الفوضى الدوائية: من التهريب والتزوير إلى غياب التسعيرة... فهل يبدأ الحلّ بالرقابة وتفعيل الوكالة الوطنية؟
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
البيت الأبيض: ترامب سيتحدث عن قبول حماس خطته في شأن غزةنوال أبو حيدر
يواجه القطاع الصحي في لبنان واحدة من أكثر أزماته تعقيدا وخطورة، حيث لم يعد الحديث مقتصرا على النقص في الأدوية أو صعوبة تأمينها، بل تعدّاه إلى مشكلات بنيوية تهدّد سلامة العلاج وحقوق المواطن معا. ففي الوقت الذي ما زالت فيه البلاد تكافح تفشّي الأدوية المهرّبة والمزوّرة، والتي تتسلّل إلى السوق عبر قنوات غير شرعية وتشكّل خطرا مباشرا على صحة المواطنين، برزت في الآونة الأخيرة أزمة موازية لا تقلّ خطورة، تتعلق بغياب الأسعار المطبوعة والواضحة على عبوات الأدوية في عدد متزايد من الصيدليات.
وبين الدواء المزوّر والدواء غير المُسعّر، تُفقد الثقة بين المريض والدولة من جهة، وبين المواطن والصيدلية من جهة أخرى، وتتراجع الشفافية في سوق الدواء. إلّا أنّ المسؤولية تقع في الحالتين على الجهات الرسمية، التي يجب أن تتحمّل مسؤولياتها عبر فرض طباعة الأسعار بوضوح على كل علبة دواء شرعي، ومكافحة غير الشرعي بشراسة أكبر للحفاظ على صحة المواطن وعلى ما في جيبه.
دعوة لإعادة طباعة التسعيرة الرسمية
من هذا المنطلق، يؤكد نقيب الصيادلة في لبنان، الدكتور جو سلوم، لـ «اللواء» أن «التسعيرة التي يلتزم بها الصيدلي هي التسعيرة الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة العامة، والتي يتم تحديثها دوريا وفق المؤشر المعتمد من الوزارة، لافتاً إلى أنه في الفترات التي سبقت عدم استقرار سعر صرف الدولار، كانت الشركات والمصانع والمستوردون يطبعون تسعيرة الدواء الرسمية مباشرة على العبوة، إلى جانب «الكود» واسم الوكيل أو المصنع، ما كان يسهّل على الصيدلي التحقق من السعر المعتمد. إلّا أن هذه الآلية توقفت لاحقا بقرار مشترك بين نقابة مستوردي الأدوية ووزارة الصحة، نتيجة التقلّبات الحادّة في سعر الصرف، التي جعلت من الصعب تثبيت سعر موحّد مطبوع على العبوة».
ويتابع: «اليوم، ومع بداية ظهور نوع من الاستقرار النسبي في السوق، اعتبر سلوم أن الوقت قد حان للعودة إلى طباعة التسعيرة الرسمية على علب الأدوية، إلى جانب «الكود» واسم المستورد، لما في ذلك من فوائد أبرزها تقليل الأخطاء في التسعير، سواء أكانت مقصودة أم غير مقصودة، وتوفير الحماية للمريض عبر ضمان شفافية الأسعار، فضلا عن تسهيل عمل الصيدلي الذي يضطر حاليا إلى إعادة تسعير الأدوية يدويا عند كل تحديث للمؤشر، لأن هذه الخطوة تعزز الثقة بين المواطن والصيدلي، وتوفّر مرجعية واضحة لجميع الجهات الرقابية، ما يجعلها ضرورة تنظيمية وصحية في آنٍ واحد».
من المسؤول عن غياب التسعيرة؟
وفي سياق متصل، يشدّد سلوم، على أن «الصيدلي لا يتحمّل المسؤولية القانونية أو العملية عن غياب التسعيرة الواضحة على عبوات الأدوية، مؤكداً أن هذه المسألة تقع ضمن مسؤوليات الجهة المورّدة، سواء المصنع أو الوكيل أو المستورد، إضافة إلى وزارة الصحة. فالظروف التي كانت تُستخدم سابقا كمبرّر لعدم طباعة الأسعار، والمتمثلة في تقلبات سعر الصرف، لم تعد قائمة اليوم مع عودة نوع من الاستقرار النسبي، وبالتالي لم يعد هناك عذر يمنع إعادة طباعة التسعيرة الرسمية على العلبة».
