خطاب "الروشة"!
klyoum.com
كتبت ثريا عاصي في "الديار":
من نافلة القول ان الآراء والمواقف كانت معروفة مسبّقاً، حيث جاءت كالعادة متناقضة ومتضاربة. لعل أبلغ دلالة على ذلك ما نضحت به بيانات الجهات الرسمية في موضوع طلب الترخيص لمراسم ذكرى سنوية لموقعة فاصلة في الحرب الدائرة على لبنان منذ الثامن من تشرين أول 2023، امتدادا إلى حرب الإبادة التي أعلنها "الإسرائيليون" باسم الدول الغربية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، تحت شعار "إسرائيل الكبرى".
من البديهي أننا لن نتوقف في الراهن عند موجبات الانخراط في هذه الحرب التضامنية والدفاعية في آن، وما سبقها من سياسات على المستوى القطري والإقليمي، فهذا لم يحن وقته بعد لأن الحرب لم تضع أوزارها، فما يهمنا الآن حقيقة، هو "خطاب الروشة" ومحاولة سَبر مواقف الجماعات اللبنانية "المتنوعة" إزاءه.
بالعودة إلى "الفرمانات" الحكومية، إن اللافت للانتباه هو أن ترخيص مراسم الذكرى تضمن عددا من الشروط، منها على سبيل المثال تحديد عدد المشاركين في التجمع ومنع العروض الضوئية، بالإضافة إلى تفويض الجيش إلى جانب قوى الأمن الداخلي بتطبيقها، حيث يبدو واضحاً أن الترخيص "خفض" مجال إحياء الذكرى إلى أدنى درجة ممكنة، وأن الحكومة متضايقة أو محرجة بالمناسبة، وبالتالي أرادت التضييق على المنظمين، بحيث تظهر الاحتفالية كما لو أنها "محلية" أو شبيهة "بمباراة كرة قدم". وبكلام أكثر صراحة ووضوحاً، إن "الفرمانات" تعكس على الأرجح، أكثر من اعتراض الذين اصدروها على تكريم شهداء الحرب ضد العدو .
مهما يكن، ففي ظاهر الأمر لم تبدل هذه "الفرمانات" شيئاً على أرض الواقع، حيث يبدو أن أحياء الذكرى جرى بحسب البرنامج المرسوم، وبالتالي كان بإمكان الحكومة ألا تصدرها وألا تعلن جهاراً نهاراً، عداءها للجماهير الشعبية التي شاركت فيها وتحمست لها بشكل من الأشكال. لكن في أغلب الظن أنها كانت تعرف مسبقاً بطلان تصرفها في نظر هذه الجماهير، وبالتالي أرادت أن تعلن موقفها الرسمي الحكومي، المنسجم مع ما تتطلع إليه جماعات لبنانية أخرى، عبرت عن اعتراضها على إقامة تكريم الذكرى في "مكان عام" كما زعمت، لا سيما أن مدونات الحروب اللبنانية تثبت أن "الأمكنة العامة" جميعاً في كل المناطق، وقعت في قبضة "قوى الأمر الواقع" دون استثناء، علماً أن بعض هذه القوى، تعاونت مع العدو، إلى حد التنسيق معه وتسهيل احتلال بلادنا، و "تطبيع" العلاقات الرسمية بين دولتنا ودولة الاحتلال.
مجمل القول إن الحكومة العتيدة عازمة في أغلب الظن، على مجافاة فريق من اللبنانيين لا يقبل التطبيع مع العدو، على عكس فريق تسترضيه. لذا يحق التساؤل عن السياسة التي تنتهجها فعلياً، وعمن يتعامى عنها من ناحية، وعمن صار يجهر بتأييدها علانية من ناحية ثانية، لكن الخطاب الضوئي يشير الى عدم الاستسلام وإحياء الذكرى!