سنة كانت كافية لاحتواء الاندفاعة الإسرائيلية
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
ترحيب دولي بخطة ترامب للسلام في غزةكتب ناصر قنديل في "البناء":
السنة التي مضت على الأيام العشرة التي غيرت صورة وموقع ودور وحجم حزب الله في لبنان والإقليم والتي امتدّت من 17 إلى 27 أيلول، انطلاقاً من عملية تفجير البيجر، وقد توّجتها عملية اغتيال الأمين العام السابق لحزب الله السيد حسن نصرالله، هي فرصة مزدوجة لرؤية ومعرفة حقيقة السيناريو الإقليمي الذي بناه أصحاب القرار بما شهدته هذه الأيام العشرة، وما هي الأدوار الأميركية والإسرائيلية في هذا السيناريو، من جهة، ومن جهة مقابلة ما الذي انتهى إليه هذا السيناريو وحدود نجاحاته في لبنان والإقليم.
تظهر روزنامة السنة سلسلة من المتغيّرات الكبرى والحروب الكبرى التي بُنيت في جزء منها على سيناريو افتراضي لمرحلة ما بعد الأيام العشرة، أو كما سُمّيت مرحلة ما بعد نصرالله، حيث يفترض لمثل هذه الحزمة القاتلة التي استهدفت حزب الله وقيادته وبنيته وقدراته أن تشطبه عن الخريطة العسكرية كرأس حربة وقيمة مضافة في محور المقاومة، لتشكل حركة دومينو يتهاوى معها سائر أطراف المحور، كما تحدّث بنيامين نتنياهو مباشرة، متوقعاً انهيار سورية والعراق واليمن وإيران وغزة أيضاً، وهذا هو المفهوم الذي تحدث من خلاله نتنياهو عن تغيير الشرق الأوسط لصالح الهيمنة الإسرائيلية على أمنه، وعن توصيفه لنصرالله باعتباره محور المحور، وبغيابه سوف يسقط المحور، ولكونه ملهم حزب الله ومصدر قوته المعنوية، ويُفترض بغيابه أن يسقط حزب الله.
من المفيد أن ننتبه إلى أن تسلسل الأحداث الكبرى في المنطقة ما بعد الأيام العشرة لم يتبع تطورات ظرفيّة خاصة بساحاتها تفسّر ما حدث فيها، بقدر ما كان تسلسلها وانخراط أطراف متعدّدة فيها دليلاً على كونها جزءاً من خطة وضعت مع وضع قرار خطة الأيام العشرة قيد التنفيذ، وجاء التسلسل مدروساً بحيث تخدم الحلقات المنجزة الحلقة المراد إنجازها، لأن الحرب البرية لاجتياح جنوب لبنان لم تكن حدثاً وحيداً أعقب خطة الأيام العشرة، بل إن الكل يتذكّر كيف أن يوم وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني مع نهاية الحرب البريّة، كان يوم بدء الأحداث التي انتهت بسقوط النظام في سورية، وهي عملية يستحيل نجاحها بدون دور محوريّ فيها لكل من أميركا وتركيا ودول عربية فاعلة، وبقوة ما أحدثته الأيام العشرة وسقوط سورية بدأ مسار إعادة تكوين السلطة في لبنان برعاية أميركيّة سعوديّة، ليتمّ الانتقال فوراً إلى إسقاط اتفاق وقف إطلاق النار في غزة والعودة بالتوازي إلى حرب إسرائيلية على غزة وحرب أميركية على اليمن لتوظيف كل هذه التحولات. وخلال أقل من شهرين الانتقال الى حرب أميركية إسرائيلية على إيران، لا صلة بها بفشل المسار التفاوضي، كما قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب ولا بنهاية مهل للتفاوض جرى تلفيقها بصورة لم تقنع أحداً للقول إن الحرب لم تكن خطة منفصلة مقرّرة سلفاً، وإنها تتمة لسياق مرسوم منذ خطة الأيام العشرة استخدمت في تنفيذها المفاوضات للتضليل والخداع، ولم تكن مساراتها جدية في لحظة منها بالنسبة للأميركيين.
هذا المسار المتسارع لحروب كبيرة، وتغييرات جذريّة بقوة الاندفاع التي توفرت مع خطة الأيام العشرة، لم تغب واشنطن عن حلقة من حلقاته بل كانت هي اللاعب الرئيسي فيها، وما كان ممكناً الزجّ بتحالفات في هذه الحلقات كان الإنجاز فيها مستحيلاً بدون هذه التحالفات، إلا بدور أميركي مُعدّ مسبقاً، بحيث يمكن التساؤل عن مدى صحة الاستعراضات الإسرائيلية الاستخبارية عن أبوة لخطة الأيام العشرة، وترجيح أنها خطة أميركية وتنفيذ أميركي، ربطاً بالاستغاثة التي أطلقها نتنياهو من واشنطن، “إن هزمنا هزمتم”، بعدما فرغت اليد الإسرائيلية من وعود جغرافية في غزة مع السيطرة على رفح نهاية أيار 2024، وسط تفوق عسكريّ في جبهتي لبنان وغزة لصالح المقاومة وتصاعد غير مسبوق في الاحتجاجات الضاغطة لوقف الحرب داخل كيان الاحتلال، بحيث كانت زيارة نتنياهو لواشنطن في نهاية تموز 2024، نقطة انطلاق لخطة أميركية للسيطرة على الشرق الأوسط منعاً لبدء مسار تنازلي في قوة ومكانة “إسرائيل”، وما يعزّز هذا الاستنتاج استحالة تخيّل نتنياهو يتحدث عن خطر هزيمة وبيده هذه الأوراق واستحالة تخيل نتنياهو يشعر بالضغط ويصبر شهوراً وبيده هذه الأوراق.
