إسرائيل تنبش القبور وتقيم الموتى (3من4) كيف صنع الموساد أسطورة إيلي كوهين؟
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
بعد سنوات من الغياب.. باسم ياخور يعود إلى سوريا في زيارة مفاجئةقبل إيلي كوهين وبعده حقّق الموساد الإسرائيلي إنجازات كثيرة واختراقات داخل الدول المعادية وحتى الحليفة والصديقة. لن يكون محمد هادي صالح من بيئة "حزب الله" العميل الأخير الذي يعتقل في لبنان. قبله اعتُقل كثيرون وبعده لا يزال كثيرون يعملون لصالح الموساد. لائحة العملاء طويلة. والمحاكمات والتوقيفات والعقوبات لا توقف هذا المسلسل ولا تردع الراغبين بالتعامل، أو المستهدفين بالتجنيد. إيلي كوهين نفسه لم يكن الأول الذي يزرعه الموساد في سوريا ولم يكن الأخير ولكن قصته بقيت مثلاً لقدرات التجسس الإسرائيلية المتقدمة والاختراقات التي لا تقف عند حدود.
قد لا يكون إيلي كوهين أهم جاسوس إسرائيلي، لكنّه ربما يكون الأكثر شهرة لأنه انكشف وحوكِم وأُعدِم وانتشرت قصته. وقد يكون إنجازاً تاريخياً لعمل الموساد، ولكن مهمات أخرى فاقته أهمية خصوصاً بعد تفجيرات أجهزة البيجر واغتيال أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين وقادة "الحزب". كثيرون ربما غيره من العملاء لم ينكشفوا وبقيت أسماؤهم وأفعالهم مجهولة. عملية تجنيد كوهين كانت معقّدة إذ زُرع في قلب المجتمع السياسي والاقتصادي والعسكري في سوريا، باسم مستعار لشخص سوري غير موجود وبهوية مزورة، نفذ كوهين المهمة المطلوبة منه في ظل تبدل الأنظمة من 1962 إلى 1965، من انهيار الوحدة إلى قيام نظام حزب البعث. ومنذ إعدامه في 18 أيار 1965 لا تزال إسرائيل تبحث عن جثته.
أعمال التفجير في مصر
لم يكن كوهين، العميل الإسرائيلي الأول من العائلة. في العام 1961 اعتقلت السلطات اللبنانية شولا كوهين التي كانت تمثل أيقونة للموساد بعدما عملت في بيروت لأكثر من 15 عاماً. الفارق بينهما أنها كانت يهودية لبنانية تعيش في لبنان، بينما الأول زُرع في دمشق من خلال عملية أمنية معقدة ومدروسة وذات مخاطر عالية. مع ذلك نجح في مهمته ولو لوقت قصير. إذ، على الرغم من التدريب، وقع في الفخ مصادفة.
في 6 كانون الأول عام 1924 ولد إيلياهو بن شاؤول كوهين في الإسكندرية، وهو الاسم الذي دُوِّن في محضر إعدامه الذي تم الكشف عنه بعد إعلان إسرائيل عن تسلم ملف الوثائق الخاصة به. في العام نفسه وقبل أشهر من ولادته انتقلت عائلته من حلب في سوريا لتستقر في مصر. أتقن إيلي العربية والفرنسية والإنكليزية والعبرية وتعلم في مدارس يهودية قبل دخوله مجال الهندسة في جامعة الملك فاروق من دون أن يكمل. عندما بلغ العشرين انضم إلى منظمة الشباب الصهيوني في الإسكندرية التي عملت على حثّ اليهود هناك على الانتقال إلى دولة إسرائيل بعد قيامها عام 1948. وفي حين غادر والده وإخوته الثلاثة إليها عام 1949 بقي هو في القاهرة ليشارك في مهمات أمنية للاستخبارات الإسرائيلية.
من أهم العمليات التي شارك فيها، تفجيرات ضد مصالح أميركية ويهودية هدفت إلى إفساد العلاقة بين مصر والولايات المتحدة الأميركية خصوصاً، بعد ثورة 23 تموز 1952، وانقلاب الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر. الهدف الثاني، كان تخويف اليهود وحملهم على الانتقال إلى إسرائيل. لكن هذه العمليات ما لبثت أن انكشفت في تموز 1954 ليقع كوهين مع آخرين في قبضة أجهزة الأمن المصرية، حيث حوكموا في القضية التي أطلق عليها اسم "لافون"، نسبة إلى وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك بنحاس لافون الذي اتهِم بإعطاء الأوامر لتنفيذها.
