اخبار لبنان

المرده

سياسة

واشنطن تُطفئ الأنوار… إغلاق حكومي قد يعقد مسار الفيدرالي

واشنطن تُطفئ الأنوار… إغلاق حكومي قد يعقد مسار الفيدرالي

klyoum.com

كتب أحمد عزام في "النهار"

انزلقت عقارب الساعة في الكابيتول إلى ما بعد المهلة من دون اتفاق. مكتب الموازنة في البيت الأبيض أصدر الأوامر: تفعيل خطط الإغلاق الحكومي، وإبقاء الخدمات الأساسية فقط. إنها المرة الأولى منذ نحو سبع سنوات التي تتوقف فيها عجلة الحكومة بهذا الاتساع، والثالثة في عهد دونالد ترامب، ما جعل عناوين الأيام المقبلة تُكتب بحبر واحد: لا يقين.

ما الذي يتوقف… وما الذي يبقى؟

القاعدة معروفة في واشنطن: أمن قومي، مراقبة جوية، خدمات طوارئ – تستمر. كل ما عدا ذلك يتباطأ أو يتجمّد. مئات آلاف الموظفين يُدفَعون قسراً إلى منازلهم بلا أجر فوري، ومئات الآلاف آخرون يعملون بلا أجر موقت. تصاريح الأعمال تتراكم، المنح تبحث عن توقيعٍ مؤجل، المتاحف تُقفل، والحدائق الوطنية تنطفئ أضواءها. الشركات التي تعيش على العقود الفيدرالية تعيد حساباتها اليومية: أجور، سيولة، ومواعيد توريد تتزحزح. الإغلاق ليس خبراً إدارياً؛ إنه تعطيل لشبكة واسعة من الخدمات التي تُسند القطاعات الخاصة يومياً، من مختبرات الأبحاث إلى سلاسل التوريد المدنية.

سوق العمل تحت المجهر: بطالة "موقتة" بأثر دائم

التقديرات الأولية تقول إن استمرار الإغلاق ثلاثة أسابيع قد يرفع معدل البطالة إلى 4.6–4.7% من 4.3% في آب/أغسطس، لأن الموظفين المُجازين قسراً يُسجّلون موقتاً "عاطلين من العمل". هذه القراءة قد تكون أشد وقعاً في واشنطن، حيث تتكدس الوظائف الحكومية والمقاولون الفرعيون. وتزداد الهشاشة مع مغادرة نحو 150 ألف موظف فيدرالي الجهاز الإداري مطلع تشرين الأول/أكتوبر عبر برامج خروج مؤجّل، ومع موجات تقاعد مبكر وتسريحات سبقت الإغلاق هذا العام. التأثير "الموقت" في غالب الأحيان يترك ندبة دائمة على قرارات التوظيف والاستثمار للربع التالي، فالقطاع الخاص يتعلم الحذر سريعاً وينسى الثقة ببطء شديد.

الفيدرالي في فترة ظلام البيانات الاقتصادية

أولى ضحايا الإغلاق هي البيانات. تقرير الوظائف من مكتب إحصاءات العمال يتأخر، ومجموعة قراءات أساسية للأسعار والنشاط تتعطل. الاحتياطي الفيدرالي – الذي بدأ دورة تيسير حذرة بخفض ربع نقطة هذا الشهر مع إشارة إلى خفضين إضافيين هذا العام – يُجبر على العمل بضبابية. لا بيانات محدثة عن سوق العمل، ولا مسار تضخم دقيقاً في ظل تعرفةٍ جمركية عابرة للقطاعات. عندها تصبح اللغة أكثر تحفظاً، والإشارات المسبقة أقل وضوحاً. والنتيجة؟ تسعيرٌ أكثر عصبية على المنحنى الطويل، وحيّزُ مناورة أضيق بين تفويض الاستقرار السعري وتفويض الوظائف.

تاريخياًً، تقريرا أسواق العمل والتضخم تأجلا في إغلاق 2013، لكنهما صدرا في إغلاقي 2018 و2019 مع تمويل الكونغرس. الحيرة وعدم اليقين يضيفان طبقة حيرة أخرى للأسواق العالمية.

