اخبار لبنان

ام تي في

سياسة

بين التفاوض مع إسرائيل أو مع "حزب الله"... عون: مصلحة لبنان فوق كل اعتبار

بين التفاوض مع إسرائيل أو مع "حزب الله"... عون: مصلحة لبنان فوق كل اعتبار

klyoum.com

هل يضحّي رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون بعهده كُرْمى لعيون حزب الله وسلاحه ودولته؟ أم أنه سيصل إلى الحدّ الفاصل في هذه العلاقة عندما سيكون عليه أن يختار بين أن ينقذ العهد والدولة والسيادة والقرار، وبين أن يمدّ يد الإنقاذ لـ حزب الله؟ مع أن إنقاذ الحزب يكون نتيجة طبيعية لعملية إنقاذ الدولة ومعها سائر اللبنانيين، من الأساس تعاطى الرئيس عون مع الحزب بسياسة اليد الممدودة ولكن يبدو أن الحزب حاول منذ بداية العهد عدم مبادلة إيجابية الرئيس بإيجابية مماثلة.

يريد حزب الله أن يتعاطى مع رئيس الجمهورية، ومن خلاله مع سائر مكوِّنات الحكم في لبنان، كما كان يتعاطى مع سائر العهود السابقة منذ ما بعد انسحاب جيش النظام السوري من لبنان عام 2005، من الرئيس إميل لحود إلى الرئيس ميشال سليمان والرئيس ميشال عون. طبّق الحزب على كلّ هؤلاء سياسة الاحتواء والوصاية والفرض والحصار ومصادرة القرار، وهو يريد أن يضع الرئيس جوزاف عون في الموقع الذي وَضَع فيه من سبقوه.

محاولة تعطيل العهد

لا شكّ في أنّ ظروف وصول الرئيس عون إلى قصر بعبدا مختلفة عن الظروف التي حكمت وصول لحود وسليمان وعون الأول. ولا شكّ في أن الرئيس عون الثاني طوّل باله كثيرًا على الحزب إلّا أنه في النهاية سيصل إلى النقطة التي سيضطر فيها إلى اتخاذ القرار. لقد أعطى الحزب فرصًا كثيرة من دون أن يبادله الحزب بأي إيجابية ومن دون أن يتنازل عن استراتيجياته السابقة وانخراطه في حرب المساندة وزجّ لبنان في صراعات إقليمية أدّت إلى هزيمته وخسارة لبنان واللبنانيين الكثير من الفرص بحيث أعادهم سنوات إلى الوراء. وهو فوق ذلك يريد من الرئيس والحكم في شكل عام أن ينقذوه من ورطته ويتحمّلوا عنه أعباء الهزيمة والخسارة.

لم يقتصر دور الحزب السلبي على تعطيل عمل العهود السابقة فقط بل تعدّى ذلك إلى فرض الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس لحود ثم بعد انتهاء ولاية الرئيس سليمان، وبعد انتهاء ولاية عون الأول. مع أن لحود كان من الصنف الذي يزايد على الحزب والنظام السوري في الولاء والتبعية، ولم يكن لديه أي شعور بالذنب تجاه بيع كل صلاحياته إليهما والتنازل عن موقعه الرئاسي، إلى الحدّ الذي جعل رئيس النظام السوري ومعه الحزب في لبنان، اتخاذ القرار باغتيال الرئيس رفيق الحريري بعد التمسك بالتمديد للحود خلافًا للقرار 1559 الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي ونصّ على سحب الجيش السوري من لبنان ونزع سلاح حزب الله. والرئيس سليمان وصل إلى قصر بعبدا بعد غزوة 7 أيار التي نفذها الحزب وشكّلت انقلابًا عسكريًا على الأكثرية النيابية المعارضة له، وانتُخِب بعد تفاهم الدوحة الذي أعطى حزب الله الثلث المعطل داخل الحكومة. ولكن سليمان في نهاية عهده أسقط ثلاثية الحزب جيش وشعب ومقاومة وسمّاها الثلاثية الخشبية. أما الرئيس عون الأول فقد وصل إلى قصر بعبدا بعدما عطّل أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله الانتخابات من أجل عيونه وفاء للغطاء الذي أمّنه له في حرب تموز 2006 بعد تفاهم 6 شباط في كنيسة مار مخايل. لم يكن الحزب بحاجة إلى الضغط على عون الأول لأنه أعطاه أكثر ممّا يريد، وتنازل له عن قراره وعن سيادة الدولة من أجل أن يكسب منه وعدًا بانتخاب وريثه السياسي جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر خلفًا له. وعلى رغم ذلك فضل نصرالله الفراغ على باسيل.

