لبنان متمسك بسيادته القضائية وسوريا لشطب ملفات "الإرهاب" أولًا
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
حاصباني يرد على بوصعب: القوانين المقرة أمس نافذةإذا ما سلكت الأمور وفقًا للمتفق عليه، يرتقب أن تعقد لجنتا لبنان وسوريا المشكّلتان للبحث بمصير الموقوفين السوريين في سجون لبنان والمخفيين اللبنانيين في سوريا، اجتماعًا ثانيًا لها في مطلع شهر تشرين الأول كحد أقصى. الموعد محدد مسبقًا بعد ثلاثة أسابيع من اللقاء الأول الذي انعقد في دمشق في التاسع من أيلول الجاري. ويأتي وسط تصاعد وتيرة الضغوطات في سوريا، من أجل استعادة كل الموقوفين في سجون لبنان، ولا سيما من يعرفون بـ سجناء الرأي. هذا في وقت يسير ملف المخفيين اللبنانيين في سوريا بوتيرة أهدأ، وسط معلومات تشير إلى أن السلطة السورية لا تزال غير جاهزة لتحديد مصير أكثر من 300 ألف مخفي على أراضيها ومن مختلف الجنسيات. فماذا في التفاصيل؟
في النصف الأول من شهر آب الماضي انتشر مقطع مصوّر عبر وسائل التواصل الاجتماعي لمن ادعوا أنهم عشائر سوريّة، حمل تهديدًا مباشرًا باقتحام لبنان خلال 48 ساعة، ما لم يُسلّم المحتجزون في السجون اللبنانيّة إلى ذويهم. تزامن ذلك مع سلسلة احتجاجات استدرجتها وفاة محتجز من بلدة القصير في سجن روميه. فشكلت هذه التحركات ضغطًا مضاعفًا على السلطة السورية، لتبادر إلى أولى خطواتها العملية.
أرسلت سوريا في مطلع شهر أيلول وفدًا رسميًا التقى نائب رئيس الحكومة طارق متري في بيروت، فأعطت تلك الزيارة إشارة الانطلاق بتحقيق أهداف الاجتماع المحددة. وعلى الفور تشكلت لجنتان من البلدين، وانكبتا على دراسة مشروع اتفاقية قضائية وضعت بجهد قضائي من قبل الجانب اللبناني لمناقشتها مع الجانب السوري.
2100 سجين بين محاكمات مؤجلة وتسويات مرتقبة
ترجمة لهذه الخطوات، الإيجابية التي أبداها الجانب اللبناني منذ سقوط نظام بشار الأسد، لحل كافة ملفات المواطنين السوريين المقيمين في لبنان. إذ قدمت السلطات الحدودية بداية كافة التسهيلات للراغبين من النازحين بالعودة إلى ديارهم، معفية إياهم من كل الغرامات والملاحقات الناتجة عن كسر شروط الإقامة. لتتسارع من خلال تشكيل لبنان لجنته المفاوضة في الأسابيع الماضية وإعداد لوائح بالمحتجزين في مختلف السجون والنظارات، كمقدمة للبحث في حالة كل موقوف أو سجين تبعًا لتطور ملفه القضائي أو الأمني.
بحسب المعلومات تتنوع حالات الموقوفين السوريين في لبنان. فمن بين 2100 موقوف في مختلف السجون، هناك 70 بالمئة لا يزالون ينتظرون محاكمتهم، وبعضهم لم يتم اقتياده للمحاكمة منذ سنوات. وثلاثون بالمئة فقط محكومون بتهم جرمية، جزائية أو جنائية، بالإضافة إلى جرائم إرهاب واعتداء على الجيش.
انطلاقًا من هنا، يبدو الملف محكومًا بعقد وتباينات عديدة وخصوصًا في مقاربة الحلول المقترحة له. إذ تصرّ سوريا على استعادة موقوفيها، تحت ضغط شارعها الرافض لأن تبقى حرية فئة ممن شاركت في الثورة محجوزة بينما تشكل هذه الثورة رأس السلطة في سوريا حاليًا. لذا، ترتبط الحلول المقترحة حتى اليوم، بمسارات متباينة تحرص السلطة السياسية في لبنان على ألّا يشكل أيٌ منها خرقًا لسيادتها القضائية.
