خاص الهديل: الرؤساء الثلاثة ومبدأ "وحدة الحكم.."
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
قرض الـ250 مليون دولار بين جابر ووفد البنك الدوليخاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
رغم أن دستور الطائف يتحدث عن أن لبنان يحكم بواسطة مجلس وزرائه مجتمعاً؛ إلا أن التجربة العملية أظهرت بالتوازي وجود عوامل أساسية مساعدة لجعل عملية الحكم في لبنان سلسة إذا جاز التعبير.. ومن هذه العوامل ما يسميه البعض "بوحدة الحكم"، والمقصود بهذا المصطلح عدم تنافر الرؤساء الثلاثة بالحد الأدنى؛ أو انسجام الرؤساء الثلاثة بالحد الأقصى.
هذا المفهوم عن أهمية وحدة الحكم بتأمين إدارة سلسة للبلد، وليس بالضرورة منتجة؛ جربته بشيء من النجاح أحياناً، وبكثير من الفشل غالباً، كل العهود الرئاسية السابقة منذ بدء جمهورية الطائف حتى الآن.
حينما وصل الرئيس اميل لحود إلى قصر بعبدا اعتبر نفسه أنه "رئيس الجمهورية المتقدم بين الرؤساء الثلاثة المتساويين"؛ وبات يدقق بالمصطلحات المستخدمة في الإعلام؛ فيتحفظ – مثلاً – على إيراد الجملة التي تقول "ان الرؤساء الثلاثة حضروا عرض عيد الاستقلال العسكري"، ويفضل بدل ذلك إيراد اسم رئيس الجمهورية منفصلاً كونه المتقدم بين الثلاثة المتساويين"؛ ويطلب إيراد الخبر كالتالي:"ان رئيس الجمهورية ورئيسي النواب والحكومة حضروا العرض العسكري"، الخ..
بطبيعة الحال لم ترق نظرية الرئيس الأول المتقدم بين الرؤساء الثلاثة المتساويين؛ آنذاك لا للرئيس الثاني ولا للرئيس الثالث؛ والأخيران اعتبرا أن الرئيس لحود يخفي من وراء نظريته هذه، نوعاً من الحنين الماروني لفترة جمهورية الـ٤٣ حيث كان فخامة الرئيس هو كل الرؤساء. ولكن لاحقاً تخلى الرئيس لحود عن نظريته ولكن وحدة الحكم بينه وبين الرئاسة الثالثة لم تكن غالباً على ما يرام..
وحينما ترشح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية كان الرئيس الثاني الدائم منذ بدء جمهورية الطائف، عارض تأييد ترشحه؛ رغم وقوف حليفه حزب الله وراء ترشحه. وحينها عدّد بري أسباب معارضته ترشيح ميشال عون؛ وكان من بينها قوله الشهير: أنا لا يمكنني أن أنتخب بنفس الوقت رئيسين للجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل.. فوحدة الحكم "يمشي حالها" بثلاثة رؤوساء وليس بأربعة!!
.. وحينما اضطر الرئيس بري لقبول ترشح ميشال عون قال عبارته الثانية الشهيرة: "انتهى الجهاد الأصغر (ضد ترشيح ميشال عون) والآن بدأ الجهاد الأكبر (ضد عهده)!!
بعد ست سنوات على توليه الرئاسة اعتبر البعض أن جزءا لا بأس فيه من الفشل الذي طال عهد ميشال عون سببه "الجهاد الأكبر" الذي وجهه ضده بري.
والواقع أن مصطلح الجهاد الأكبر يمكن أن يستعمله بنجاح كل على حدا أو معاً، الرئيسان الثاني والثالث المسلمان ضد الرئيس الأول المسيحي. و"الجهاد الأكبر" للتذكير هو مصطلح ديني إسلامي يرد داخل نطاق ما يسمى اصطلاحاً "بفقه الجهاد" الذي يبرر إعلان الحرب المقدسة على الآخر.
ليس خافياً أن الرئيس نبيه خاض لحد ما نوعاً من "الجهاد الأصغر" ضد ترشيح العماد جوزاف عون حيث كان يفضل وصول اللواء الياس البيسري إلى قصر بعبدا؛ ولكن لاحقاً اقتنع بري بترشيح عون وهو يعتبره اليوم كما قال لمحيطين به "نعمة للتعقل" في لبنان..
وبالأساس هناك اقتناع متبادل بين الرئيسين الأول والثاني قوامه أن بري يعتقد أن الشيعة يحتاجون لتفهم رئيس الجمهورية لهواجسهم في هذه المرحلة؛ فيما رئيس الجمهورية يعتقد أن التجربة تؤكد أن بري هو ملح أي عهد، ومن دون الملح تفسد الخميرة.
ويشيع اليوم أنه كنتيجة لتداعيات حدث صخرة الروشة، يشن دولة الرئيس الثالث نوعاً من "الجهاد الأكبر" – والتعبير هنا مجازي – ضد الرئيس الأول؛ فيما الرئيس الثاني يجد نفسه أقرب إلى فخامة الرئيس. وبكل حال فإنه بمثلما كان صحيحاً حينما اعتبر بري أن وحدة الحكم لا "يمشي حالها" بأربعة رؤساء (كان يقصد العم والصهر جبران باسيل)؛ فإنه صحيحاً أيضاً الآن أن وحدة الحكم "لا يمشي حالها برئيسين إثنين"؛ وعليه يظل مطلوباً استرداد رئيس الحكومة إلى داخل معادلة وحدة الحكم التي تقوم على ترويكا الرؤساء الثلاثة المتناغمين بأحسن الأحوال؛ أو غير المختلفين بأضعف الإيمان. ومن دون تأمين وحدة الحكم ستتعثر عملية إدارة البلد؛ وتصبح الدولة أشبه بعربة منقادة من ثلاثة أحصنة؛ وكل واحد من هذه الأحصنة يعدو باتجاه.
والبعض يرى أنه بعد عودة فخامة الرئيس من اجتماعات نيويورك الأممية؛ وبعد عودة نواف سلام من سفره العميق في بحر الروشة؛ وبعد عودة الشيعة ورئيسهم بري من غمار إحياء الذكرى الأولى لاغتيال السيد حسن نصر الله؛ صار يمكن توقع أن يبادر هؤلاء الرؤساء الثلاثة العائدين من معارك مختلفة، إلى الجلوس معاً ليقول كل منهم للآخرين عصارة ما شاهده في تجربته وما سمعه وما استنتجه وبماذا ينصح.
.. وهنا يجب استذكار تقي الدين بك الصلح الذي كان يقول "ان الحكم في لبنان هو التعلم من الإيحابيات التي حدثت والتحسب من السلبيات التي وقعت"؛ وتحت هذا الشعار يمكن للرؤساء الثلاثة أن يجلسوا ويراجعوا مرحلة الفترة القليلة الماضية، ليحددوا معاً أين وقع خطأ وأين حصلت إيجابية، وكيف يمكن لهم مجتمعين وليس فرادى، أن يستنتجوا عِبراً مشتركة تفيد في قيادة البلد انطلاقاً من القناعة بأهمية دور وحدة الحكم في تسيير أمور البلاد والعباد..