لبنان بحاجة إلى خليَّة «إدارة أزمة»
klyoum.com
كتب صلاح سلام في "اللواء"
أظهرت التطورات الأخيرة في الموقف الرسمي اللبناني أن الدولة تفتقد إلى خلية متماسكة لإدارة الأزمة الراهنة مع الاحتلال الإسرائيلي، في ظلّ تباين المواقف داخل الحكم حيال مسألة التفاوض غير المباشر، وغياب أي رؤية موحدة تحدد إطار التحرك السياسي والدبلوماسي والعسكري. فبينما يسعى بعض الجهات إلى اختبار فرص الحوار الهادئ، تبدو مؤسسات أخرى مترددة أو عاجزة عن اتخاذ قرار واضح، ما يكرّس حالة الشلل التي تهيمن على مواقع القرار الوطني.
وجاء سقوط مبادرة رئيس الجمهورية "التفاوض في زمن التسويات"، بعد أيام قليلة من إطلاقها، لتؤكد عمق الأزمة البنيوية في آلية اتخاذ القرار الرسمي، ولتُظهر أن الموقف اللبناني لا يزال يتحرك في فراغ مؤسساتي لا يُنتج سياسة موحدة أو موقفاً وطنياً جامعاً. وزاد المشهد وضوحاً موقف الرئيس نبيه بري الذي تمسّك بآلية التفاوض المعتمدة عبر الأمم المتحدة "الميكانيزم"، رافضاً أي قنوات موازية أو مبادرات فردية خارج الأطر الرسمية، وهو ما يعكس الحاجة الملحَّة إلى "إدارة أزمة" وطنية محترفة، قادرة على تنسيق المواقف، وتوحيد الخطاب الرسمي أمام المجتمع الدولي.
لقد آن الأوان لأن يُجري لبنان مراجعة شاملة لموقفه التفاوضي والسياسي، لا بهدف التراجع أو التنازل، بل بغية استعادة زمام المبادرة الوطنية. فاستمرار الوضع الحالي من الانقسام والارتباك لا يخدم سوى إسرائيل، التي تواصل اعتداءاتها اليومية وغاراتها الجوية على الجنوب اللبناني، من دون أي ردّ فعلي سياسي أو دبلوماسي مؤثر من الدولة. إنّ إيقاف هذه الاعتداءات يتطلب استراتيجية لبنانية أكثر حيوية، تجمع بين الدبلوماسية النشطة والدعم العربي والدولي، وبين العمل الجاد على تطبيق القرار 1701 بكامل مندرجاته، بما فيها الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة، وإطلاق الأسرى، وصولاً إلى ترسيم الحدود وحصر قرار الحرب والسلم بالدولة اللبنانية.
من غير المقبول أن يبقى التعامل اللبناني مع هذه الأزمة الكبرى محصوراً في مستوى السفراء والاتصالات الشكلية، فيما إسرائيل تمارس على الأرض سياسة فرض الأمر الواقع. المطلوب فريق وطني لإدارة "الأزمة"، يستعين بخبرات لبنانية وعربية في التفاوض، ويكون قادراً على التواصل مباشرة مع الإدارة الأميركية في واشنطن، بهدف تحريك المسار السياسي وإعادة التوازن إلى ساحة القرار الدولي بشأن لبنان.
إنّ إستراتيجية الانتظار لم تعد مجدية، والرهان على الوقت لن يغيّر الوقائع. فلبنان، المهدَّد في سيادته واقتصاده واستقراره، بحاجة إلى أن يُثبت أن لديه دولة قادرة على التصرّف كدولة صاحبة قرار وطني واحد، لا كمجموعة أصوات متنافرة. والمطلوب اليوم موقف موحد، وإرادة سياسية تضع المصلحة الوطنية فوق الحسابات الفئوية، وتعيد للدولة هيبتها ودورها في حماية لبنان من الخارج والداخل معاً.