بين سيادة لبنان القضائية وطموح العفو السوري
يصرّ الجانب اللبناني إذًا، على متابعة تنفيذ الأحكام الصادرة عن محاكمه، وهو يريد أن يتأكد بأن هؤلاء سيقضون فترة عقوبتهم في سوريا إذا ما تم تسليمهم لها. ويتمسك لبنان أيضًا بثوابت رفض تسليم أي معتدٍ على الجيش اللبناني أو الأجهزة الأمنية، أو متهم بجرائم إرهاب على الأراضي اللبنانية. كما يرفض تسليم أي موقوف غير محاكم، قبل تحقيق العدالة الكاملة سواء أكانت حقًا شخصيًا أو عامًا.
في المقابل، تظهر ممانعة من الجانب السوري للسير بأي من الاتفاقيات السابقة المعقودة بين البلدين بظل نظام الأسد، ومن ضمنها اتفاقية تبادل السجناء الموقع منذ العام 2010. وهي بالتالي حريصة على التوصل إلى صياغة مشتركة لاتفاقية تبادل سجناء جديدة مع لبنان، تسمح لها باستعادة مواطنيها المحتجزين في لبنان دفعة واحدة، من دون أن تبرز ممانعة قاطعة لمتابعة تنفيذ بعض الأحكام الصادرة بحق هؤلاء في سوريا.
إلا أن أولوية المفاوض السوري حاليًا تبدو منصبة على طيّ صفحة موقوفي الرأي، والذي يحظى بنقاشات على مستويات سياسية مختلفة، ويطمح الجانب السوري بأن يشمل العفو، الموقوفين الإسلاميين من مختلف الجنسيات ومن بينهم اللبنانيون، خصوصًا أن بعض هؤلاء أوقف أو تورط بأحداث على خلفية الثورة التي اندلعت في سوريا في العام 2012.
بين رفض تسليمهم والإصرار عليه
تعمل اللجنة المفاوضة باسم سوريا وفقًا للمعلومات، على تقسيم الملف إلى عدة أجزاء. وأولويتها حتى الآن وفقًا لما تذكره المصادر، تنصب على حل معضلة موقوفي الرأي، أو الذين أصدروا بيانًا أخيرًا اعتبروا من خلاله أنهم معتقلون. وهؤلاء يشكلون الشريحة الأقل من الموقوفين، ولا يتجاوز عددهم الـ 120 شخصًا، وجزء منهم ضباط منشقون من جيش نظام الأسد الساقط، أو ناشطون أو أعضاء في المجالس العسكرية ممن هربوا إلى لبنان إثر سقوط المناطق المحاذية للحدود اللبنانية وسيطرة حزب الله عليها. بالإضافة إلى بعض المحتجزين في النظارات على خلفية الأحداث الأخيرة التي وقعت في سوريا.
تعتبر الجمعيات الحقوقية هؤلاء الموقوفين ضحايا التنسيق الذي قام ببداية الثورة السورية بين نظام بشار الأسد وجزء من السلطة اللبنانية القادرة على التأثير على السلطات القضائية ولا سيما المحاكم العسكرية. وتتحدث عن اعتقالات عشوائية بحق هؤلاء، وفبركة للملفات، واعترافات انتزعت تحت الضغط. وانطلاقًا من هنا، اعترض الناشطون الحقوقيون في المرحلة الماضية على تسليم أي سجين رأي إلى سوريا من ضمن اتفاقية تبادل السجناء المعقودة بين البلدين، خوفًا من تصفيتهم.
هذا التوجه انقلب مع سقوط نظام بشار الأسد، حيث صار الناشطون الحقوقيون يعتبرون أن عدم تسليمهم يخدم أهداف حلفاء النظام السوري السابق، ويتخوفون من استخدام هؤلاء كورقة ضغط سياسية.
حلول توافقية تتوخى تحقيق العدالة أولًا
على رغم هذه التباينات، تكشف الدينامية المحيطة بالملف، عن تبلور إرادة سياسية مشتركة على المستوى الرسمي للوصول إلى خواتيمه. ويرى الجانب اللبناني فيه مقدمة لاستعادة انتظام الدورات القضائية، وتخفيف الاكتظاظ في السجون اللبنانية، خصوصًا أن الموقوفين السوريين في لبنان يشكلون 30 بالمئة من مجمل عدد السجناء.
