اخبار لبنان

اندبندنت عربية

سياسة

هل ضاعت حقيقة الانهيار المالي في لبنان؟

هل ضاعت حقيقة الانهيار المالي في لبنان؟

klyoum.com

إخلاء سبيل رياض سلامة وتساؤلات عن كيفية تأمين مبلغ 14 مليون دولار للكفالة في وقت يعجز المودع عن التصرف بوديعته

بعد مرور 13 شهراً على توقيفه، خرج الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة من مركز توقيفه لقاء كفالة مالية بلغت نحو 14 مليون دولار أميركي، وهو أكبر مبلغ يدفع في تاريخ القضاء اللبناني مقابل إخلاء سبيل موقوف.

وقد أحاط الفريق القانوني إجراءات الخروج بسرية كاملة، وتحت جنح الظلام انتقل سلامة من مستشفى بحنس (شمال العاصمة بيروت) حيث كان يوجد في الأشهر الأخيرة، إلى مكان إقامته.

وبعد خروجه، انبرى وكيله القانوني المحامي مارك حبقة إلى مهمة الكشف عن ملامح قرار إخلاء السبيل، موضحاً أن إطلاق سراح سلامة جاء بموجب قرار الهيئة الاتهامية في بيروت، بعدما قام وكلاؤه بإيداع الكفالة، وأن مدعي عام التمييز القاضي جمال الحجار قام بإجراء قانوني عبر التحقق من مصدر الأموال. وقال حبقة "خروج الحاكم (السابق) صفحة جديدة في محاكمة كانت تحيطها التلفيقات والاتهامات التي لا أساس لها من الصحة... سنقوم بملاحقة كل شخص يتعرض لسرية التحقيق وكل من يؤثر في القضاء عبر الشعبوية"، متمنياً "أن تتم محاكمة سلامة وفق القانون".

 

في الثالث من سبتمبر (أيلول) 2024 أوقف القضاء اللبناني الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة (75 سنة)، الرجل الذي "كان ينظر إليه بوصفه أسطورة مالية لثلاثة عقود من الزمن"، إذ ادعى عليه النائب العام المالي السابق (في حينه) علي إبراهيم بمجموعة جرائم من بينها اختلاس أموال، وتحويل أموال من مصرف لبنان إلى حسابات مصرفية خاصة.

وبعد نحو شهرين صدرت مذكرة توقيف وجاهية ثانية في حق سلامة عن قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان الرئيس نقولا منصور، في شأن تأجير شقق مملوكة من قبله وعائلته في باريس لمصرف لبنان بأضعاف قيمتها الحقيقية.

وفيما شكل إطلاق سراحه قبل ساعات صدمة لشريحة واسعة من الشعب اللبناني، لا بد من الإشارة إلى استفادة الفريق القانوني للحاكم السابق رياض سلامة من نص المادة 108 من قانون أصول المحاكمات المدنية، التي تمنع توقيف أحد من دون محاكمة في الجناية فترة تتجاوز ستة أشهر، التي يمكن أن تجدد لمرة واحدة فقط بقرار معلل، أي إنه وضع عاماً سقفاً ضمنياً للتوقيف من دون محاكمة، إلا في بعض القضايا الخطرة كالإرهاب وجنايات القتل والمخدرات والاعتداء على أمن الدولة، والجنايات ذات الخطر الشامل، وحال الموقوف المحكوم عليه سابقاً بعقوبة جنائية.

جاء القرار ليعيد النقاش حول سياسات رياض سلامة إلى الفضاء العمومي في لبنان، وحفلت مواقع الاجتماعي بالتساؤلات حول آلية تأمين مبلغ 14 مليون دولار أميركي، والأسباب التي حالت دون قيام القضاء بمحاكمته على رغم مرور عام على توقيفه، أو التلميح إلى وجود خطة لتأخير المحاكمة إلى حين مرور الفترة القانونية للتوقيف قبل إخلاء سبيل المشتبه فيه، ومن ثم الالتفاف على محاولات كشف حقيقة الصندوق الأسود لمصرف لبنان.