عندما صار كامل أمين تابت
خرج إيلي كوهين من هذه القضية من دون إثبات التهمة عليه وانتقل إلى إسرائيل عام 1955، والتحق بالوحدة 13 في الموساد الذي أعاده إلى القاهرة. اعتقل مرة ثانية بعد الاعتداء الثلاثي على مصر في تشرين الثاني 1956، ولكن اعتقاله لم يدُم طويلاً. بعد إطلاق سراحه عاد إلى تل أبيب وعمل محاسباً في شركة خاصة ثم مترجماً في وزارة الدفاع. أراد أن يتخلى عن هواياته السرية السابقة وتزوج عام 1959، لكن الموساد لم يتخلّ عنه وأعاد الاتصال به. لم يتردّد. توقّع أن يُكلَّف بمهمة في مصر ولكن لم يكن هذا خيار الجهاز الذي اختاره لمهمة في دمشق.
بدأت عملية تجنيده وكانت سوريا ضمن دولة الوحدة مع مصر برئاسة جمال عبد الناصر، وفي عهد العقيد عبد الحميد السراج رئيس المكتب الثاني في الإقليم السوري الشمالي. وكان عليه أن يصبح كامل أمين تابت، سوري مسلم هاجر من سوريا إلى مصر في العام 1946 ومن هناك انتقل في العام 1947 مع عائلته إلى الأرجنتين التي كان سبقهم إليها أحد أعمامه. تفترض الرواية أيضاً أن والد كامل توفي هناك بالسكتة القلبية في العام 1952 وبعد ستة أشهر توفّيت والدته فبقي وحده يتابع عمل العائلة في تجارة الأقمشة. المهمة تقتضي ذهابه إلى بوينس أيرس، وبشخصيته الجديدة يتعرّف إلى سوريين يُعرب لهم عن رغبته في العودة إلى بلاده، في وقت كانت دمشق تنام على انقلاب وتصحو على آخر. لكن، ومع هذه التقلبات بقيت مهمته ثابتة ولم تتغيّر. من بين أهداف مهمته كان البحث عن ضباط ألمان نازيين يعيشون في دمشق وأحدهم ألويس برونر. إلى جانب هذه الشخصية مع التفاصيل المتعلقة بها دُرّب على استخدام أجهزة الاتصال وعلى الكتابة بالحبر السري، كما تعلّم مبادئ الدين الإسلامي وتعاليمه. كجندي في الموساد نفّذ كوهين الأوامر.
من إيطاليا إلى لبنان فدمشق
كانت الأرجنتين ساحة مفتوحة لعمل الموساد الذي استطاع أن يخطف النازي الألماني أدولف إيخمان عام 1960 وينقله إلى إسرائيل حيث حوكم وأعدم عام 1962، وكان برونر في سوريا مساعداً سابقاً له. لم يذهب كوهين من تل أبيب إلى الأرجنتين مباشرة. في 3 شباط 1961 ترك زوجته وغادر من دون أن يعلن لها عن وجهته. محطته الأولى كانت في ألمانيا ثم زيورخ في سويسرا، فسانتياغو عاصمة تشيلي، قبل دخوله الأرجنتين حيث أُعِدت تسهيلات لاستقباله بهويته الجديدة، ليعيشها بطريقة لا يرقى إليها الشك ويتعرّف إلى سوريين مهاجرين وينخرط في نشاطات الأندية والجمعيات السورية ليظهر حماسته الوطنية ورغبته في العودة إلى بلاده.
