السرية المصرفية سقطت... والفاسدون باقون
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
عقيص: لمست اهتماما كبيرا من سلام لحل هذه المعضلاتمع إقرار المجلس النيابي أمس قانون السرية المصرفية المعدّل، والذي يؤدي عملياً إلى إلغاء النظام السابق الذي كان قائماً على مبدأ سرية الحسابات في المصارف، يكون لبنان قد طوى صفحة من تاريخه المالي العريق، حيث أن هذا القانون الذي وضع بمبادرة من العميد ريمون إده في العام 1956، حوّل البلد إلى مركز مالي إقليمي - عالمي، استقطب الرساميل والأموال من كل أصقاع الأرض. فهل "خسر" البلد من خلال إلغاء هذا القانون ميزة تفاضلية لطالما تمتّع بها، أم أن وظيفة السرية المصرفية انتهت، وأصبحت لزوم ما لا يلزم، ولن يؤدي إلغاؤها إلى حصول أي ضرر يُذكر؟
أقر مجلس النواب في جلسته التشريعية أمس قانونَي النقد والتسليف والسرية المصرفية وأرجأ مناقشة مشروع قانون زيادة مساهمة لبنان في صندوق النقد الدولي لأسبوعين بناء على طلب رئيس الحكومة نواف سلام.
وكانت الجلسة التشريعية عقدت في مجلس النواب برئاسة الرئيس بري لمناقشة جدول أعمال من 23 بنداً يتضمن مجموعة واسعة من مشاريع واقتراحات القوانين الاقتصادية والنقدية والمعيشية في حضور الرئيس سلام والوزراء والنواب.
تصدر جدول الأعمال مشروع القانون الوارد بالمرسوم الرقم 103 الرامي إلى تعديل بعض أحكام قانون سرية المصارف الصادر عام 1956، بالإضافة إلى المادة 150 من قانون النقد والتسليف. كما حضر ملف بلدية بيروت عبر 3 اقتراحات قوانين عشية الانتخابات البلدية والاختيارية.
افتتح الرئيس بري أعمال الجلسة التشريعية لمجلس النواب، وقال: "خلال الجلسة سنجد حلاً لاقتراحات القوانين المعجلة، وهناك أكثر من 160 قانوناً ومن بينها مرّرنا اليوم اقتراحات عدة".
طُرح مشروع القانون الرامي إلى تعديل المادة 7 من القانون المتعلق بسرية المصارف تاريخ 1956 والمادة 150 من قانون النقد والتسليف تاريخ 1/8/1963 المعدل بموجب القانون الرقم 306 تاريخ 28/10/2022.
فتطرق النائب آلان عون إلى موضوع لجنة الرقابة على المصارف واعتبر أن صلاحياتها غير واضحة ورأى أن النقاش تقني.
أما النائب سيمون أبي رميا فقال: "نظراً للنظام الجديد نريد أن ننتسب إلى هذا النظام".
بدوره قال النائب ياسين ياسين: "نحن بحاجة إلى كشف الحقيقة كاملة".
وقال النائب علي حسن خليل: "بهدف إعادة هيكلة المصارف، هذه كانت موجودة في القانون الأساسي والقيام بالأعمال الرقابية".
من جهته قال نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب: "الكل قبل بها وإعادتها إلى المادة الأولى هي العمل الصحيح".
رد بري: "اقتراح كما ورد في اللجان المشتركة، سقط الاقتراح".
فقال الرئيس سلام: "الحكومة متمسكة بمشروع القانون من دون تعديل وكما تم إقراره في اللجان المشتركة. أما المادة الثالثة فنقترح الاستعاضة عنها بفقرة لجهة لجنة الرقابة على المصارف".
رد بري: "هذا قانون أخذ يوماً كاملاً لدراسته وطرحت المادة الأولى من المشروع فصدقت".
النائب رازي الحاج: "لا تعارض بين المادتين الأولى والثانية".
وقال النائب جميل السيد: "العبارة بهدف إعادة هيكلة المصارف وردت في مكانين يعني كأننا نصوت على مادة في قانون لم يصدر بعد أي إعادة هيكلة المصارف".