عهد جديد أم تجديد لما سبق؟

مع الرئيس عون الثاني المسائل مختلفة، والبدايات مختلفة، وهي لا يمكن أن تؤدّي إلى النتائج ذاتها. فقد وصل إلى قصر بعبدا رغم إرادة الحزب الذي عارض انتخابه منذ بدأ طرح اسمه كمرشح إنقاذ قبل انتهاء ولاية عون الأول. حكى مسؤولون في الحزب كثيرًا عن أن الرئيس الحالي، وفي فاصل الساعتين بين جلستي انتخابه، ولقائه وفدًا من الحزب، أعطاهم وعدًا بعدم تنفيذ قرار نزع سلاح الحزب، ولكن خطاب القسم كان واضحًا إذ أنه لم يتبدّل وكان بإمكانه أن يُبدِّل جملة فيه تتعلّق بحصر السلاح بيد الدولة.

لم تقتصر هزيمة الحزب العسكرية على المواجهة مع إسرائيل بل تعدّتها إلى سلسلة خسارات سياسية. تسمية الرئيس نوّاف سلام لتشكيل الحكومة كانت الخطوة المكمّلة لانتخاب عون وتشكيل هذه الحكومة من دون إعطاء حق الفيتو لـ الحزب كان الخطوة الثالثة. كان يفترض بهذه الحكومة أن تبدأ منذ آذار الماضي تطبيق قرار حصرية السلاح ولكنها مع العهد اختارت أن توسّع الكوع بانتظار أن يقتنع الحزب بأن عليه أن يسلِّم سلاحه. ولكن الحزب ذهب في الاتجاه المعاكس. وروّج لسرديّة تعافيه وملء الفراغات القيادية واستكمال هيكليته العسكرية والأمنية واستجلاب المزيد من الأسلحة والصواريخ، وحاول أن يفرض نفسه على السلطة الجديدة مستعيدًا تجارب سابقة ومنها: حصار السراي الحكومي ومحاولة فرض الاستقالة على رئيسها فؤاد السنيورة، الإنقلاب العسكري في 7 أيار 2008، التحكم بتسمية رؤساء الحكومات وبتسمية الوزراء، الإنقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري في 10 كانون الثاني 2011، تسمية الرئيس نجيب ميقاتي خلفًا له، الإنخراط في الحرب في سوريا واستباحة حدود الدولة والسيادة بشكل كامل، التصدّي لثورة 17 تشرين بالقوة والنار، تشكيل حكومات تابعة له لتقطيع ما تبقى من عهد عون الأول.

الأمر للرئيس ولمجلس الوزراء

تأخرت الحكومة في اتخاذ القرار بحصرية السلاح حتى جلستي مجلس الوزراء في 5 و7 آب. ولكنها لم تبدأ التنفيذ. التأخير لا يعمل في مصلحة الحكم والحكومة بل في مصلحة الحزب الذي يستفيد من عدم رغبتهما في الاصطدام به، ويوظف هذا التردّد في التحوّل نحو احتواء العهد الجديد وتصويره كأنه عاجز عن اتخاذ القرار ونسخة طبق الأصل عن العهود السابقة. ولكن كل ذلك وضع العهد أمام خيارات صعبة. إمّا أن يستمرّ في التنازل والتراجع أمام الحزب، إمّا أن يضرب بيده على الطاولة ويقول مع مجلس الوزراء الأمر لي. بين مصلحة اللبنانيين والدولة وبين مصلحة حزب الله لا مجال للتردّد ولا بدّ من اتخاذ القرار.

