اخبار لبنان

المرده

سياسة

زاهر الخطيب أم زاهد الخطيب؟

زاهر الخطيب أم زاهد الخطيب؟

klyoum.com

كتب ناصر قنديل في "البناء"

– رحيل زاهر الخطيب ليس حدثاً فكلنا راحلون، والرجل عاش حياته الزاخرة بالعطاء والنضال والمواقف، ولم يكن أصلاً من المتعلقين بها ومغرياتها وطالما تمنى أن يرحل شهيداً مقاوماً دفاعاً عن لبنان وفلسطين. رحيل زاهر الخطيب الصديق والرفيق الذي شكل رمزاً لموقف سوف يعجز أعداؤه وأعداء لبنان وفلسطين عن محوه من سجل الشرف، يوم وقف مع زميله وصديقه النائب نجاح واكيم وحيدين في مجلس النواب اللبناني، وهو يتلو ببطء متعمّد وعناية شديدة وصوت جهوري صادح جملته الأخيرة في خطابه ليقول، باسم الشعب اللبناني والمقاومين أرفض اتفاق الذل والإذعان والعار، خلال التصويت على تفويض المجلس النيابي للحكومة إبرام اتفاق 17 أيار المشؤوم.

– رحل زاهر الخطيب وليس لديه حساب مصرفيّ، ولا في جيبه قرش واحد، رحل كما يرحل القدّيسون، فكان زاهد الخطيب، وهو الذي تحكي حياته سيرة زهده بالمكاسب والمناصب، ولا حاجة لذكر المرّات التي عُرضت عليه فيها إغراءات المناصب والمكاسب إن هو خفف لهجة هنا أو بدّل موقفاً هناك أو أحجم عن موقف هنالك، لكن زاهد الخطيب كان ينتمي لعالم آخر، لا تثير فيه هذه العروض سوى الغثيان، فهو ابن المفكر القومي والدستوري أنور الخطيب، وشقيق الشهيد القائد ظافر الخطيب، وقد عاهد الشهيد ورفاقه يوم قبل تولي الأمانة العامة لرابطة الشغيلة أن يكون القدوة والمثال في التقيّد بالقيم الأخلاقية السامية التي صاغها وسار عليها الأنبياء والأولياء والقدّيسون والقادة، الذين كان يذكر منهم دائماً مثالاً، علاقة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والقائد الأممي تشي غيفارا بالثروة والمال، ورحل زاهر وهو مخلص للعهد، ليكون زاهد الخطيب.

– في أوائل سبعينيات القرن الماضي تفتحت عيون جيل كامل، أنا منه، على تظاهرات شعبيّة وطلابيّة وعماليّة، كانت تمثل أيام الزمن الجميل للنهضة الثقافية والثورية الشبابية، وكان الشباب يبحثون عن التظاهرة التي يخطب فيها زاهر الخطيب ليلتحقوا بصفوفها، وكان الخطيب خطيب الشباب المفوّه، وكانت كلماته وأبيات الشعر التي يقتبسها من شعراء المقاومة الفلسطينية ويردّدها على مسامع الشباب تلهب حماستهم، وتزرع في نفوسهم ثقافة المقاومة، وغالباً ما كان يختتم كلماته تلك بعبارات الشعر الفلسطيني الراحل سميح القاسم، يا عدوّ الشمس لن أساوم، وإلى آخر نبض في عروقي سأقاوم، وكم كان زاهر الخطيب مخلصاً لهذه العبارات، وقد حوّلها إلى ميثاق حياة.

– يوم التصويت على اتفاق 17 أيار توجّه زاهر الخطيب إلى مبنى قصر منصور في منطقة المتحف، حيث كان مقراً مؤقتاً لمجلس النواب، وصعد ثلاث درجات ثم استدار نحو كاميرات الصحافيين، وفتح عن صدره مخاطباً مدير عام الأمن العام آنذاك، الذي كان قد أرسل له أحد كبار الموظفين ناصحاً بعدم الذهاب إلى الجلسة حرصاً على عدم تعريض نفسه للخطر، وصرخ زاهر الخطيب قائلاً ها أنا كما وعدتك هنا وهذا صدري، هاتوا رصاصتكم، وبعد ثوانٍ استدار ودخل قاعة المجلس التي تلا خلالها خطابه الشهير مفنّداً بنود الاتفاق وكل مفهوم التفاوض، نصّ شديد البلاغة مليء بالشواهد والأدلة والتحليل العميق للأحداث، كلمة نحتاجها اليوم كمثل حاجتنا لها بالأمس.

– يوم إعلان استشهاد سيد المقاومة سماحة السيد حسن نصرالله تلقيت اتصالاً من الحبيب زاهر، وكنا نعزي بعضنا والدموع تحترق في الحناجر وفي تهدّج الصوت، لكن زاهر الخطيب كان واثقاً قبل أن تبدأ معركة الحافة الأماميّة أن أولي البأس سوف يسطرون ملحمة بطوليّة يكتب عنها تاريخ حروب البر، وأن جيش الاحتلال الذي أصاب المقاومة بخسائر لا تقوى دول وجيوش على تحمّل مثلها لن ينجح بإلحاق الهزيمة بالمقاومة، وأن معركة البرّ سوف تكون معركة الوفاء لسيد المقاومة، مكرراً إيمانه بما كان يردّده في خطاباته، كيف أن دم الشهيد ينزل ساحة المعركة ويقاتل، وكلما كان الشهيد قائداً صار فصيلاً وسرية وكتيبة ولواء وفرقة، مضيفاً أن فرقاً مقاتلة سوف تتشكل من دم السيد وتقاتل، وكان ما قال.

– سيرة زاهر الخطيب هي سيرة رجل عظيم من بلادي، مدعاة فخر واعتزاز لوطنه وبلدته وأسرته وبناته وأحبّته وأصدقائه ورفاق دربه، وهو الذي أضاف إلى حياة كل منهم معاني كثيرة وقيماً كبيرة، كان الحب والوفاء والنقاء والزهد والعطاء في مقدّمتها، ويرحل زاهر الخطيب وكلنا راحلون، لكنه يرحل كطيف ضوء جميل ونسيم صبح عليل يلفح وجوهنا، فلا نذكره إلا وابتسامة وديعة ترتسم على ثغورنا نلقي عليه السلام، ونحن نقول “يا خير الرجال الله معك”.

*المصدر: المرده | elmarada.org
اخبار لبنان على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com