النائب حسن فضل الله رأى أن "التعديل الوارد في اللجان المشتركة مقبول واقترح السير به".
النائب ميشال معوض قال: "أنا مع زيادة عبارة حماية البيانات الخصوصية أو الشخصية، ووضع الرقابة قبل إعادة الهيكلة".
النائب علي حسن خليل دعا "لالتزام الحكومة بإصدار المراسيم التطبيقية بهذا الموضوع، وتم التصويت على المادة الثانية كما هي".
بدوره، قال النائب ملحم خلف: "اقترح بدل أن نضع بهدف إعادة هيكلة المصارف، بتأكيد عمل المصارف".
وقال النائب باسيل: "وضعنا خمسة مطالب، أولها رفع السرية المصرفية بالكامل وعدم حصرها فقط بهدف إعادة هيكلة المصارف، عدم تحديد المفعول الرجعي بعشر سنوات بل تركه مفتوحاً من دون حدّ بالزمن، رفع السرية أمام أي طرف مكلف بالتدقيق من قبل مصرف لبنان أو لجنة الرقابة على المصارف، عدم إمكانية الاعتراض عند قاضي الأمور المستعجلة لما في ذلك من عرقلة لمسار التحقيقات".
ورأى أن "لا لزوم للمراسيم التطبيقية في هذا القانون وفي حال أي لزوم يكون بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء وليس بقرار من وزير المالية". وتمت مناقشة المادة الثالثة.
فقال النائب علي فياض: "الصيغة التي عدلتها اللجان المشتركة هي صيغة ملائمة وليس صحيحاً رجعية القوانين".
كما تمت مناقشة موضوع هيئة الرقابة على المصارف وكذلك موضوع المفعول الرجعي وطالب عدد من النواب بالّا يكون عشر سنوات.
النائب جميل السيد انسحب من الجلسة بسبب عدم احترام النظام.
وطرح تعديل على المادة الثالثة. وأضيف التعديل الآتي: "تحدد عند الاقتضاء دقائق تطبيق هذه المادة بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية واستطلاع مصرف لبنان المركزي".
وتم التصويت على المادة الثالثة واعترضت كتلة "لبنان القوي"على بعض النقاط فيها.
وتمّ التصويت بالمناداة بالاسماء فصدق المشروع معدلاً 70 صوتاً مع و13 ضد.
وصدق مشروع القانون الرامي إلى الإجازة للحكومة الاكتتاب في زيادة رأسمال مؤسسة التمويل الدولية (IFC ).
وطرح مشروع القانون الرامي إلى زيادة مساهمة لبنان في صندوق النقد الدولي.
فقال النائب سامي الجميل: "علينا أن نرى إذا كانت الحكومة تقبل به لأنه أحيل من قبل الحكومة السابقة".
بدوره، قال النائب باسيل: "هذا المشروع جاء من الحكومة السابقة خارج الأصول الدستورية والمشروع اختياري".
وأعلن النائب بو صعب أن "رئيس الحكومة طلب تأجيل طرحه والاستمهال لدرسه لمدة أسبوعين".
وطرح اقتراح القانون الرامي إلى تعديل أحكام المواد من 3 إلى 8 من قانون النقد والتسليف وإنشاء المصرف المركزي.
وطلب النائب ياسين ياسين تأجيل البحث بالمشروع اما النائب ميشال ضاهر فدعا إلى إقراره فتم إقراره.
ثم طرح اقتراح القانون الرامي إلى إنشاء مناطق اقتصادية لامركزية خاصة للصناعات التكنولوجية وحصل نقاش حول موضوع العمال والضمان والمواد المعفاة من التصدير.
وطرح الاقتراح على التصويت بمادة وحيدة بالمناداة بالاسماء وصدّق.