كذلك فإن القرار كان موضع استغراب لدى بعض ممثلي الأمة اللبنانية، إذ اعتبر النائب ياسين ياسين أن هذا القرار "يبعث رسالة سلبية وفي الاتجاه الخطأ إلى الداخل والخارج حول إمكان تحقيق العدالة في لبنان"، مشيراً إلى أنه "كانت هناك خريطة طريق للخروج من الأزمة تبدأ بالمحاسبة، والتدقيق الجنائي، وتحديد الفجوة المالية، ولكن تفاجأنا بإطلاق سراح أحد أكبر الشركاء في الانهيار المالي في لبنان"، وتابع "هناك تخوف من أن يندرج إطلاق سراح رياض سلامة ضمن مخطط لتضييع حقيقة جريمة حرمان اللبنانيين من ودائعهم وسط وضع المسؤولين رؤوسهم في الرمال، التي ترتقي إلى مرتبة الاغتيالات الكبرى المرتكبة في لبنان واحتلال العدو أراضي البلاد". 

يرى ياسين أن مسيرة التعافي تعتمد على فرض الحكومة سيادتها على كل أراضيها من جهة، وحل الملف المالي والمصرفي من خلال المحاسبة من جهة أخرى، كاشفاً عن "مطالبة مسؤولين في صندوق النقد الدولي بـ35 تعديلاً على قانون الإصلاح المصرفي الذي أقر أخيراً في مجلس النواب".

يأسف ياسين لاستمرار المسؤولين والقوى السياسية بتقاذف المسؤوليات بين الحكومة والبرلمان، عازياً ذلك إلى غياب الرؤية والخوف من الخسارة السياسية في حال الالتزام بخريطة الطريق للتعافي التي كان يقر بها صندوق النقد الدولي. ويشدد "سياسة عفا الله عما مضى لا تبني بلداً، ولا تقيم نظام المسؤولية، ولن تعيد الودائع المشروعة التي يمكن لوزارة المال أن تكتشفها بعد رفع السرية المصرفية"، متسائلاً عن استمرار سياسة الهرب إلى الأمام وعدم كشف مصير الهندسات المالية، وضياع 25 مليار دولار أميركي بسبب سياسات الدعم الخاطئة، وتهريب الأموال إلى الخارج.

أحيط قرار إخلاء سبيل رياض سلامة بسجال حول المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، انطلاقاً من الخلاف حول "توصيف الجريمة التي يشتبه في ارتكابها من قبل الحاكم السابق"، إذ وضعها البعض ضمن خانة الجرائم الخطرة التي تمس استقرار الدولة والمجتمع. في الموازاة، يقر الحقوقيون بحق المحامين في اللجوء إلى أي وسيلة يتيحها القانون لمنح موكلهم العوامل المخففة والاستفادة من "قرينة البراءة".

ويعتقد المحامي كريم ضاهر أن "المسؤولية تقع على عاتق القضاء الذي تأخر طوال عام من زمن، ولم يقم بالمحاكمة العادلة على رغم وجود شبهة قوية حول تورط سلامة في ملف شركة "أوبتيموم" التي من خلالها تم تحويل الأموال من مصرف لبنان إلى حساباته الخاصة وتبييض الأموال والتهرب الضريبي، وكذلك في ملف شركة ’فوري‘، وملف تأجيره مصرف لبنان لمكاتب يمتلكها باسم ابنته، علماً أنه لا يمكن استمرار التوقيف من دون محاكمة إلى الأبد".

