اخبار لبنان

المرده

سياسة

دلالات الردّ الإيراني بالمثل على العدوان الإسرائيلي وآفاق الحرب

دلالات الردّ الإيراني بالمثل على العدوان الإسرائيلي وآفاق الحرب

klyoum.com

بدّد الردّ الإيراني القوي والساحق على العدوان الإسرائيلي حالة الانتشاء الإسرائيلية التي سادت لساعات، اثر نجاح الطائرات الإسرائيلية في شنّ غارات مباغتة على إيران واغتيال القيادات العسكرية وعلماء وضرب مفاعل نطنز… وأدّى إلى قلب المشهد رأساً على عقب، وأثبت فشل الرهانات الإسرائيلية والأميركية على إضعاف إيران وشلّ قدرتها على العودة للإمساك بزمام الأمور، وأثبتت قدرتها على استيعاب الضربة القاسية التي تعرّضت لها، والنهوض سريعاً من آثارها، وتوجيه ضربات صاروخية موجعة لكيان العدو اىصهيوني أصابت أهدافها بدقة، وبرهنت على عجز منظومة الدفاع الجوية الإسرائيلية ـ الأميركية، الأحدث في العالم، عن منع الصواريخ الإيرانية من الوصول إلى أهدافها، مما أثبت أنّ إيران دولة قوية قادرة على الردّ بالمثل على محاولات ضرب هيبتها والنيل من كبريائها وكرامتها الوطنية.. وإخضاعها للشروط الأميركية الإسرائيلية.

كما كان للردّ الإيراني الذي زلزل كيان الاحتلال لا سيما عصبه في منطقة غوش دان، ومدينة حيفا، التي تشكل عمقه الحيوي، العديد من الدلالات، أهمّها:

1 ـ كسر قواعد الاشتباك التي حاول أن يفرضها العدوان الإسرائيلي على إيران، حيث شكل الردّ الإيراني مباشرة من الأراضي الإيرانية، بهذه الكيفية والقوة والتأثير الذي أحدثه، تحوّلاً كبيراً في قواعد الاشتباك بين إيران وكيان العدو… فـ لطالما كانت المواجهات في السابق تأخذ طابعاً غير مباشر، أما الردّ المباشر الذي نفذته إيران فقد عكس قدرة إيرانية على تغيير قواعد الاشتباك.. وفرض معادلة توازن الردع.

2 ـ إعادة الهيبة والردع: بعد سلسلة من الاعتداءات الإسرائيلية التي استهدفت شخصيات ومنشآت إيرانية (مثل اغتيال قادة وعلماء نوويين، وضرب منشآت نووية ونفطية وصناعية)، نجحت إيران في استعادة هيبتها وقدرتها على الردع، من خلال الردّ القوي والمباشر الذي أرسل رسالة مفادها أنّ الاعتداءات المتكررة على إيران ستقابَل بردود مماثلة أيضاً وهو ما حصل ويحصل كلّ يوم على أثر كّل عدوان إسرائيلي.

3 ـ فشل الدفاعات الجوية الإسرائيلية والأميركية في منع الصواريخ الإيرانية من الوصول إلى أهدافها، فالردّ الإيراني، الذي تضمّن موجات كبيرة من الصواريخ والمُسيّرات، شكل اختباراً لأنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية والأميركية (مثل القبة الحديدية، مقلاع داوود، آرو، وتاد، وباتريوت)… وكشف عجزها عن اعتراض قسم مهمّ منها، وانّ حجم الردّ الإيراني الساحق أكد عدم قدرة هذه الأنظمة على التعامل مع الهجمات الإيرانية الواسعة والمستمرة والمرشحة للاتساع.

4 ـ وضع «إسرائيل» تحت الضغط المتواصل، سواء على المستوى العسكري أو السياسي، أو الشعبي، ومن المتوقع أن يؤدي ذلك عاجلاً ام آجلاً إلى دفع «إسرائيل» الى إعادة التفكير في مواصلة عدوانها، بعد أن أصبحت تواجه معادلات ردعية تمنعها، لأنّ كلفة الاستمرار في الاعتداء كبيرة لا تستطيع «إسرائيل» تحمّلها على مدى طويل، بسبب ضيق مساحتها الجغرافية، وقلة عدد سكانها ومواردها، بعكس إيران التي تستطيع تحمّل كلفة حرب الاستنزاف بسبب كبر مساحتها الجغرافية، وغنى مواردها، وتعداد سكانها وقدراتها الدفاعية المحصنة جيداً في مدن تحت الأرض.

5 ـ وجهت إيران من خلال ردها القوي رسالة ردعية للولايات المتحدة تقول، بأنّ الردّ الإيراني سيكون موجهاً أيضاً إلى أميركا، في حال اشتركت عملياً في العدوان على إيران، وستواجَه بردّ إيراني قاسٍ يطال القواعد والسفن الحربية الأميركية في المنطقة، وقد يؤدي إلى جرّ المنطقة إلى صراع أوسع.

لكن يبقى السؤال الأهمّ هو عن آفاق الحرب… لا سيما أنه كلما استمرت «إسرائيل» في عدوانها ولم تتوقف، ستواجَه بردود إيرانية مماثلة بالقوة والتأثير، مما يرفع من كلفة الحرب المادية والبشرية، ويؤدّي إلى الدخول في حلقة مفرغة من التصعيد يصعب التنبّؤ بنتائجها.. خصوصاً مع الفشل «الإسرائيلي» في إضعاف قدرات إيران الصاروخية في الردّ على الهجمات «الإسرائيلية».

