اخبار لبنان

المرده

سياسة

ما بعد الحرب على إيران: أميركا «تهندس» ترتيباً إقليمياً… من بوابة غزّة

ما بعد الحرب على إيران: أميركا «تهندس» ترتيباً إقليمياً… من بوابة غزّة

klyoum.com

كتب يحيى دبوق في "الأخبار"

يمكن اعتبار تصاعُد الضغوط الأميركية على إسرائيل لإنهاء الحرب في قطاع غزة، من أبرز مؤشرات التحوّل في مقاربة الولايات المتحدة للصراع، خصوصاً في مرحلة ما بعد المواجهة المشتركة، الإسرائيلية – الأميركية، ضدّ إيران. فواشنطن، التي كانت لا تزال، حتى وقت قريب، تدعم تلك الحرب، باتت تمارس ضغوطاً مكثّفة على تل أبيب لإيجاد مخرج عسكري – سياسي لها. أمّا الهدف النهائي، وفق ما يتبدّى، فهو وضع أساس لتسوية شاملة، قد تكون صفقة الأسرى مدخلها الأول والرئيسيّ.

وترى الإدارة الأميركية أن المنطقة دخلت مرحلة مؤاتية يمكن وضع ترتيبات إقليمية جديدة بناءً عليها، عنوانها تعزيز الشراكات الأمنية والسياسية بين إسرائيل ودول الخليج، وفي مقدّمها السعودية. وفي ما لو تحقّقت هذه الشراكات، فلن تكون مجرّد خطوة في مسار التطبيع الدبلوماسي، بل ركيزة أساسية لمنظومة أمنية – سياسية إقليمية جديدة، تخدم المصالح الأميركية الطويلة الأمد، وتمنع الخصوم الإقليميين (إيران) من توسيع نفوذهم أو تحقيق مكاسب استراتيجية، وتغلق المنطقة أمام الخصوم الدوليين (الصين وروسيا).

لكنّ السؤال المركزي، هو ما إذا كانت تلك الضغوط ترقى فعلاً إلى مستوى التأثير الحقيقي على صاحب القرار الإسرائيلي، بما من شأنه أن يدفع تل أبيب نحو وقف الحرب، أم أنها تظلّ في إطار التمنّيات والاستراتيجيات الكلامية، من دون أن تتحوّل إلى آليات ضغط حقيقية؟ وفي الأصل، هل تمتلك الولايات المتحدة مصلحة استراتيجية واضحة ومحدّدة في إنهاء الحرب الآن، تكفي لدفعها إلى تصعيد مستوى الضغط؟

سُجّلت، في الأيام الماضية، مواقف وتطوّرات تكشف عن طبيعة الاتجاه الجديد في السياسة الخارجية الأميركية؛ لعلّ أبرزها تلك الصادرة عن الرئيس دونالد ترامب، والتي تعكس، بما تضمّنته من «غزل» واضح برئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، تبلور رؤية أميركية جديدة حول شخص الأخير، والدور الذي يُفترض أن يلعبه في المرحلة المقبلة. وفيما لم يَعُد ترامب يكتفي بالضغط لإنهاء الحرب في قطاع غزة فقط، فإنه يربط هذا الهدف بمجموعة أوسع من الحسابات، تبدأ من الانتصار العسكري على إيران، كما قال لزوم الترويج لأطروحته، وتمرّ عبر تكريم نتنياهو كزعيم حرب، وصولاً إلى الدعوة الصريحة إلى إلغاء محاكمته تماماً.

وفي سلسلة تصريحات متلاحقة، اعتبر ترامب، نتنياهو، «رجل الانتصارات» الذي قدّم لإسرائيل أكثر ممّا قدّمه أي زعيم إسرائيلي آخر، وأن «دوره كان محوريّاً في تحقيق اختراقات كبيرة في مجال الأمن الإسرائيلي، وكذلك الأمن الإقليمي، خصوصاً في ملف إيران النووي». كما اعتبر أن استمرار المحاكمة السياسية ضدّه، امتداد لـ«مطاردة سياسية»، لا تخدم استقرار إسرائيل وأمنها، فضلاً عن كونها تضرّ بالشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. وهكذا، يَظهر مدى اهتمام ترامب بتحسين مقدّمات الترتيب الإقليمي الذي يسعى إليه، عبر تقليص ما يحول دونه، حتى في ما يرتبط بتعقيدات الداخل الإسرائيلي.