يتحدث ضاهر عن "المماطلة وتأخر في عمل القضاء اللبناني، لأنه لو صدر قرار في الملف، وبدأت المحاكمة، لم يمكن ليستفيد من الإمكانات والوسائل المتاحة لإخلاء السبيل، وهذا هو مكمن اللوم للقضاء اليوم"، مشدداً "نحن أمام تقصير، وكان لا بد من إجراءات أكثر سرعة، لأن القضاء الأجنبي بدأ بالتحقيق في ملف سلامة في 2021، وكان يفترض بالجانب اللبناني مواكبة تلك الخطوات، والعمل لاستعادة الأموال المختلسة وحجز ممتلكاته". وينوه "هناك من ينظر إلى منعه من السفر عاماً كاملاً بوصفه إجراء لحماية سلامة من المثول أمام القضاء والفرنسي والأجنبي، إذ يتذرع بإجراء كهذا لعدم السفر، وهناك مخاوف من حصول تسوية وإعطائه أحكاماً مخففة للهرب من المسؤولية".

يجزم كريم ضاهر "الانتقام ليس هدفاً من ملاحقة رياض سلامة، وإنما هناك مطلب محق بتحميل المسؤولية عن إضاعة الودائع ومدخرات المواطنين والمودعين وقتل أحلام ومستقبل شعب بأكمله"، و"تهريب المسؤول عن الانهيار المالي المصنف ضمن أسوأ الأزمات المالية طوال قرنين، سيفتح الباب أمام أي مسؤول آخر أو حاكم مقبل للقيام بأفعال مماثلة، ومن ثم الاستفادة من أسباب مخففة والتهرب من المسؤولية بفعل عدم قيام القضاء بواجباته"، مطالباً مجلس القضاء الأعلى بـ"تنشيط القضاء" وربما تغيير القضاة المكلفين بالنظر في الجرائم المتصلة بالانهيار المالي لمنح رسالة صادقة نحو العدالة وإعطاء الثقة للمستثمرين والمتضررين من الانهيار. ورداً على سؤال حول "كيف يمكن لموظف عمومي دفع كفالة بقيمة 14 مليون دولار أميركي؟"، يجيب ضاهر "يتذرع سلامة بأنه كان ميسوراً مادياً قبل توليه منصب حاكم مصرف لبنان، إذ صرح بامتلاكه 23 مليون دولار عند التصريح عن ذمته المالية في مستهل عمله، وقد قام بتشغيلها"، منوهاً "ليس المهم النقاش حول الذمة المالية، وإنما لا بد من الإشارة إلى ضرورة حجز أمواله بحكم ملاحقته بجرائم تبييض الأموال والتعدي على المال العام، إذ يوجب القانون إلزامه بغرامة ضعف الجريمة الملاحق فيها التي تم تبييضها، إلى حين إعادة الأموال التي لا يستحقها، ولا بد من التحقق من مصدر الأموال والاستعلام حول المستفيد الاقتصادي وكيفية تأمين مبلغ 14 مليون دولار".

كما لاقى قرار إطلاق السراح انتقادات في أوساط المودعين، ويتساءل المحامي حنا بيطار ممثل اتحاد المودعين، "هل يجوز أن يخرج المجرم إلى الحرية فيما ضحاياه في السجون؟"، مشيراً إلى أن "سجن رياض سلامة لا يعدو كونه فلكلوراً إعلامياً، كان الهدف منه إسكات الناس، وإيهامهم بأن الدولة تقوم بواجباتها".

يلفت بيطار إلى أن "قيمة الدعوى التي يلاحق بموجبها رياض سلامة هي 34 مليار دولار، فيما هناك أضعاف تلك المبالغ لم يفتح فيها ملف قضائي، أو أقفل الملف فيها"، مضيفاً "لقد عبث سلامة بأكثر من 193 مليار دولار بدعم من السلطة السياسية الفاسدة، وأعطى مبلغ 8 مليارات دولار إلى المصارف تحت مسمى الهندسات المالية، وتم تهريب عشرات المليارات برضاه إلى المصارف الأوروبية والخارج، والدعم المزيف، والهيركات على أموال المودعين خلافاً للقانون، وكلها قضايا لم يلاحق أو يحاكم عليها سلامة أو المصارف".

*المصدر: اندبندنت عربية | independentarabia.com
اخبار لبنان على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com