بين الوعود والحقيقة على الأرض: بلديات في مهب الفشل
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
تدابير سير في بيروت لمدة 3 أيامكتب عيسى يحيى في “نداء الوطن”:
مع انتهاء الانتخابات البلدية في بعلبك الهرمل، اكتشف المواطنون حجم الفجوة بين الوعود الانتخابية والواقع على الأرض. فقد رافقت هذه الاستحقاقات معارك سياسية محتدمة، أثارت التوتر والتشنج، وأعطت انطباعًا لدى الناس أن الإنجازات الإنمائية ستكون على مستوى تلك الحماسة، وأن معركة الانتخابات كانت بمثابة صراع حياة أو موت على الخدمات والمشاريع البلدية.
ظن الناس أن الأداء البلدي بعد الفوز سيكون مختلفًا، وخصوصًا بعد المعايير التي اعتمدت في انتقاء الأعضاء، وأن هناك عملًا حقيقيًا على مشاريع إنمائية تخدمهم يوميًا، كما اعتقدوا أن الأموال الضخمة التي صرفت على الحملات الانتخابية كان يمكن توظيفها لتنفيذ مشاريع حقيقية تحقق فائدة ملموسة للمدن والقرى، بدل أن تذهب للضغط السياسي والتسويق الإعلامي. هذا الشعور بالخيبة يبدو واضحًا للناس الذين بدأوا يرفعون الصوت بوجه الأداء البلدي، وينتقدون العجز الذي تعانيه البلديات، وغياب أي عمل جدي ينعكس على المواطن، ويستهزئون بالاجتماعات التي لا تثمر ولا تغني، فالواقع يفاجئهم أكثر بفجوة بين الطموح والإنجاز.
الحقيقة التي اكتشفها الناس بعد الانتخابات كانت صادمة. لم تتمكن البلديات من تنفيذ المشاريع البسيطة، ولا من معالجة المشكلات الأساسية التي تؤرق المواطنين يوميًا، من كنس النفايات، إلى تحرير الأرصفة في الأسواق والشوارع من جشع التجار الذين يفترشونها، إلى تنظيم السير ومعالجة المخالفات المرورية، وما بينها حل مشكلة الكلاب الشاردة التي تنتشر في الطرقات. العجز البلدي سواء في الإمكانيات أو التخطيط، كشف عن ضعف كبير في الأداء، وهو ما جعل الفرق شاسعًا بين الشعارات والواقع الأكثر وضوحًا.
ولأن الانتخابات البلدية كانت سياسية بامتياز، ولم تراع أي برامج إنمائية فعلية يمكن تنفيذها بعد الفوز بالمقاعد، فإن الخطأ الأكبر كان في التركيز على الصراع السياسي لشد عصب الجمهور، أكثر من التركيز على المشاريع الحقيقية التي يحتاجها المواطن، وهذا ما أدى إلى صدمة بعد الانتخابات، إذ اكتشف الناس أن ما ظنوه انتصارًا للنمو والتنمية كان مجرد حشد سياسي لا أكثر.
«حزب الله» الذي خاض معارك بلدية قوية في بعلبك الهرمل، كان أبرز اللاعبين في هذا المشهد، ومع ذلك لم يتجاوز أداء البلديات التي فاز بها توقعات الناس. النتيجة كانت انعكاسًا مباشرًا على المزاج الشعبي، وفتح الباب أمام قلق من تأثير هذا الفشل على الاستحقاقات المقبلة، سواء على مستوى الانتخابات النيابية أو على المستوى المحلي. فالخسائر السياسية مهما كانت جزئية، قد تتراكم وتنعكس على صورة «الحزب» أو القوى السياسية في ذهن المواطن، خاصة إذا ترافقت مع إخفاق ملموس في الخدمات اليومية.
ومن جانب آخر، كشف الفشل البلدي عن ضعف البنية الإدارية للبلديات، والتي لا تزال تخضع لمرجعية سياسية وأشخاص يملون على المجلس ورئيسه التحركات والمشاريع وصولًا إلى بنود الاجتماع، ما يحرم المجلس المنتخب من الاستقلالية في اتخاذ القرارات، أو البحث عن مصدر تمويل يعيد للبلدية نشاطها وحيويتها، بعد أن جفت منابع التمويل الحزبي لأسباب خارجة عن الإرادة بفعل ما حصل على مرّ عام. ولأن القدرة على الإدارة، والتخطيط المسبق، واستثمار الموارد بشكل صحيح هي العناصر التي تحدد نجاح أي مجلس بلدي، لن تستطيع معظم البلديات النهوض طالما هي أسيرة التراكمات والضغوط السياسية، ما ينعكس سلبًا على المواطن وعلى ثقة الناس بالمؤسسات المحلية.
أثبتت التجربة الأخيرة، أن المعارك السياسية وحدها لا تصنع تنمية، وأن وعود الحملات الانتخابية يجب أن تكون مدعومة بخطط عمل واضحة وإمكانيات تنفيذية فعلية. وعليه تواجه بعلبك الهرمل اليوم تحديًا مزدوجًا: الحاجة إلى استعادة الثقة الشعبية، وإعادة ترتيب الأولويات لتكون البلديات قادرة على معالجة مشاكل المواطنين وتحقيق التنمية المطلوبة، قبل أن تتحول الانكسارات السياسية إلى خسائر حقيقية في الاستحقاقات المقبلة.