هل تمتلك الولايات المتحدة مصلحة إستراتيجية حقيقية، لإنهاء الحرب على قطاع غزة؟

كذلك، أشار ترامب إلى أن الحرب في قطاع غزة على وشك الانتهاء، من دون أن يحدّد طبيعة الحلّ أو شكله، لكنه أعرب عن تفاؤله بأن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح. وتتقاطع هذه الإشارات مع تقارير إعلامية وتسريبات في تل أبيب وواشنطن، تؤكّد أن الأخيرة تعمل على بلورة صفقة شاملة تشمل تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، مع التركيز على مبدأ بات متوافقاً عليه لدى الجانبين: الخيار العسكري استنفد نفسه، والوقت حان للانتقال إلى المسار والحلّ السياسيَّيْن.

وإذا كانت تقديرات الجيش الإسرائيلي لم تَعُد ذات تأثير كبير في قرار تل أبيب، إلّا أن شأنها يبقى معتدّاً به على طاولة القرار، خصوصاً إذا ما أريد أن تسند الاندفاعة الأميركية وتُحسّن فرصها. ومن هنا، بدأ الجيش يرسل إشارات واضحة بأن المهمّة العسكرية في غزة أوشكت على الانتهاء، بل إن رئيس الأركان، إيال زامير، قال علناً إن «الجيش على بعد أيام فقط من إعلان إتمام أهداف عملية مركبات جدعون».

وبالعودة إلى مقاربات ترامب العلنية، يبدو أن الأخير يعتقد بأن مواصلة محاكمة نتنياهو ليست مجرّد مسألة داخلية إسرائيلية، بل أصبحت وسيلة ضغط يمارسها خصومه وحلفاؤه عليه، سواء في اتّجاه كسْر صورته، وربّما أيضاً إدانته وإنهاء حياته السياسية، أو دفعه في المقابل، وهنا المفارقة، إلى التمسّك بالمعادلات الحالية وبشركائه في الائتلاف كي لا يفلت من قبضتهم. ويعني ذلك من منظور ترامب أن إنهاء المحاكمة يمثّل مدخلاً رئيسياً لإنهاء المنازعة الشخصية والضغوط على شخص نتنياهو، من خصومه وشركائه على حدّ سواء.

ويبدو أن ترامب قد استقرّ على اعتبار نتنياهو الشخصية الإسرائيلية الأكثر ملاءمة لمواكبة المرحلة المقبلة. فالإدارة تدرك أن تغيير الحكومة في إسرائيل، أو المخاطرة بمجيء رئيس حكومة آخر غير نتنياهو، قد يؤدّيان إلى تعقيدات وعراقيل، ستكون فرصة هذا الأخير في صدّها أعلى من ما يتوافر لأيّ شخصية إسرائيلية أخرى، ما يعني أن الدعم الأميركي لـ«بيبي» ليس دعماً شخصيّاً أو سياسيّاً فقط، بل استراتيجي أيضاً يهدف إلى ضمان استمرارية المشروع الأميركي في المنطقة، وإعطائه فرصة أكبر لتنفيذه كاملاً.

في خضمّ ذلك، تستمر إسرائيل في قتل الفلسطينيين في قطاع غزة يوميّاً، مواصِلةً رفض إبرام تسوية شاملة تنهي الحرب، بينما تبقى الولايات المتحدة بعيدة عن استخدام أدوات ضغط حقيقية، وهو ما يتيح للمراوحة أن تبقى على حالها.

ربّما تكون زيارة وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي، رون دريمر – أحد أقرب المقرّبين إلى نتنياهو -، إلى واشنطن، والتي تبدأ اليوم، مؤشراً مهمّاً إلى طبيعة الخطوات المقبلة، إذ إن هذه الزيارة، في هذا التوقيت، لا تبدو روتينية بين حليفَين، بل هي أقرب إلى استدعاء أميركي مباشر للبعث برسائل واضحة حول ما يجب أن يحدث لاحقاً، خصوصاً في ما يتعلّق بملفّ الحرب في غزة.

*المصدر: المرده | elmarada.org
اخبار لبنان على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com