هل تهدّد التجاذبات والمماطلة فرصة استكمال السيادة؟
klyoum.com
أكثر ما يخشاه اللبنانيون عامة، وعلى الأقل أكثريتهم الساحقة، هو ضياع الفرصة الاستثنائية بل الفريدة المتاحة أمامهم لاستعادة وطن الحرية والشراكة، وأمام الدولة لاستعادة ذاتها وقرارها السيادي، في ضوء إصرار حزب الله ومن خلفه إيران على التعاطي مع قرار حصر السلاح بيد الدولة بمزيج من التحدي والاستخفاف، وصولًا إلى العودة إلى لغة التخوين والاستعلاء والاستقواء وكأن شيئًا لم يكن، أو كأن محور الممانعة، ما زال يحتفظ بقوته السابقة وجبروته.
وهذا الواقع يزيد منسوب القلق، لأن الحزب لا يتصرف بناء على ثقة مستعادة بنفسه، بقدر ما يتصرف بناء على ما يلمسه من تعاطٍ فاتر ورمادي أحيانًا مع مواقفه وممارساته، بينما تحجم الدولة من خلال مؤسساتها الأمنية، عن التصرف بما ينبغي أن تتصرف به من حزم وتشدد تطبيقًا للقرار وللقانون الذي لا يحتاج إلى تفسير أو تأويل. ولا يقع اللوم على تلك المؤسسات والأجهزة بقدر ما يقع على الحكم والحكومة ورئيسها، لأن السلطة السياسية هي مصدر القرار وهي التي توفّر السقف وتطلق التوجيهات اللازمة للتنفيذ على الأرض.
لكن ما يحصل على صعد عدة إجرائية وسياسية وميدانية، يطرح تساؤلات شتى. إذ يبدو، أن ثمة ثغرة ما بين القرار السياسي والتنفيذ العملي، فضلًا عن وقائع تتعلّق حتى بالمنطقة الواقعة جنوب الليطاني، والتي يفترض أنها باتت نظيفة من السلاح كليًّا أو بشكل شبه كلي، وذلك نتيجة استمرار الغارات الإسرائيلية على نقاط ومواقع معينة، أو من خلال ممارسات تتمترس خلف حجة الأهالي بهدف التعرّض لقوّة اليونيفيل، والتستّر على وجود عسكري معيّن لـالحزب، أو بهدف الاعتداء الصريح على تلك القوة.
وتشير معلومات، إلى أن القوى الأمنية ما زالت تغض النظر عن تحركات مشبوهة ومظاهر مسلحة ونقل أسلحة في مناطق عدة، علمًا أن الأجوبة على التساؤلات في شأن تلك الظواهر، تراوح بين النفي أو غياب الأوامر، أو انتظار شمول تلك المناطق بقرار حصر السلاح عمليًّا، على أن لا شيء يمنع تطبيق قرار وقف النار وقرار حصر السلاح في أي مكان وزمان.
ولعل المشكلة الأكبر تكمن في السياسة، باعتبار أن حزب الله عاد يتجرّأ على سوق لغة، توحي وكأنه غير معني بقرار الحكومة، فيما تلاقيه الجمهورية الإسلامية في إيران عبر بعض مسؤوليها، بالتأكيد على استمرار المقاومة في لبنان. ومن الواضح بحسب أوساط دبلوماسية عربية في بيروت، أن الحزب يراهن على الوقت وعلى تعب عواصم القرار والدول العربية والسلطات اللبنانية، مستندًا إلى مبرر استمرار إسرائيل في احتلال نقاط عدة في المنطقة الحدودية الجنوبية. على أن تلك الأوساط تجزم بأن قرار إنهاء الجناح العسكري لـالحزب متخذ ونهائي، وأنه ستتم مواكبة تطبيقه ولو تأخر أو تعثّر بعض الشيء، مع إجراءات قانونية وعقابية تصاعدية، فضلًا عن تشجيع كل ما يمكن أن يحد من نفوذ حزب الله في لبنان، من خلال الوسائل الشرعية والديمقراطية أيضًا. وقد تكون هذه الوسائل أشدّ وقعًا، ولو أن مفاعيلها ليست فورية، لكنها أكيدة مع تقدّم الوقت.
في أي حال، وفي ما خص الشقّ المتعلّق بالسلطة اللبنانية، فإن قياديًّا سياديًّا بارزًا يقول في مجالسه، إنّ الرهان الأساسي كان على هيبة الدولة، لا سيما مع انتخاب العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية. وقد تعزز هذا الرهان مع تشكيل حكومة الرئيس نواف سلام، لكن الخوف هو من تآكل هذه الهيبة وصولًا إلى الاستهتار بمفاعيلها من قبل حزب الله. ويضيف: على سبيل المثال، ماذا يمكن لفلان أن يحقق إذا امتلك عشرة آلاف مقاتل وافتقد الهيبة والسطوة، بينما يمكن حتى لمن يملك الهيبة ولا يملك سلاحًا، بل يتمنطق بقوة الحق أن يفرض هيبته على خصومه.
ويلفت إلى أنه لا يشك لحظة بصدق نوايا رئيس الجمهورية ورغبته في تنفيذ قرار حصر السلاح بالقوى الشرعية، لكن يبدو أن ثمة خشية ما، من انزلاق الأمر إلى مواجهات على الأرض أو إلى فتنة معينة، علمًا أن ذلك غير وارد طالما أن السلطة حزمت أمرها ولا ترد على الاعتراضات والتحفظات، أما إذا استمر الأداء على هذا المنوال، فإننا سنواجه نكسة وخيبة كبيرتين.
ويرى أنه لو كان موقف الدولة حاسمًا منذ اللحظة الأولى، في ظل فورة التأييد لموقفها السيادي، لكنّا اليوم قطعنا شوطًا في مسيرة تنفيذ قرار حصر السلاح، ولكنّا اليوم في حالة ثقة وارتياح، تستتبع المزيد من التأييد الداخلي والخارجي، مع ما يعنيه ذلك من المباشرة في توفير مساعدات على صعد مختلفة.