الأسواق تراقب بحذر وخوف

في الدقائق الأولى بعد إعلان الإغلاق، انعكس نفور شهية المخاطر على الشاشات: عقود الأسهم الأميركية تراجعت، ولحقتها آسيا عند الافتتاح، فيما افتتحت أوروبا على حذرٍ يقترب من اللون الأحمر. الدولار تراجع خطوةً مع اتساع عدم اليقين، لكن عوائد الخزانة انقسمت: قصير الأجل تلقّى طلبًا تحوّطيًا، في حين ارتفع العائد على الآجال الطويلة نقطيًا بفعل مخاوف الإصدارات وتأجيل البيانات—منحنى أكثر انحدارًا، ورسالة أوضح بأن كلفة الوقت ترتفع.

الذهب تشبّث بدوره كملاذ وتقدّم بسرعة نحو مستويات تاريخية جديدة عند 3,895دولار للأونصة، والفضة سجلت أعلى مستوياتها من 14 عام عند 47.50 دولار للأونصة ، فيما خفّت أسعار النفط إلى مستويات 65 دولار لبرميل برنت مع تسعير تباطؤٍ محتمل في الطلب الفيدرالي والإنفاق العام. مؤشر التقلبات اتجه إلى الارتفاع بذريعة الخوف، وهوامش ائتمان الدرجة الاستثمارية وعالية العائد اتسعت عدّة نقاط أساس—كافية لتذكير الجميع بأن السيولة تتقلّص عندما يغيب «المُشتري الأكبر» عن السوق. باختصار: ردّة فعل «مخاطرة إلى خارج» تتزامن مع تسعيرٍ ذكي لاحتمال إغلاقٍ أطول، وسوق سندات يرفع لافتة التحذير قبل غيره، والذهب يمارس دوره التقليدي كملاذ آمن.

صراع السلطة: قانون أم حزمة مشروطة؟

الجمهوريون يقولون إن الحل موجود: تمويل موقت حتى 21 تشرين الثاني/نوفمبر بلا إضافات. مجلس النواب مرّر الصيغة؛ لكن مجلس الشيوخ يحتاج ثمانية ديموقراطيين، والفجوة تضيق ببطء: ثلاثة ديموقراطيين التحقوا بالتصويت الأخير، وما زالت خمسة أصوات تنقص لإغلاق الملف. الديموقراطيون بدورهم طرحوا حزمة ديموقراطية أكبر بزيادة 1.5 تريليون دولار لبرامج صحة وخدمات، وسقطت في المجلس نفسه.

الضغط الشعبي داخل قاعدة الديموقراطيين يطالب بالاستفادة من "نقطة نفوذ نادرة" لانتزاع تنازلات في الرعاية الصحية. والبيت الأبيض يلوّح بخيار أشدّ وقعاً: استخدام الإغلاق غطاءً لتسريحات واسعة تتجاوز إجازات 750 ألف موظف، إن حدثت، يتحول الضغط الموقت إلى أثرٍ هيكلي على مناطق تعتمد الاقتصاد الفيدرالي.

الرهينة: ضرائب التأمين الصحي وميزانيات الأسر

خيطٌ رفيع يربط السياسة بجيوب الناس: ائتمانات أقساط "أوباما كير" تنتهي في 31 كانون الأول/ديسمبر إن لم يتحرك الكونغرس، والتنبيهات تُرسل في وقت قريب. بعض الجمهوريين المعتدلين يلمّح إلى تمديد مشروط مع حدود دخل جديدة، وبعض الديموقراطيين المعتدلين يبدون استعداداً لتمويل موقت إذا دخلت تكلفة الرعاية الصحية إلى طاولة مفاوضات "جدية".

هنا، حجم الوقت أهم من حجم المال: كل أسبوع تأخير يضع ملايين الأسر أمام احتمال قفزة في القسط عند بداية العام، ويضاعف كلفة الحل السياسي لاحقاً. وقد يعاني النمو الاقتصادي مع كل إغلاق أسبوع؛ ينزلق النمو بنسبة 0.1% – 0.2%، ومكمن الخطر هو الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد من تراجعات.

وراء العناوين، هناك آلاف الشركات الصغيرة والمتوسطة تعيش على دفق المدفوعات الفيدرالية. أي تأخير ينسحب على التسهيلات فائدة أعلى وشروطاً أشد صرامة من المصارف. ومع كل أسبوع، ترتفع تكلفة التمويل لمورّدٍ صغير في فرجينيا أو ماريلاند بضع نقاط أساس أخرى، وتُؤجل ترقية موظف في شركة تقنية تخدم مؤسسة اتحادية. هذا هو الاقتصاد الحقيقي حين يغيب "المُشتري الأكبر" عن السوق ولو موقتاً.

