اخبار لبنان

ام تي في

سياسة

الاختناق الصيفي: هكذا نستقبل السياح والمغتربين

الاختناق الصيفي: هكذا نستقبل السياح والمغتربين

klyoum.com

يعيش اللبنانيّون أيّامًا جهنّمية لاهبة لا بسبب ترقّب الحرب التي يهدّدون بها كلّ يوم، ولا بفعل المستقبل المجهول الذي ينذر بكمّ من التحدّيات، ولا حتى نتيجة موجات الحرّ اللاهب التي تجتاح لبنان بل لسبب أتفه يحرق ساعات صبحهم وظهرهم ومسائهم وما تبقّى لهم من أعصاب. إنها زحمة السير الخانقة التي تُفرض على العدد الأكبر من اللبنانيين على الطرقات الرئيسية المفترض أن تكون أوتوسترادات سريعة.

من الواضح أنّ الموسم السياحيّ تحوّل إلى لعنة يومية على القاطنين والقادمين ولا يبدو أنّ حلولًا تلوح في الأفق.

نصف ساعة استغرقت الطريق من طرابلس إلى كازينو لبنان وساعتين ونيف من الكازينو إلى مار مخايل... واقع يعيشه وليد كما سواه من المواطنين يوميًّا في بحر الأسبوع كما في «الويك أند». قلّة من لا يعلقون بتلك الزحمة الخانقة غير المبرّرة في الاتجاهين من وإلى بيروت. صباحًا أثناء توجّههم إلى أعمالهم، ظهرًا خلال سعيهم لتأدية بعض مهامهم اليومية ومغربًا عند العودة إلى بيوتهم ويومي السبت والأحد في طريقهم إلى العطلة. وكأنّ موسم الصيف فتح أبواب جهنّم على اللبنانيين وحوّل الأوتوسترادات الرئيسية من بيروت إلى الشمال ومنها إلى الجنوب وصعودًا نحو البقاع، إلى أتون نار يحتجز السيّارات في لهيبه لساعات ويجعل ركّابها يكفرون بالوطن والسياحة والصيف والاغتراب...

زحمة السير لعنة يوميّةحسب الدولية للمعلومات، عدد السيّارات الموجودة في لبنان يقدر بحوالى مليونين ومئة ألف، ثلثاها أو أكثر تتنقّل على الأوتوسترادات الساحلية من وإلى بيروت وضواحيها.نقيب خبراء السير في لبنان بشير عبد الجليل لا يستغرب زحمة السير، فالأوتوسترادات في لبنان لا تحمل من مواصفاتها إلّا الاسم. في المبدأ الأوتوستراد يجب أن يكون مقفلًا من الجانبين مع مخارج واضحة بين مسافة وأخرى. لا دكاكين أو سوبرماركات ولا أكشاك «ناولني» أو أفران مناقيش ولا متاجر أو مطاعم و «سناكات» على جانب الأوتوستراد. وفي حال وجودها، لا بدّ من تخصيص طريق جانبي لها مفصول عن الطريق الرئيسي.

في غياب المواقف أمام المحلّات المنتشرة على جوانب الأوتوستراد، تتحوّل الأخيرة إلى مواقف للسيارات والباصات وإلى فسحات لتلتفّ فيها إلى الخلف غير عابئة بالسير، ما يعرقل حركة المرور ويضيّق الطريق ويسبّب زحمة لكيلومترات. وأحيانًا تكون هذه الأكشاك والمحلّات قرب المنعطفات والمداخل، ما يؤدي إلى تباطؤ السيّارات وخلق زحمة خطيرة تؤدي إلى حوادث تتحوّل إلى «فرجة» وتساهم كما الأعطال المفاجئة بشلّ السير لساعات دون تدخّل سريع لحلحلتها كما هي العادة. ومع غياب المعاينة الميكانيكية، ازداد سوء حال السيّارات القديمة وازدادت أعطالها المفاجئة.

لا طرقات مؤهّلة ولا تخطيط مدنيًا سليم، فالأوتوسترادات تتحوّل فجأة من أربعة أو خمسة خطوط إلى خطين كما يحدث بعد نهر الكلب على سبيل المثال، ما يسبّب خنقة تمتدّ حتى أنطلياس أحيانًا، لا سيّما أنّ القسم الضيّق هو الأكثر ازدحامًا بالمتاجر على أنواعها ومحطات التوقّف أمامها. كذلك مداخل بيروت مخنوقة تصبّ فيها آلاف السيّارات يوميًّا وطريق البقاع كبرى المحافظات تختنق عند كوع الكحالة وأكواع عاريا.

حاولنا الاتصال بقوى الأمن الداخلي وتحديدًا المسؤولين في غرفة التحكّم المروري لاستطلاع أحوال السير لكن لا إجابات رغم المحاولات المتكررة. مصادر متعدّدة تلفت إلى أن غرفة التحكّم المروري باتت شبه غائبة عن تأدية مهامها بعد الأضرار الكبيرة التي لحقت بها نتيجة انفجار المرفأ وبعد انتهاء عقد الشركة التي كانت تشغلها. أما شرطة السير وبحسب نقيب خبراء السير فهي تقوم بواجباتها على قدر إمكانياتها، لكنها تحتاج إلى عديد أكبر لا سيّما أنّ المخالفات على جوانب الطرقات زادت عن حدّها، والتراخي في تطبيق قانون السير دفع بالمواطنين إلى المزيد من المخالفات.