إلا أن هذا الأمر يتطلب معالجات قانونية، يصعب التوصل إليها من دون تفاهمات كاملة على بنود اتفاقية قضائية. علمًا أن أي اتفاق يتم التوصل إليه بين اللجنتين، وفقًا لتأكيدات مصدر قضائي مطلع في وزارة العدل، سيكون محصورًا بموضوع الموقوفين السوريين دون سواهم، بما يتضمنه من عقد متنوعة، وأبرزها عقدة المحتجزين غير المحكومين. وبحسب المعلومات لا نيّة لدى الدولة اللبنانية بإسقاط الحق العام أو الخاص عن هؤلاء، وبالتالي من المستبعد تسليمهم قبل إنهاء محاكمتهم على الأراضي اللبنانية أولًا.
لا تعتبر اللجنة اللبنانية أنها معنية في المقابل، بأي حديث يجري عن توجه رئيس الحكومة نواف سلام لإعداد مسودة قانون استثنائي للعفو العام. علمًا أن مثل هذا التوجه أنعش الآمال بأن يشكل طلب الحكومة السورية استرداد مواطنيها الموقوفين في لبنان، بوابة أمل لإدراك أوضاع السجون المأسوية، وتصحيح مسار العدالة لبقية السجناء أيضًا. ومع ذلك، فإن إقرار قانون له في الهيئة العامة لمجلس النواب يبدو مستبعدًا حاليًا، خصوصًا أنه يتطلب توافقًا سياسيًا لا يزال مفقودًا حول هذا الملف منذ بدء طرحه في العام 2011 وحتى اليوم.
صبلوح: العدالة لا تتجزأ... والمطلوب أن تكون انتقالية لا انتقائية
على رغم كل هذه التباينات يرى المحامي محمد صبلوح الناشط الحقوقي في ملف الموقوفين الإسلاميين، أن الأمور تأخذ منحى إيجابيًا. ويعتبر في تصريح لـ نداء الوطن أنه بمجرد تخطي النقاشات الأطر الإعلامية، وعقد لقاءات على مستويات سياسية رفيعة، معناها أن هناك جدية في الوصول إلى حلول.
يتفهم صبلوح إحراج السلطة السياسية الجديدة في سوريا تجاه الموقوفين على خلفية موقفهم المؤيد للثورة. ويقول إن هؤلاء معتقلون على خلفية آرائهم ومواقفهم السياسية. وإذا كان ملفهم يقرن تلقائيًا بملف الموقوفين الإسلاميين، يرى صبلوحأنه إذا كان تسليم المعتقلين السوريين من دولة إلى دولة غير جائز على طريقة التبادل الذي حصل مع هيئة النصرة، فإن ذلك يعني أننا بحاجة إلى تطبيق مبدأ العدالة الانتقالية وليس الـ الانتقائية. شارحًا أن تهمة الجميع على خلفية مناصرة الثورة السورية، سواء أكانوا لبنانيين أم سوريين، مرتكبين فعلًا أو غير مرتكبين، هي مواجهة الجيش والإرهاب، بينما نحن نعرف جيدًا أن هناك أشخاصًا فبركت لهم ملفات، وحوكموا بناء على تحقيقات أجريت معهم تحت الضرب والتعذ
يرى صبلوح أن أي حل لقضية هؤلاء بالمفرق سيكون صعبًا، لا سيما أن بعض الملفات أدين فيها لبنانيون وسوريون، فكيف يمكن أن يعفى عن هؤلاء ولا يعفى عن اللبنانيين. ويعتبر أن أي حل مجتزأ سيتسبب بإرباك داخل السجون، خصوصًا أن 75 بالمئة من السجناء هم لبنانيون، وانتفاضة هؤلاء قد لا تحمد عقباها. ولذلك يقول إننا اليوم بعهد جديد، وطموحنا أن تتم معالجة الأمور بعدالة انتقالية.
يربط صبلوح نجاح المفاوضات بين اللجنتين في المقابل بمسار قانوني داخلي مطلوب، مذكرًا بمشاريع قوانين مقدمة للمجلس النيابي لتخفيض السنة السجنية، وتحديد سنوات المؤبد والإعدام، وترحيل الأجانب، وإخلاء سبيل من احتجزوا لأكثر من خمس سنوات من دون محاكمات. شارحًا أن بعض هذه القوانين تتيح حل كل ملف بملفه، وتعالج كل الملفات سواء أكان المعنيون بها سوريين أم لبنانيين، بدون أي إرباك على الساحة اللبنانية.
لم يفرط صبلوح في المقابل بتفاؤله بانتظار أن تترجم الجهود بإنهاء دراسة مشاريع القوانين او اقتراحاتها. ولكنه اعتبر أن توفر الإرادة السياسية يسهّل صدور أي قانون وبسرعه.