الأدوار التي تولتها “إسرائيل” في الخطة تبدو محصورة بالدور العسكري في التقدم البري في جنوب لبنان بعد الأيام العشرة، وإعادة إشعال حرب غزة وحسمها عسكرياً بقوة ما جرى قبل ذلك في لبنان وسورية سياسياً وعسكرياً، وصولاً إلى دور عسكري أمني محوري في إيران لتدمير القدرات الدفاعية والهجومية لإيران وإطلاق مسار إسقاط النظام، ومراقبة هذه المسارات تفيد بالفشل الإسرائيلي في جبهة جنوب لبنان وعدم إحداث تحوّل نوعيّ في جبهة غزة، والفشل في جبهة إيران، بينما تولّت واشنطن النصيب الأكبر من ضربة الأيام العشرة، وإعادة تكوين السلطة في لبنان بمشاركة سعودية على قاعدة نهاية سلاح المقاومة، ورعاية التحالف الذي أسقط سورية، وفي هذه الملفات نجاح أميركي بارز، مقابل فشل ذريع في حرب اليمن التي تعدّتها واشنطن لإتاحة الفرصة لإبعاد تداعيات حرب غزة عن الداخل الإسرائيلي، وفشل في جبهة إيران.
مع فشل مشروع إسقاط إيران وقبله فشل إسقاط اليمن، والمراوحة في حرب غزة، صارت “إسرائيل” بحاجة ماسّة لتوسيع دائرة المكاسب في سورية ولبنان، ما تسبّب مع التغطية الأميركية لهذا التوسّع في خريطة الأهداف الإسرائيلية، المنسجم مع التركيبة السياسية والاجتماعية للقيادة الإسرائيلية الجديدة ومشروع التوسّع، انهار الإنجازان اللبناني والسوري، حيث يستحيل الحصول على تغطية تركية وخليجية للسيطرة الإسرائيلية على سورية، كما يستحيل للسلطة الصديقة لواشنطن التي تم تكوينها حديثاً في لبنان لعب دور دولة لبنان الحر التي أسسها الضابط العميل سعد حداد وخليفته أنطوان لحد، وتبرير قبول الاحتلال والسير في ظلاله لمواجهة المقاومة ونزع سلاحها، ولم يكن مجرد صدفة أن يتزامن العدوان الإسرائيلي على قطر والقمة العربية الإسلامية بعده، ومعاهدة الدفاع السعودية الباكستانية بعدهما، مع انهيار خطة المبعوث الأميركي في لبنان توماس برّاك التي أقرّتها الحكومة في جلسة 5 آب قبل أن تتراجع عنها في جلسة 5 أيلول.
حضرت كل هذه الإخفاقات الأميركية الإسرائيلية في صناعة موازين قوى سياسية وعسكرية لتعافي حزب الله في لبنان، لكن هذا لا يكفي لفهم المشهد المعقد الذي حكم بيئة المقاومة، بما هو أبعد من تحليلات التهديد الوجودي مع التغيير في سورية، وأبعد من التمسك بالسلاح لاعتبارات تتصل بالقلق، وأبعد من حسابات طائفية، حيث إن تماسك حزب الله وحركة أمل بخلاف كل التحليلات والتوقعات المعاكسة بين مناوئي الحزب، لم يكن حدثاً طائفياً، وقد يصعب على البعض تصديق أن مفعول اغتيال نصرالله كان عكسياً في شريحة لبنانية تتجاوز حزبه وطائفته، والأهم عربياً ودولياً، ونحن لا نزال في البدايات لظهور تيار عالمي عربي لبناني خرج إلى حيز الوجود يؤمن بقيادة نصر الله وأفكاره وقيمه، مستعدّ لاحتضان حزبه بقيادته الجديدة، وفي قلب هذا التيار طاقة وقوة اندفاعة لن تهدأ، وهي قادرة على التصرف كطوفان يجرف كل ما أمامه إذا ما تجرأ أحد على استفزاز وتحدّي الحقائق التي صاغها، وأهمها قدسية سلاح المقاومة واعتبار فلسطين بوصلة لا جدال حولها.
بعد سنة يمكن القول إن إزالة آثار العدوان قد تمّت على مستوى لبنان والإقليم، إذا أردنا استخدام لغة ما بعد حرب العامة 1967، وتبقى استعادة زمام المبادرة وإعادة تكوين توازن الردع والتوازن الاستراتيجي.