نتائج الغاء السرية المصرفية
رغم التهليل والشعبوية التي رافقت موضوع تعديل قانون السرية المصرفية، واستخدام جهات سياسية هذا الملف لتجميل صورتها أمام محازبيها من خلال الادعاء أن الغاء هذه السرية سيتيح كشف الحقائق، واكتشاف الفاسدين، إلا أن الواقعية تحتّم الاعتراف بأن كشف الفساد لم يكن يوماً معطلاً بسبب السرية المصرفية، أو أي قانون آخر. ولعل تجربة لبنان في موضوع التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية يشكل البرهان الساطع على أن المشكلة في البلد لم تكن يوماً في القوانين، بل في تطبيقها. وبطريقة أوضح: على من يتم تطبيق القوانين وكيف؟
والسؤال الذي يعرف اللبنانيون الإجابة عليه هو: هل كانت الدولة تحتاج فعلاً إلى رفع السرية المصرفية لكي تكتشف الفاسدين من فئة الـPEP أي المكشوفين على الشأن العام (سياسيون وموظفون حكوميون). ألا يمكن كشف مئات بل آلاف الفاسدين من هذه الفئة بالعين المجردة، من خلال تتبّع نمط حياتهم اليومي. وهل يخفى على الدولة أن دوائر الضرائب في الدول المحترمة تعتمد مبدأ مراقبة الحياة اليومية لأي موظف أو سياسي لكي تشتبه به وتلاحقه؟
مقولة كشف الفاسدين من خلال إلغاء السرية المصرفية ساقطة. المشكلة أن الثقة بالسلطات في البلد لطالما كانت مفقودة. وحتى عندما وقّع لبنان اتفاقية التبادل التلقائي للمعلومات لغايات ضريبية (MCAA)، وأعاد تأكيد الالتزام بتنفيذ التبادل التلقائي للمعلومات المتعلقة بالحسابات المالية والشروع بالتبادل بدءاً من العام 2018، فشل المشروع. وما حصل منذ ذلك الحين، أن الدول التي يفترض أن تزوّد لبنان بمعلومات مالية عن وضع مواطنيه في دول خارجية، امتنعت عن ذلك بسبب شكوكها في إمكانية استغلال بعض أصحاب النفوذ في البلد لهذه المعلومات لأهداف لا علاقة لها بتحصيل الضرائب. وهنا تكمن المشكلة: لا ثقة بالدولة اللبنانية.
في المحصلة، تم إقرار الغاء السرية المصرفية، ولم يأت ذلك بهدف إصلاحي، بل لسببين متلازمين:
اولاً- الأميركيون طالبوا بالغاء السرية المصرفية منذ فترة، وقالوا للمسؤولين اللبنانيين إن هذا النمط لم يعد مقبولاً. وحتى سويسرا اضطرت تحت الضغط إلى الغاء السرية المصرفية، لأن واشنطن تعتبر أن مراقبة حركة الاموال في العالم، من القضايا الحيوية التي تساعد في كشف الفساد وتمويل الإرهاب والجرائم المالية المتنوعة. وبالتالي، كان هناك إصرار اميركي على ضرورة الوصول إلى هذه الغاية.
ثانيا- وضع صندوق النقد الدولي مسألة إقرار قانون السرية المصرفية المعدّل كشرط أساسي لاستكمال المفاوضات مع لبنان في موضوع إقرار اتفاق تمويلي لبرنامج إنقاذي مع لبنان. إلى جانب إقرار قانون انتظام العمل المصرفي. ومن البديهي أن الوفد اللبناني في واشنطن شعر بالارتياح لإقرار المجلس النيابي للقانون، لأن ذلك سيكون بمثابة تقديم أوراق الاعتماد إلى صندوق النقد، للتمكّن من مواصلة المفاوضات معه في المستقبل.
في كل الأحوال، السرية المصرفية فقدت وظيفتها السابقة في كونها عامل جذب للأموال، وبالتالي لن يخسر لبنان أي شيء بسبب الغائها. لكن البعض متخوف من تداعيات المفعول الرجعي على المستثمرين في المستقبل، إذ من المعروف أن الاستقرار التشريعي أساسي في جذب المستثمرين إلى أي بلد في العالم. أما إذا كان البعض يعتقد ويصدق أن ما جرى في مجلس النواب أمس، يفتح الطريق أمام كشف الفاسدين ومحاسبتهم فهو واهم، لأن "دود الخل منّو وفيه".