ويضيف: «القرار الذي صدر سابقا بتوقيف هذا الإجراء يجب إعادة النظر فيه، لأن طباعة السعر إلى جانب «الكود» واسم المستورد تشكّل ضمانة واضحة لحقوق المريض، وتوفّر حماية عملية وقانونية للصيدلي. إذ ان نقابة الصيادلة تواصل القيام بجولات تفتيشية دورية على الصيدليات للتأكد من الالتزام بالتسعيرة الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة، بالتعاون والتنسيق الكامل مع الوزارة التي تقوم بدورها أيضا، في إطار مسؤولية مشتركة لحماية القطاع الصحي وضمان العدالة في تسعير الأدوية».
الدواء المزوّر تحت الرقابة
وأمام كل تلك المعطيات، تناول سلوم ملف الأدوية المهرّبة والمزوّرة، حيث يؤكد على «وجود تنسيق مستمر وكامل بين نقابة الصيادلة من جهة، والأجهزة القضائية والأمنية ووزارة الصحة من جهة أخرى، لمواجهة هذه الآفة». ويكشف أن «الدواء المدعوم كان في السابق يُهرّب إلى خارج لبنان مقابل دخول أدوية مهرّبة ومزوّرة إلى السوق اللبناني، ما شكّل خطرا مباشرا على صحة المواطنين، إلى جانب بعض المستوصفات والصيدليات غير الشرعية ما زالت حتى اليوم تمارس بيع هذه الأدوية بشكل غير قانوني».
عليه، يوضح سلوم أن «النقابة لعبت دورا محوريا في هذا الملف من خلال إطلاق حملات توعية كبرى مثل حملة «ملتزمون» وحملة «مش كل دوا دوا»، وكانت الجهة الوحيدة التي واجهت بوضوح ظاهرة الدواء المهرّب. ولم ينكر وجود صراع سابق بين النقابة ووزارة الصحة السابقة، على خلفية غضّ النظر عن دخول أدوية مهرّبة وأخرى متدنية الجودة إلى لبنان»، مؤكدا أن «النقابة كانت ولا تزال رأس حربة في الدفاع عن جودة وسلامة الدواء في السوق اللبناني».
تنسيق فعّال... لكن المنصات خارج السيطرة
من جهة أخرى، يعتبر سلوم أنه «على الرغم من التنسيق الوثيق القائم بين نقابة الصيادلة ووزارة الصحة والأجهزة الأمنية والقضائية، لا تزال ظاهرة بيع الأدوية المهرّبة والمزوّرة قائمة في بعض الصيدليات، فضلا عن عدد من المستوصفات غير الشرعية، وحتى عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تحوّلت إلى منصات علنية لترويج أدوية ومتممات غذائية بطرق غير قانونية».
وفي هذا الإطار، يتابع: «تبرز الحاجة المُلحّة إلى التركيز على هذه الجبهة الأخيرة أي ضبط بيع وتوزيع الأدوية عبر وسائل التواصل والمنصات غير المرخّصة لما لها من تأثير مباشر على صحة المواطن وعلى الانتظام العام في سوق الدواء. فبدون مواجهة حاسمة لهذا النوع من التهريب غير التقليدي، تبقى الإجراءات الأخرى منقوصة».
الوكالة الوطنية.. مفتاح الأمن الدوائي؟
أمام كل تلك الأجواء، يشرح سلوم أن «استعادة ثقة المواطن بحقّه في الحصول على دواء شرعي وآمن وبسعر شفاف تمرّ أولا عبر تفعيل دور الوكالة الوطنية للدواء، التي صدرت مراسيمها التطبيقية مؤخرا بعد أن بقيت مجمّدة لأكثر من أربع سنوات في أدراج مجلس الوزراء. وتُعوَّل على هذه الوكالة لتكون المرجعية العلمية والإدارية الأولى في تنظيم القطاع الدوائي في لبنان، سواء من خلال تسجيل الأدوية الجديدة، أو عبر اعتماد سياسة دوائية وطنية مستدامة، تحفظ حق المواطن وتضبط السوق».
والأهم، بحسب نقيب الصيادلة، أن «تبدأ الوكالة فور مباشرتها العمل بمراجعة شاملة لكل الأدوية التي تم إدخالها إلى لبنان خلال السنوات الماضية، والتأكّد من مطابقتها للمعايير الدولية من حيث النوعية والفعالية والجودة، إلى جانب اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق الصيدليات والمستوصفات غير الشرعية، وإغلاق جميع القنوات التي تبيع الدواء خارج الإطار الرسمي، بما فيها صفحات ومواقع التواصل التي باتت مصدراً للفوضى الدوائية، ما سيُعيد الثقة بين المواطن والدولة من جهة، وبين المواطن والصيدلي من جهة أخرى، ويعيد الاعتبار لمفهوم الأمن الدوائي كجزء لا يتجزأ من الأمن الصحي والاجتماعي في لبنان».