ازدحام الصيفمهندس السير والخبير المتعامل مع اليازا زاهر مسعد يشرح أسباب الازدحام المروري الذي تشهده طرقات لبنان مع بداية الصيف ويقول: «إن عودة المغتربين وبعض السياح ولو بأعداد غير كبيرة، يضاعف عدد السيّارات على الطرقات. يضاف إلى ذلك عدد العائلات التي تتّجه بكثافة إلى المناطق الجبلية والساحلية في عطلات نهاية الأسبوع، هربًا من زحمة المدينة وضغطها ما يزيد الضغط على الأوتوسترادات. وبعد الأزمة المالية، لم يعد بمقدور العديد من الناس تحمّل أعباء الفواتير المزدوجة للكهرباء والمياه وغيرها بين المدينة والقرية، ما دفعهم إلى اختيار أماكن للسكن في مناطق أقل كلفة بعيدًا من المدينة، لكنّ معظمهم مضطرّ للانتقال إلى بيروت من أجل العمل، ما يشكّل ضغوطًا يومية على الأوتوسترادات الساحلية ذهابًا وإيابًا».

ويبقى السبب الأبرز الذي يدخل في صلب المشكلة، ازدياد استخدام السيارات الخاصة في ظلّ غياب النقل العام الفعّال، حيث يعتمد الجميع على السيّارات الخاصة، لا سيّما في الصيف حين يقلّ استخدام المشي أو الدرّاجات.ومن الأسباب البنيوية التي تتحمّل مسؤوليتها الجهات الرسمية بشكل خاص أعمال صيانة غير منسّقة. ففي بعض المناطق، تبدأ الأشغال على الطرقات مثل الحفريات والتمديدات والإصلاحات وغالبًا ما تكون غير مدروسة التوقيت، أو يتأخر المتعهّد في إنجازها بسبب صعوبات في الدفع، ما يسبّب اختناقًا مروريًا مفاجئًا. إضافة إلى سوء التنظيم المروري وعدم التشدّد بتطبيق القانون الذي يسبّب المزيد من الفوضى وعدم الالتزام بقوانين السير.

حلول موقّتة

يقول مسعد، إن الطرقات الرئيسية في لبنان لم تشهد تأهيلًا شاملًا منذ سنوات طويلة، ما أدّى إلى تدهور حال الشبكة بشكل عام. وعلى الرغم من ذلك، يُعتبر مشروع تأهيل الطرقات المموّل من البنك الدولي، والذي نُفّذ بإشراف مجلس الإنماء والإعمار، تجربة ناجحة وفعّالة. فقد شمل هذا المشروع تأهيل حوالى 600 كلم من الطرق الحيوية، وأسهم بشكل ملحوظ في تحسين السلامة المرورية وتسهيل حركة التنقل في عدد من المناطق اللبنانية.ورغم نجاح هذا المشروع، لا تزال أجزاء كبيرة من شبكة الطرق بحاجة ماسة إلى الصيانة والتأهيل بعد غياب التدخّلات الشاملة خلال السنوات الماضية. ولهذا، تتجه حاليًّا وزارة الأشغال العامة والنقل إلى تنفيذ خطة جديدة تركّز على تحسين البنية التحتية للطرق. إلّا أن معظم أعمال الصيانة الجارية حتى الآن لا تزال موضعية وموقتة، حيث تقتصر على معالجة الحفر المنتشرة أو تنظيف مجاري تصريف مياه الأمطار، من دون أن تشمل إعادة تأهيل هيكلي شامل للبنية التحتية.

على سبيل المثال، لم يشهد أوتوستراد جونيه أي تأهيل جذريّ منذ أكثر من عقد، باستثناء بعض الأعمال المحدودة عند مداخل جونيه وكسروان. وفي ظلّ هذا الواقع، يبرز مشروع مسار الحافلات السريع (BRT) كحلّ مستدام وضروري لمعالجة الازدحام وتحديث وسائل النقل على هذا الأوتوستراد الحيويّ. والسؤال المطروح اليوم: أين أصبح هذا المشروع الطموح، الذي يُفترض أن يشكّل انطلاقة فعلية لأول نظام نقل عام مستدام وفعّال في لبنان؟ وهل هناك جدية في الدفع نحو تنفيذه بعد سنوات من التخطيط؟

ينهي مسعد حديثه قائلًا إن الازدحام المروري في لبنان عامة، وعلى أوتوستراد جونيه خاصة، ليس قضاء وقدرًا، بل نتيجة مباشرة لفوضى عمرها سنوات: البنية التحتية مهترئة نتيجة غياب التمويل المنتظم، وغياب نظام فعّال لإدارة أصول الطرق، بالإضافة إلى عدم توفر خطة نقل وطنية متكاملة. هناك حاجة ملحّة إلى اعتماد نظام متطوّر لإدارة أصول الطرق (Road Asset Management System) يتيح تتبع حالة الشبكة، وتحديد أولويات الصيانة والاستثمار بشكل مبنيّ على البيانات.

