الجيش يضرب حصون الكبتاغون
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
مصدر لـ النشرة : كلام قاسم يترجم التقارب الإيراني - السعودي البناءلم تعد المواجهة مع تجار الكبتاغون في لبنان معركة جزئية أو موقتة، بل تحوّلت إلى حرب مفتوحة تقودها القوى الأمنية وعلى رأسها الجيش اللبناني وشعبة المعلومات، هدفها تفكيك آخر حصون هذه التجارة السوداء واقتلاع جذورها من الداخل. فبعد سنوات من تمدّد معامل الكبتاغون عبر الحدود اللبنانية السورية، بات واضحًا أن الدولة قررت حسم الملف، حمايةً لمجتمعها أولًا وصونًا لعلاقاتها مع الدول العربية ثانيًا.
منذ ما قبل سقوط النظام السوري، كانت الحدود مسرحًا لنشاط واسع لشبكات لبنانية سورية منظّمة، أدارت تصنيع الكبتاغون وتهريبه نحو مصر والأردن، وصولًا إلى أسواق أوسع في العالم العربي. يومها، لم يكن خط التهريب مجرّد ممر ثانوي، بل شبكة محكمة التنظيم تضم خبراء تصنيع وتجارًا ومسارات شحن عبر البر والبحر. ومع سقوط النظام في دمشق، أُعيد نقل عدد من تلك المعامل إلى الداخل اللبناني حيث استغلّت الطبيعة الجغرافية الوعرة لبعض المناطق البقاعية، لتعود عمليات التصنيع بوتيرة أكبر.
يعود أصل هذه التجارة إلى بداية الأزمة السورية، وانتقلت إلى لبنان مع السوري محمد رشق الملقب بـأبو العباس، والذي كان مُصدّرًا أساسيًّا لدول الخليج، حيث كانت بضاعته معروفة بجودتها وموسومة بكلمة العباس. وكان يدير شبكات منظمة ومطلوبًا للأنتربول، وبعد أن تعلم منه عدد من التجار آلية التصنيع واستقدام المواد الأولية التي كانت تتم عبر شخصيات ومعامل غير مشكوك بها، أوقفته القوى الأمنية في عملية نوعية عام 2016، ليسقط حينها الحجر الأول في مدماك هذه التجارة.
غير أن النتائج الكارثية لهذه الصناعة، لم تقتصر على الداخل اللبناني. فقد تسبب انتشار الكبتاغون في أزمات دبلوماسية حادة مع عدد من الدول العربية، وصلت حدّ قطع العلاقات وتجميد التبادل التجاري. وهو ما شكّل إنذارًا خطيرًا للسلطات اللبنانية.
في السنوات الأخيرة، ومع بدء محاولات إعادة انفتاح دمشق على محيطها العربي وخروجها تدريجيًّا من العباءة الإيرانية، برز شرط أساسي من دول الخليج، أبرزها السعودية، تمثّل بوقف تهريب المخدرات إلى الدول الخليجية والعربية. عندها، تكثّفت الحملات المشتركة على الحدود حيث تم تفكيك معامل ومصادرة شحنات، قبل أن ينتقل الثقل مجددًا إلى الداخل اللبناني.
خلال الأشهر الثلاثة الماضية، تمكنت القوى الأمنية من توجيه سلسلة ضربات قاسية لمعامل الكبتاغون. ففي منطقة اليمونة، جرت مداهمة أحد أضخم المعامل بعد عملية تعقب دامت أكثر من شهرين، انتهت أيضًا بإحباط محاولة تهريب أكثر من ستة أطنان إلى الخارج. هذه العملية شكلت نقطة تحوّل، إذ كشفت بوضوح حجم الإنتاج وارتباطه بشبكات منظمة تدير عمليات النقل والتوزيع. كما أكدت أن الحرب على الكبتاغون تتطلب جهدًا استخباريًّا طويل النفس لا يقتصر على المداهمات السريعة.
ولم تقتصر المواجهة على المصانع، بل شملت ملاحقة التجار ورؤوس العصابات. ففي الأسابيع القليلة الماضية، نفّذت القوى الأمنية حملات متتالية في البقاع ومحيطه، أسفرت عن توقيفات نوعية، وأعطت إشارة واضحة بأن لا غطاء سياسيًّا ولا مناطق محظورة بعد اليوم. وقد ترافق ذلك مع إحباط عمليات تهريب عبر الحدود والمرافئ، مما ساعد على كشف شبكات التمويل والدعم اللوجستي.
مصدر أمني أكّد لـ نداء الوطن أنّ الجيش والقوى الأمنية مصممان على إنهاء هذه الظاهرة بشكل نهائي، مشددًا على أن لا تهاون بعد اليوم مع هذه البؤر المسمومة التي تهدد المجتمع اللبناني وتفسد علاقاته مع الخارج. وما نراه من مداهمات للمصانع والتجار هو ثمرة جهود استخباراتية، وتأتي ربطًا بالكشف عن الكميات الكبيرة المعدّة للتصدير، وهي ليست من مصدر واحد، بل من عدة مصادر وتجار ومعامل، وعليه تزيد القوى الأمنية والجيش من عملياتها ومداهماتها في البقاع.
ومع تكثيف العمليات وارتفاع وتيرتها، تبرز ملامح مرحلة جديدة قد تضع حدًّا نهائيًّا لهذه التجارة التي راكمت الأزمات والعداوات، وفتحت أبوابًا سوداء على الداخل والخارج. فالكبتاغون لم يكن يومًا تجارة عابرة، بل مشروع تهديد أمني واقتصادي واجتماعي. والجيش اللبناني والقوى الأمنية، يسابقان الوقت اليوم لإغلاق هذا الملف، واضعين نصب أعينهما هدفًا واحدًا: أن لا يبقى في لبنان حصن واحد لهذه الصناعة المسمومة.