ذاكرة 2018–2019: ليس كل ما يضيع يعود

آخر إغلاق طويل دام خمسة أسابيع كلف الناتج نحو 11 مليار دولار وفق تقديرات الكونغرس، استُعيدت منها 8 مليارات فقط بعد إعادة الفتح، ثلاثة مليارات ذهبت بلا عودة. الدرس واضح: الإغلاقات لا تُسقط الاقتصاد، لكنها تُصيب سمعته. والمستثمرون يكرهون السمعة المتقلبة أكثر مما يكرهون الأرقام السيئة. لهذا يصبح سؤال "مدة الإغلاق" أهم من سؤال "سبب الإغلاق".

ماذا ترى الأسواق خلال الإغلاق؟

ترى مسارين متوازيين: الأول، قصير المدى، يحسب أيام التوقف ويضيف علاوة تقلب على الأصول الخطرة، ويحجز مساحة أكبر للذهب والسندات الأقصر. الثاني، أطول مدى، يُسعّر خطراً مؤسسياً: الفيدرالي يتخذ قراراته ببيانات ناقصة، وخزانةٌ تُصدر أكثر لتمويل عجزٍ أعلى، ومنحنىٌ طويل يُطالب بعائدٍ إضافي. لذلك ليس مفاجئاً أن تقفز معدلات الرهن العقاري أحياناً أسرع من عوائد الخزانة مع كل موجة توتر. الائتمان السكني يكره الضباب أكثر مما يحب الخفض التقليدي للفائدة. وقد تبدو الملاذات الآمنة توجهاً حكيماً في ظل عدم اليقين الكامن.

ثلاثة سيناريوات… وثمنٌ مختلف لكل واحد

إذا انتهى الإغلاق خلال أسبوعين، فستُسجّل الأسواق "عثرة تقنية" يعود بعدها معظم النشاط. إذا امتدّ إلى خمسة أسابيع، فتظهر الندوب في الوظائف الموقتة، وتتأخر البيانات، وتُراجع شركات السمسرة أطر الأخطار لديها. أمّا إذا تجاوز ذلك، فندخل منطقة إعادة تسعير أوسع: توقعات نمو أضعف للربع الرابع، شروط تمويل أكثر تشدداً للمقاولين، واحتمال انتقال العدوى إلى ائتمان استهلاكي في بعض الولايات الفيدرالية الطابع.

كيف نخرج؟ وصفة بسيطة… وتنفيذٌ صعب

الخروج معروف تقنياً: قرار تمويل موقت "نظيف" أو تمويل قصير مشروط بخريطة تفاوض واضحة حول الرعاية الصحية. لكن "السياسي" يسبق "التقني": يحتاج كل طرف إلى سردية يبيعها لقاعدته من دون أن يدفع ثمناً انتخابياً بعد أسابيع. لذلك، قد نرى جولات تصويت متتالية في مجلس الشيوخ، واستراحة، ثم استئنافاً بزخم أعلى. خمسة أصوات ديموقراطية إضافية تُنهي الإغلاق… أو تنازلٌ محسوب في آلية دعم الأقساط يفتح الباب لاتفاق سريع.

اقتصاد يُقاس بالثقة لا بالساعات

يمكن لواشنطن أن تُطفئ الأنوار ليلًا وتعيد تشغيلها صباحاً. ما لا تستطيع فعله هو تشغيل الثقة بزرّ واحد. في كل يوم إضافي من الإغلاق، يضيف المستثمر طبقة خوف إلى هامش الحذر، ويضيف ربّ العمل يوماً إلى حاسبة التأجيل. السؤال المفتوح بسيط ومقلق: هل يسبق صوت الحساب السياسي صوت الحساب الاقتصادي؟ أم تتقدم البراغماتية خطوة الآن لتمنع فاتورة أكبر غداً؟ في زمن الإغلاقات، الوقت ليس مالًا فحسب؛ الوقت… رأس مال.

*المصدر: المرده | elmarada.org
اخبار لبنان على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com