أولاً، من المعروف انّ «إسرائيل» تمتلك قدرات عسكرية متطورة، بما في ذلك طائرات حديثة، وصواريخ بعيدة المدى، وأنظمة دفاع جوي متقدمة، وقدرات استخبارية كبيرة. ومع ذلك، فإن حرباً طويلة مع إيران التي تملك تفوّقاً في القدرات الصاروخية، قد ترهق كيان الاحتلال والجيش «الإسرائيلي» الذي يعاني بالفعل من ضغط شديد بسبب غرقه في حرب استنزاف في غزة.

ثانياً، انّ استمرار الحرب لفترة طويلة سيترتب عليها كلفة اقتصادية باهظة، وستفرض أعباء مالية هائلة على الميزانية «الإسرائيلية»، وتؤثر سلباً على الاستثمارات والسياحة.. في ظلّ عزلة «إسرائيل» عن العالم الخارجي، نتيجة إقفال مطار اللد، وتوقف الملاحة الجوية والبحرية…

ثالثاً، الجبهة الداخلية: تاريخياً لم تعتد «إسرائيل» على أن تكون الحرب في قلب جبهتها الداخلية، وهي أظهرت حساسية عالية تجاه الخسائر البشرية في صفوف جيشها ومستوطنيها.. ولهذا فإنّ أيّ حرب طويلة ذات كلفة بشرية عالية تشل كلّ مناحي الحياة، قد تؤثر على الدعم الشعبي والسياسي للحرب وتخلق ضغوطاً داخلية على الحكومة الإسرائيلية لوقفها، خصوصا إذا ما لمس الشارع عدم قدرة الطيران الإسرائيلي على حسم المعركة، واستمرار إخفاق الدفاعات الجوية في منع سقوط الصواريخ الإيرانية، على عمق الكيان…

رابعاً، تعتمد «إسرائيل» بشكل كبير على الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي من الولايات المتحدة.. لكن أيّ حرب طويلة ذات كلفة عالية، ومن دون وجود أفق في إمكانية إضعاف إيران، قد تؤدّي إلى دفع الإدارة الأميركية إلى التفكير في مراجعة دعمها لـ «إسرائيل» في مواصلة الحرب، والعمل على ممارسة الضغوط عليها لوقف الحرب لعدم جدواها والحدّ من خسائرها الكبيرة.. وحماية الكيان الإسرائيلية من تداعياتها السلبية.

خامساً، إنّ أيّ حرب استنزاف ذات كلفة باهظة ليس في مصلحة «إسرائيل» الاستمرار فيها لا سيما في مثل هذه الحرب التي تملك فيها إيران قدرة كبيرة على إلحاق خسائر كبيرة بـ «إسرائيل»، كما برهنت في الأيام الثلاثة الأولى للحرب، ومعروف انّ «إسرائيل» تعاني حاليا من نتائج حرب الاستنزاف في قطاع غزة نتيجة المقاومة الشديدة والضارية التي تواجه جيش الاحتلال، لذلك إذا تحوّلت المواجهة إلى حرب استنزاف طويلة، فإنّ ذلك قد يؤثر بشكل كبير على قدرات «إسرائيل»، خاصة إذا امتدت الحرب لتشمل جبهات متعددة.

باختصار، الردّ الإيراني المباشر والقوي أحدث صدمة في دوائر القرار الإسرائيلي والأميركي، وقلَب المشهد الذي ساد في الساعات الأولى التي اعقبت الهجوم الإسرائيلي الغادر باغتيال سلسلة القيادات العسكرية من الصف الأول، وأحدث نقطة تحوّل في مسار الحرب التي اعتقدت «إسرائيل» أنها ستحسمها من اليوم الأول، بشلّ منظومة القيادة والسيطرة الإيرانية، وإدخال إيران في حالة من الفوضى والضياع على مستوى سدة القرار، لكن هذا الرهان لم يتحقق، وجاءت سرعة القيادة السياسية في استيعاب حجم الخسائر التي أحدثها العدوان، وملء الفراغات، ووضع خطط الردّ وتنفيذها، جاءت لتحبط أهداف العدوان الذي حاول الرئيس الأميركي دونالد ترامب استثماره سريعاً عبر السعي لدفع إيران للجلوس إلى طاولة المفاوضات وتوقيع اتفاق يستجيب للشروط الأميركية الإسرائيلية، لكن الردّ الإيراني السريع خيّب آمال ترامب..الذي باتت تصريحاته بعد ذلك يشوبها الاضطراب.. لأنّ رهانه على استخدام القوة العسكرية الإسرائيلية لإخضاع إيران لم يتحقق، واختبار الخيار العسكري لحسم الصراع مع إيران وتدمير قدراتها العسكرية والنووية لم ينجح، بل أتى بنتائج عكسية.. وسيكون على إدارة ترامب، بعد أن تشعر «إسرائيل» بعدم القدرة على الاستمرار في تحمّل حرب مكلفة جداً، أن تبحث لها عن مخرج سياسي دبلوماسي لوقف هذه الحرب…

*المصدر: المرده | elmarada.org
اخبار لبنان على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com