عندما حصل الانفصال بين مصر وسوريا في 28 أيلول 1961، كان كوهين في بوينس أيرس، وفي ظل اختلال الحكم والنظام تقرّر انتقاله إلى دمشق. مطلع كانون الثاني 1962 انتقل إلى جنوى في إيطاليا حيث كان ينتظره ماجد شيخ الأرض الذي رُسمت شبهات كثيرة حول شخصيته ودوره في مساعدة كوهين في مهمته. ومن جنوى انتقل الاثنان على متن باخرة شحن ومعهما سيارة تخفي أجهزة التجسس التي سيستخدمها كوهين في سوريا، ووصلا في 8 كانون الثاني إلى بيروت ومنها بواسطة السيارة إلى دمشق. على الحدود بين البلدين كان هناك من سهّل لهما الدخول من دون تفتيش أو التدقيق في هويته السورية، كامل أمين تابت، وبعد فترة استقرّ في شقة في حي أبو رمانة الذي تعيش فيه نخبة من القيادات السورية وتنتشر مقرّات عدد من سفارات الدول الأجنبية. من هناك بعث برسالته الأولى إلى مشغّليه في الموساد، كإشارة إلى أنه استقرّ وبدأ في العمل.
على جبهة الجولان
في تلك المرحلة اختارت سلطة الانقلاب ناظم القدسي لرئاسة الجمهورية وعبد الكريم زهر الدين رئيساً لأركان الجيش، بينما توالى أكثر من شخص على رئاسة الحكومة قبل انقلاب حزب البعث في 8 آذار 1963 الذي أوصل اللواء أمين الحافظ إلى رئاسة الدولة. كل هذه التحولات داخل سوريا كانت محط اهتمام الموساد الإسرائيلي، وقد غطاها كوهين عبر تقارير كثيرة أرسلها وزيارات دورية متباعدة نُظمت له إلى تل أبيب للقاء عائلته وقيادته، عبر مروره في عدد من الدول الأوروبية مستعيداً اسمه الأصلي تاركاً كل ما يمكن أن يدلّ إلى أنّه يعيش في دمشق.
لم يعلن كوهين أي التزام سياسي بأي جهة في سوريا. دخل مباشرة إلى عالم الأعمال مستفيداً من مساعدة الموساد له ليدخل بقوة إلى المجتمع الراقي. بذلك أقام علاقة أساسية قبل انقلاب البعث، مع معزى زهر الدين ابن شقيق اللواء عبد الكريم زهر الدين رئيس الأركان بعد الانفصال ووزير الدفاع أيضاً، ما سهل له الوصول إلى التحصينات العسكرية السورية على جبهة الجولان. وطور علاقاته واختراقاته إلى الحدّ الذي كانت إذاعة إسرائيل تسبق إذاعة دمشق في الإعلان عن تطورات ستحصل في سوريا.
السفارة الهندية هي السبب
في تشرين الثاني 1964 انتقل كوهين للمرة الأخيرة إلى إسرائيل للقاء عائلته وأطفاله الثلاثة وليقدم قراءة موسعة شاملة للموساد حول التطورات التي حصلت في سوريا بعد انقلاب البعث. كانت الزيارة الأخيرة له. في 18 كانون الثاني 1965 وقع في الفخ.
كان يبعث برسائله المشفرة في وقت محدّد يومياً، وبحكم موقعه في حي السفارات حصل تشويش على رسائل السفارة الهندية، فأعلمت السلطات السورية التي بدأت البحث مستعينة بجهاز روسي لتعقب إشارات الإرسال حتى حُدّد مكان الشقة، فاقتحمتها الاستخبارات وقبضت عليه، متلبّساً. وبواسطة إشارات أرسلها، عَلِم الموساد بالأمر. هكذا كانت بداية نهاية الرجل الذي اعتبر صناعة جاسوسية إسرائيلية ونموذجاً في العمل الأمني.
بدل أن يشكّل اعتقاله ضربة للنظام جعل حزب البعث منه إنجازاً، اعتبره بعضهم مضخّماً لدور الجاسوس ليطغى على إخفاقات أمنية في ظل الصراع على السلطة داخل البعث.
بعد محاكمة سريعة استعراضية مغطاة إعلامياً، نُفّذ حكم الإعدام شنقاً بكوهين في ساحة المرجة في 18 أيار 1965، ودُفن في المقبرة اليهودية في دمشق. قبل إعدامه شكلت إسرائيل ضغطاً دولياً لتفادي حكم من هذا النوع، لكنها فشلت. عام 2018 استعادت ساعة يده وسلمها رئيس الوزراء إلى زوجته. في أيار الحالي استعادت ملف وثائق المحاكمة كاملاً. تبقى جثته.
يتبع الأربعاء 28 أيار:
الموساد لا يهدأ ومسلسل العملاء لا ينتهي