الإعلام والهوية اللبنانية في الشتات: كيف تتواصل الجالية اللبنانية إعلامياً؟
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
لا إصابات بغارات سهل بواديكتبت الدكتورة فيولا مخزوم مقالا تحت عنوان “الإعلام والهوية اللبنانية في الشتات: كيف تتواصل الجالية اللبنانية إعلامياً؟”، تساءلت فيه عن "كيف يتواصل الإعلام اللبناني مع هذه الجاليات؟ وهل ينجح في الحفاظ على الهوية الثقافية والانتماء الوطني لدى اللبنانيين في الشتات، لا سيّما عبر الأجيال المتعاقبة؟"، وجاء في المقال:
يتميّز لبنان بجالية واسعة ومنتشرة حول العالم، تُقدّر بالملايين، وتعود أصولها إلى موجات الهجرة المتتالية منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى اليوم. هذه الجالية لا تمثّل فقط امتدادًا ديموغرافيًا أو اقتصاديًا للوطن، بل تشكّل جزءًا لا يتجزأ من هويته الوطنية الجامعة. في ظل هذه الحقيقة، يبرز السؤال الجوهري: كيف يتواصل الإعلام اللبناني مع هذه الجاليات؟ وهل ينجح في الحفاظ على الهوية الثقافية والانتماء الوطني لدى اللبنانيين في الشتات، لا سيّما عبر الأجيال المتعاقبة؟
في العقود الماضية، لعبت وسائل الإعلام اللبنانية دورًا بارزًا في ربط المغتربين بوطنهم الأم، من خلال الإذاعات والتلفزيونات والصحف التي كانت تصل إلى قارات العالم المختلفة. إلا أن هذا الدور شهد تحولات كبرى مع دخول الإعلام الرقمي وتغيّر عادات الجمهور. اليوم، باتت الوسائل الإعلامية اللبنانية في منافسة شرسة مع إعلام عالمي ومحلي في بلاد الاغتراب، مما يُصعّب عليها عملية الحفاظ على ارتباط اللبنانيين في الخارج بلغتهم وهويتهم وانتمائهم الثقافي.
إنّ وسائل الإعلام التي تستهدف الجاليات اللبنانية تتنوع ما بين محطات فضائية تبث من لبنان إلى الخارج، مثل "تلفزيون لبنان" و"المؤسسة اللبنانية للإرسال" وبعض المنصات الخاصة، بالإضافة إلى المواقع الإخبارية اللبنانية التي تتيح محتواها للجمهور أينما وجد. كما ظهرت مبادرات إعلامية لبنانية من داخل الجاليات نفسها، خاصة في الدول التي تضم أعدادًا كبيرة من اللبنانيين، كالبرازيل، أستراليا، كندا، والولايات المتحدة. بعض هذه المبادرات يأخذ طابعًا محليًا صرفًا، بينما يحاول بعضها الآخر الحفاظ على جسر تواصل دائم مع الثقافة اللبنانية، من خلال نشر الأخبار، والموسيقى، والمناسبات الدينية والوطنية.
ومع ذلك، لا تزال فعالية هذه الوسائل محدودة نسبيًا. إذ يُظهر الواقع أن الجيل الأول من المهاجرين هو الأكثر ارتباطًا بالإعلام اللبناني، في حين تنخفض نسبة التفاعل مع تقدّم الأجيال، خاصة لدى الشباب الذين وُلدوا في الخارج، ويتحدثون لغات غير العربية كلغة أولى. هنا تكمن التحديات الأساسية: كيف يمكن لمحتوى إعلامي لبناني أن يلامس اهتمامات شاب لبناني الأصل في مونتريال أو سيدني أو داكار، نشأ في بيئة ثقافية مختلفة كليًا؟
كما يواجه الإعلام اللبناني الموجَّه للشتات تحديات تقنية ومادية، تتعلق بعدم استدامة التمويل، وضعف الاستراتيجية الاتصالية، وغياب الدراسات التي ترصد حاجات المغتربين الإعلامية بشكل علمي. بالإضافة إلى ذلك، يغيب التنسيق الرسمي بين وزارة الإعلام اللبنانية والمؤسسات الإعلامية الخاصة، حول صياغة سياسة وطنية إعلامية موجهة للجاليات، تُعزّز الهوية الوطنية وتحميها من التلاشي في زحمة الانتماءات الجديدة.
إلا أنّ هناك نماذج مشرقة يمكن البناء عليها. على سبيل المثال، شهدت بعض المنصات الرقمية اللبنانية تطوّرًا في طريقة تناولها لمواضيع الهجرة والهوية، من خلال إنتاج محتوى بلغات مزدوجة (عربية وإنجليزية أو فرنسية)، أو تسليط الضوء على قصص نجاح لبنانية في الخارج، ما يعيد رسم صورة إيجابية للبنان في وعي المغترب. كما ظهرت برامج إذاعية وتلفزيونية تستضيف أفرادًا من الجاليات، ما يُشعرهم بوجودهم الرمزي والمباشر داخل النقاش اللبناني العام.
وعليه، إنّ الحلّ لا يكمن فقط في زيادة عدد المنصات أو تنويع محتواها، بل في بناء استراتيجية إعلامية وطنية، تُراعي التعدد اللغوي والثقافي ضمن الجاليات، وتوظّف التكنولوجيا الحديثة (كالبث الحيّ، والبودكاست، ومنصات التواصل الاجتماعي) للوصول إلى شرائح جديدة من اللبنانيين حول العالم. كما يُستحسن دعم المبادرات الإعلامية التي تنطلق من داخل الجاليات نفسها، وتشجيع الشراكات بينها وبين مؤسسات إعلامية في لبنان.
في نهاية المطاف، يبقى الإعلام اللبناني أحد أهم الجسور التي تربط لبنان بجالياته. ولكن من أجل أن يكون هذا الجسر فعّالًا ومتجددًا، لا بد من إعادة النظر في محتوى الخطاب الإعلامي، في لغته، في أدواته، وفي مدى استجابته للتحولات الثقافية والاجتماعية لدى اللبنانيين في الشتات. فالحفاظ على الهوية لا يتم فقط عبر التذكير بالماضي، بل عبر خلق محتوى يتفاعل مع الحاضر ويُبقي شعلة الانتماء متقدة في قلب كل مغترب، مهما ابتعد جغرافيًا.