والفنادق والمطاعم والمنتجعات السياحية والمسابح وشركات تأجير السيارات. فكلها تستفيد مباشرة عبر تقاضي العملة الصعبة لقاء الخدمات التي تقدمها".
بصورة عام، لا يمكن أن يشكو المواطن العادي من كونه لا يستفيد من ازدهار القطاع السياحي، ومن أنه لا يرى من الازدهار إلا زحمة في الطرقات والمطاعم من دون أن يعود عليه ذلك بأي فائدة، فهو "مستفيد بصورة غير مباشرة"، بحسب عجاقة، "من خلال آليات عدة، فقد يكون المواطن عاملاً في مؤسسة سياحية ويستفيد من عائداتها في الموسم السياحي، أو يمكن أن يعمل في مؤسسة داعمة للقطاع السياحي، وتقدم خدمات له منها الأفران ومحلات الحلويات والمؤسسات المعنية بإعداد الطعام أو غيرها. ويمكن ألا يكون عاملاً في أي منها لكنه يبقى مستفيداً بصورة غير مباشرة عبر دعم العملة الوطنية مع استمرار تدفق الدولارات إلى البلاد، أياً كان القطاع الذي يعمل فيه. فالعملة الأجنبية ضرورية في لبنان الذي يستورد أكثر من 85 في المئة من حاجته من المواد الغذائية المستهلكة. هذا ما يؤكد أن الكل مستفيد من ازدهار القطاع السياحي ومن انعكاساته على الاقتصاد المحلي".
وتابع عجاقة "في الوقت نفسه لا يمكن أن ننسى أن ازدهار القطاع السياحي يسهم في تشغيل نسبة كبيرة من اليد العاملة، وإن كان ذلك لا يحصل بصورة ثابتة ودائمة ومتواصلة، بل بصورة موسمية وموقتة. هي أشغال ليست دائمة، لأن لبنان لم يعمل على بناء بنية تحتية سياحية تسمح للسائح بالقدوم طوال أيام السنة وفي مختلف الأوقات، فتبقى المواسم السياحية محدودة زمنياً. لكن في كل الحالات يبقى القطاع السياحي مهماً في دعم اليد العاملة ويترقبه لبنان في الأعياد وفي موسم الصيف بصورة أساسية".
قد يعاني المواطن في الموسم السياحي من زحمة السير الخانقة مع قدوم السياح. فبغياب وسائل النقل العام، يميل السائح غالباً إلى استئجار السيارات مما يزيد المشكلة سوءاً على الطرقات اللبنانية. كما يزيد الطلب على الكهرباء، مما يزيد من التحديات أمام المواطنين. إضافة إلى أن ارتفاع الطلب في البلاد يدفع التجار إلى البحث عن مزيد من الأرباح عبر رفع الأسعار التي تنطبق على اللبناني كما على السائح. وبغياب أجهزة المراقبة، لا يكون هناك ضبط للأسعار. في مثل هذه الظروف تصبح السياحة الداخلية أكثر كلفة على المواطن اللبناني من السفر إلى الخارج للاستمتاع بعطلة في تركيا أو قبرص بغياب العروض لتشجيع السياحة الداخلية ودعم المواطن اللبناني. فتحصل المبالغة في الأسعار لتحقيق مزيد من الأرباح، فيما يمكن للمؤسسات السياحية أن تشغل مرافقها السياحية وتركز على السياحة الداخلية طوال أيام السنة بالاعتماد على المواطن بدل انتظار الموسم السياحي المحدود. على رغم ذلك، لا يمكن للبنان إلا الاعتماد على القطاع السياحي الداعم للاقتصاد. وسبق أن أسهم بنسبة 25 في المئة بالناتج المحلي الإجمالي، وشغل نسبة 21 في المئة تقريباً من اليد العاملة ويعول لبنان على مواسم سياحية فضلى دوماً.
ويقول الباحث عجاقة في هذا الشأن، إنه "يعرف عن القطاع الخدماتي أنه يخفف من حدة الدورات الاقتصادية، لا سيما السلبية منها. لكن تبقى المشكلة الأساسية فيه أنه يتأثر إلى حد كبير بالمشكلات الأمنية والسياسية، وهي حال متكررة ومؤسفة في لبنان. وفي مثل هذه الظروف، يعتمد لبنان على المغترب اللبناني الذي يصر على العودة إلى الوطن في الموسم السياحي لتمضية العطلات مع العائلة مما يشكل دعماً مهماً لهذا القطاع، مهما كانت الظروف".