بعد حادثة بلدية بليدا في 30 تشرين الأول الماضي، أعطى الرئيس عون توجيهاته لقائد الجيش العماد رودولف هيكل بالتصدّي لأي توغل إسرائيلي في الأراضي الجنوبية دفاعًا عن الأراضي اللبنانية وسلامة المواطنين. هذه مسألة بديهية ربّما لا تحتاج إلى قرار لأن من مسؤولية الجيش أن يتصدّى لأيّ اعتداء على السيادة اللبنانية، سواء أتى من إسرائيل أو من سوريا، أو من المخيمات الفسطينية في لبنان أو من حزب الله. هذا القرار لاقاه الحزب بالترحيب على أساس أنه يقدّم خيار المقاومة وأعلن أنه يقف وراء الجيش في مواجهة العدو الإسرائيلي. بعد أربعة أيام فقط أكّد الرئيس عون أن لا بدّ من التفاوض مع إسرائيل لحلّ المشاكل العالقة بين الطرفين، بالتزامن مع بدء تطبيق خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في غزة....

وقال سبق للدولة اللبنانية أن تفاوضت مع إسرائيل برعاية أميركية والأمم المتحدة، ما أسفر عن اتفاق لترسيم الحدود البحرية. وسأل ما المانع من أن يتكرَّر الأمر نفسه لإيجاد حلول للمشاكل العالقة، لا سيما أن الحرب لم تؤدِّ إلى نتيجة؟ فإسرائيل ذهبت إلى التفاوض مع حركة حماس لأنه لم يعد لها خيار آخر بعدما جرّبت الحرب والدمار... الجو العام اليوم هو جو تسويات ولا بد من التفاوض، أما شكل هذا التفاوض فيُحدّد في حينه... لا يمكن أن نكون نحن خارج المسار القائم في المنطقة، وهو مسار تسوية الأزمات، ولا بد أن نكون ضمنه، إذ لم يعد في الإمكان تحمّل المزيد من الحرب والدمار والقتل والتهجير.

هل كفر الرئيس؟

كأنّ الرئيس كفر وارتكب خطيئة لا تُغتَفر، فشنّ عليه الحزب هجمة تخوين مستنكرًا كيف أنه لم يبقَ عنده إلّا هذا الخيار وكأن لدى الحزب خيارات أخرى أو كأن خيار الحرب أقلّ كلفة.

السفير الأميركي توم برّاك المكلّف من الرئيس ترامب متابعة الملفين اللبناني والسوري أعلن أن لبنان بات دولة فاشلة. قبل ذلك كان أعلن أنه لا يستطيع تأمين أي ضمانات من إسرائيل مقابل نزع سلاح حزب الله وأن هذا القرار مسألة لبنانية تتعلق بسيادة الدولة أولًا. ثمّ أعلن برّاك أنّه بإمكان الرئيس عون رفع سماعة الهاتف والتحدّث مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو كما يفعل الرئيس ترامب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو مع رئيس الصين شي جين بينغ. ولكن المسألة مختلفة وليست بهذه البساطة التي يتحدّث فيها برّاك.

أحاديث برّاك تأتي في وقت تتصاعد فيه لهجة التهديد الإسرائيلية ضد لبنان وحزب الله. ما كان يتبجّح به الحزب في موضوع استعادة قوته باتت تستخدمه إسرائيل في الحملة ضدّه وتهدّد باستئناف الحرب على لبنان بينما لا يمتلك لبنان أي قوة للتصدّي لمثل هذه الاعتداءات الإسرائيلية الجديدة. من هنا تظهر أهمية مسألة تصدّي الرئيس عون، مع الحكومة ورئيسها نواف سلام، لاتخاذ القرار والتأكيد أن الحكومة وحدها هي سلطة القرار. المسألة ربّما تقتضي تواصلًا أخيرًا مع الحزب من أجل التأكيد أن مصلحة لبنان فوق كل اعتبار، وأن مصلحة الحزب تحتها لا فوقها، وأنّ الحزب هو الذي وافق على اتفاق وقف النار في 27 تشرين الثاني الماضي، وليس الرئيس عون ولا حكومة نواف سلام، وهو ينصّ على نزع سلاحه.

*المصدر: ام تي في | mtv.com.lb
اخبار لبنان على مدار الساعة