تصحيح لمسار عدالة متأخرة؟
يتوافق رأي صبلوح مع رأي المبادرة اللبنانية للعفو عن السجناء التي أصدرت بيانًا اعتبرت من خلاله أن مقترح القانون الذي قيل إن الرئيس نواف سلام يدرسه والرامي إلى تقليص السنة السجنية استثنائيًا لستة أشهر، وتحديد سقف زمني لحكمي المؤبد والإعدام، وترحيل السجناء السوريين، لا يعتبر تهديدًا للعدالة، بل تصحيحاً لمسارها ورأت المبادرة في الخطوة ما يساعد على تخفيف الاحتقان لدى شرائح لبنانية كثيرة، وجدت أبناءها خلف القضبان نتيجة ظروف سياسية وأمنية واجتماعية معقدة، تداخل فيها السياسي بالقضائي، خاصة بعد امتداد الحريق السوري إلى الساحة اللبنانية في سنوات الصراع الإقليمي الكبير الذي مرت به المنطقة، حيث شهد الميدان تدخلًا من أطراف لبنانية متعددة في الأحداث السورية، وهو ما أفرز كثيرًا من التوقيفات والمحاكمات التي أصبحت تحتاج إلى مراجعة وتصحيح.
كما تطرقت المبادرة إلى ما تضمه السجون اللبنانية من نسبة ضخمة من الموقوفين بلا محاكمات فاعتبرت أن العدالة المتأخرة هي عدالة منقوصة، وأن العدل بلا رحمة شكل من أشكال الظلم ولذلك، اعتبرت أن الحلول المقترحة ضرورة وطنية وإنسانية لا تحتمل التأجيل، خصوصًا مع وفاة بعض السجناء نتيجة الإهمال، وإقدام بعضهم الآخر على الانتحار.
تجاذبات سياسية تعرقل العفو وربما... المفاوضات
ليست المشاريع أو الاقتراحات التي تدفع باتجاهها الجهات الحقوقية، سواء من أجل انتزاع عفو عام أو تخفيض السنة السجنية، جديدة طبعًا. بل هي محاولات تتجدد عند كل أزمة في سجون لبنان. علمًا أن طروحات كل فئة من الطبقة السياسية اللبنانية لقانون العفو تحمل محاولات دائمة لتحقيق المكاسب الانتخابية، تحت ذريعة التخفّف من وطأة اكتظاظ السجون. وهي لا تنجح في ذلك بسبب التباينات الكبيرة بين الأطراف السياسية في تحديد الفئة التي يجب أن تستفيد من مثل هذا العفو. فهل يجب أن يشمل أيضًا إلى الموقوفين الإسلاميين، تجار المخدرات ومروجيها، والمعتدين على الجيش، سواء أكان هؤلاء لبنانيون أم أجانب؟ وانطلاقًا من هنا، يشكل ربط حل معضلة الموقوفين السوريين بالسجون اللبنانية بقانون عفو عام يصدر عن الهيئة التشريعية، عائقًا قد يؤخر الحلول المرجوة لهذا الملف، وخصوصًا إذا ما اخذ هؤلاء رهينة بمقابل تحقيق مطالب السجناء اللبنانيين أسوة بالسوريين.
بحسب رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية ميشال موسى، فإن كل نقاش بمثل هذه القوانين متوقف حاليًا في اللجان النيابية. علمًا أنه كانت هناك سابقًا ستة مشاريع واقتراحات قوانين قدمت ولم يتم التوافق على أي منها بين الأطراف السياسية. وبالتالي، يوضح موسى أن الحل المطروح حتى الآن بالنسبة للموقوفين السوريين مرتبط بالوصول إلى اتفاقية قضائية بين البلدين، تلتزم بتطبيق القانون اللبناني أولًا.
فهل يبقى هذا الملف أسير التجاذبات التي تعيق تقدّمه بالسرعة المطلوبة، أم يشكّل انتقاله إلى طاولة المفاوضات مدخلًا لحلّ يوازن بين مقتضيات العدالة ومتطلبات السيادة؟ قد لا يحمل الاجتماع المقبل الإجابات الحاسمة، لكنه يشي بوجود إرادة سياسية آخذة في التبلور، على أمل أن يمتد الزخم نفسه لكشف مصير اللبنانيين المخفيين في السجون السورية منذ عهد نظام بشار الأسد.