خاص الهديل: هل تنسحب أميركا حقاً من شرق سوريا أم أنها تعيد رسم خريطة النفوذ؟
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
شقير: دور ريادي للسعودية وما يحصل حدث تاريخي ومفصليخاص الهديل…
قهرمان مصطفى
رغم إعلان دونالد ترامب مراراً خلال ولايته الأولى (2017–2021) عن عزمه سحب القوات الأميركية من سوريا، إلا أن الواقع كان أكثر تعقيداً مما يبدو في خطاباته؛ فالظروف الميدانية والتحولات الإقليمية كانت تفرض على واشنطن التريث، بل وإعادة صياغة استراتيجيتها في سوريا بشكل مختلف.
وعلى الرغم من أن عدد القوات الأميركية في الشرق السوري بقي محدوداً، إلا أن رمزية وجودها كانت أكبر بكثير من حجمها العددي، نظراً للدور الذي تلعبه في هندسة التوازنات الإقليمية.
وعليه، فإن قرار ترامب بإعادة توزيع القوات الأميركية آنذاك، كان مدفوعاً برغبة في حماية المصالح الاستراتيجية دون الوقوع في فخ الانسحاب الكامل. فجزء من هذه القوات نُقل إلى العراق مؤقتاً، وآخر إلى الحدود الأردنية، فيما بقي الجزء الثالث لحماية منشآت النفط.. وزير الدفاع آنذاك، مارك إسبر، أكد أن هذا الانتشار يهدف إلى منع تنظيم داعش وأي قوة معادية أخرى من استغلال الفراغ، دون أن يقدم إطاراً زمنياً واضحاً لهذا التواجد.
وبالتالي، لم يكن التموضع العسكري الأميركي في سوريا مجرد خطوة تكتيكية، بل جزءاً من تصور جيوسياسي شامل يهدف إلى تثبيت النفوذ الأميركي في ما يُعرف بـ"مثلث السيطرة" بين العراق وسوريا والأردن؛ فهذه النقاط الجغرافية الحساسة منحت الولايات المتحدة موطئ قدم في قلب التفاعلات الإقليمية، حيث تتقاطع مصالح خصومها وحلفائها معاً.
ويمكن القول، إن إدارة بايدن لم تكن بعيدة عن هذا النهج، بل إنها، بشكل أو بآخر، عززت الوجود الأميركي هناك. ومع بداية العام 2024، كان عدد القوات الأميركية قد بلغ نحو 2000 عنصر موزعين على 28 موقعاً، رغم كل الحديث عن الانسحاب لكن ومع عودة ترامب إلى المشهد السياسي، عاد الحديث مجدداً عن خطة انسحاب تدريجي وضعتها وزارة الدفاع الأميركية، تستغرق ما بين 60 و90 يوماً، وتزامنت مع خطوات دمج "قسد" في الهياكل الرسمية للدولة السورية.
ونستنتج، أن المعضلة ليست فقط في "الانسحاب" بل في ما سيعقبه؛ فالتقديرات تشير إلى احتمال بقاء القوات الأميركية في مواقع استراتيجية محددة مثل قاعدة التنف قرب الأردن، في محاولة للحفاظ على نقطة ارتكاز إقليمية تمنع القوى الأخرى من السيطرة على هذا الحيز الجغرافي بالغ الأهمية؛ ففراغ كهذا قد تستغله تركيا أو روسيا أو حتى إيران، ما يهدد بإعادة خلط الأوراق في الشرق السوري.
وفي هذا السياق، تتحرك فرنسا بثقة لاقتناص الفرص التي قد تنتج عن الانسحاب الأميركي. كونها شريكاً في التحالف الدولي، فهي تسعى إلى توسيع حضورها عبر أدوات اقتصادية واستثمارية؛ فالاتفاق الذي وقعته شركة "CMA CGM" الفرنسية لتطوير واستثمار مرفأ اللاذقية لمدة 30 عاماً هو مثال واضح على ذلك. كما تُبدي باريس اهتماماً كبيراً بمرفأ طرطوس، في ظل تراجع النفوذ الروسي النسبي في بعض مفاصل الاقتصاد السوري.
وبالنتيجة، لا يمكن فصل التحركات الأميركية والفرنسية عن الصراع الأوسع على مستقبل سوريا وموقعها في ميزان القوى الإقليمي والدولي. فالميدان لا يعرف فراغاً، وأي خطوة انسحابية ستقابلها خطوات تموضع بديلة، سواء من خصوم الولايات المتحدة أو من حلفائها الطامحين للعب أدوار أكبر في حقبة ما بعد الحرب السورية.