الحلّ لا يكمن في توسعة الطرق فحسب، بل في إطلاق خطط نقل عام فعّالة. ومنع الوقوف العشوائي بفرض مخالفات مع إدخال تحسينات بنيوية على الطرقات مثل تحسين تصميم المداخل والمخارج وتأهيل البنية التحتية بشكل جذريّ ومدروس وإزالة الأكشاك والتعديات عن جوانب الطرقات.

وزارة الأشغال تتدخّل

أمام هذه المعاناة اليوميّة للمواطنين، والزحمة الخانقة على أوتوستراد جونيه تحديدًا، يقول وزير الأشغال فايز رسامني لـ «نداء الوطن» عن مصير مشروع توسيع أوتوستراد جونيه في قسمه الممتدّ من نفق نهر الكلب إلى كازينو لبنان، إن مشروع التوسعة وتحديدًا من نفق نهر الكلب حتى طبرجا، يشكّل جزءًا من خطة شاملة لتحسين البنى التحتية وتخفيف الازدحام المزمن على هذا المحور الحيوي. المشروع يتضمّن توسعة الطريق ليشمل ثلاثة مسارات وطريقًا جانبية منفصلة في كل اتجاه، إلى جانب إنشاء جسور للمشاة وتأهيل الجسور الحالية، بما يضمن انسيابية السير وسلامة العابرين.

لكن رغم قيام مجلس الإنماء والإعمار باستكمال التحضيرات الفنية وإرساء عقدي مهام الإشراف على الأشغال وتنفيذ أشغال التوسعة، لا تزال بعض الإجراءات الإدارية والتمويلية قيد المعالجة. إلّا أنّ الملف مفتوح وجاهز للتنفيذ فور توافر الظروف الملائمة.

وفي انتظار أن تصبح ظروف لبنان يومًا ما ملائمة لإنجاز المشاريع المقرّرة ونقلها من الورق إلى الواقع، وردًّا على سؤال عن جديد الأوتوستراد العربي المتّجه صوب البقاع، لا سيّما في جزئه الممتدّ من الجمهور إلى بحمدون، يلفت رسامني، إلى أن الأوتوستراد العربي الذي يُعد شريانًا استراتيجيًا يربط بيروت بالبقاع وصولًا إلى الحدود، يشهد تقدّمًا متفاوتًا بحسب المناطق. فعلى مستوى القسم الممتدّ من المديرج حتى تعنايل، سُجّل تنفيذ ملحوظ في عدد من الأقسام من قبل مجلس الإنماء والإعمار، فيما لا تزال بعض العقبات المتعلّقة بالاستملاكات والإخلاءات قائمة لا سيّما في منطقتي جديتا ومجدل العنجر، وكذلك عقبات تمويلية لاستكمال تنفيذ الأشغال حيث يتم التعامل مع التحدّيات وفق مقاربة تراعي الواقع الاجتماعي وتوفر الاعتمادات.

أما الجزء الممتد من الجمهور إلى بحمدون، فهو مدرج ضمن أولويات استكمال شبكة الأوتوسترادات، ويُنظر إليه كعنصر أساسي في تحسين الربط بين الساحل والداخل. والوزارة تتابع الملف بجدية مع مجلس الإنماء والإعمار المكلّف بإعداد دراسات هذا الجزء، وتسعى إلى تذليل أي عوائق تحول دون إطلاقه.

في الختام، يؤكد وزير الأشغال وجود خطط لتأهيل الأوتوسترادات الرئيسية للحدّ من زحمة السير مع بداية موسم الصيف، ويقول إن الوزارة تولي مسألة تخفيف الازدحام أهمية كبرى، لا سيّما مع حلول فصل الصيف وازدياد الضغط على الطرقات الحيوية. وتندرج هذه الجهود ضمن خطة شاملة لصيانة وتأهيل الطرقات والجسور أطلقتها الوزارة سابقًا تحت عنوان «لبنان على السكة»، وتشمل تنفيذ الأعمال على مراحل بما يتناسب مع الحركة الموسمية والاحتياجات المتزايدة. أما الأوتوسترادات الساحلية والدولية، فهي قيد المتابعة المستمرّة، مع تحضيرات تهدف إلى تأهيل الجسور وتسهيل حركة الدخول والخروج من الطرق السريعة لضمان انسيابية السير وسلامة المرور.

في النهاية، تبقى العبرة في التنفيذ وفي انتظار أن تنفذ المشاريع التي تحدث عنها الوزير، يبقى المواطنون ضحية الزحمة الخانقة في عزّ الصيف.

*المصدر: ام تي في | mtv.com.lb
اخبار لبنان على مدار الساعة