أطفال الشوارع… أحلام صغيرة في بيروت الكبيرة
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
أسبوع حار.. كيف سيكون طقس الأيام المقبلة؟كتبت جوانا صابر في "نداء الوطن":
في قلب العاصمة بيروت حيث تضج الأرصفة بالسيارات المزدحمة وضجيج الأبواق، وحيث الأبراج الشاهقة تخفي خلف بريقها كثيرًا من القهر الإنساني، يتوزّع عشرات الأطفال على نواصي الطرقات يمدون أياديهم الصغيرة بانتظار صدقة عابرة، أو يحملون علب العلكة والمحارم الورقية، علهم ينالون ثمن وجبة تسدّ جوعهم. هؤلاء هم أطفال الشوارع وجوه يانعة أرهقتها قسوة الحياة وأحلام صغيرة تتكسر على أرصفة المدينة الكبيرة.
وجوه طفولية معلّقة بالصدفة
لا يملك هؤلاء الأطفال ترف الذهاب إلى المدرسة أو الجلوس في حضن أم دافئة. جلّ ما يعرفونه هو شوارع بيروت، تلك التي تحوّلت إلى بيت وسقف وملجأ. كثير منهم مهاجرون من بيئات فقيرة أو لاجئون فقدوا بيوتهم بفعل الحروب والأزمات، فوجدوا أنفسهم أسرى واقع لا يرحم. تسأل أحد المارة عن ذلك الصغير الذي يبيع المحارم قرب ساحة ساسين، فيجيبك "كل يوم بشوفو هون بيضل يركض بين السيارات ما بعرف إذا بيرجع عالبيت بالليل أو بينام هون". كلمات تختصر غياب الدولة عن مسؤولياتها وتفضح مأساة تترك ندوبًا في وعي جيل كامل.
تعليم مفقود وأحلام مؤجلة
يحلم هؤلاء الأطفال بأن يصبحوا يومًا ما أطباء أو مهندسين أو حتى معلّمين، لكن واقعهم يفرض عليهم أن يكونوا بائعين جوالين أو متسولين. التعليم بالنسبة إليهم رفاهية لا يقدرون عليها، والمدرسة بعيدة المنال، وهنا تكمن الكارثة الأكبر. جيل محروم من أبسط حقوقه يدفع دفعًا نحو الجهل والتهميش، ما يفتح الباب أمام الاستغلال والعنف والتشرّد الدائم.
مسؤولية مشتركة
ليست الدولة وحدها المسؤولة عن هذا النزيف الإنساني، بل المجتمع بكامله. فكل ليرة نعطيها للطفل المتسوّل قد تعني تعزيز دائرة الاستغلال التي يعيشها. المطلوب برامج اجتماعية حقيقية، دورات دمج وتعليم ملاجئ تحفظ الكرامة وإرادة سياسية جدية تعيد الاعتبار إلى الطفولة.
بيروت مدينة الأحلام الضائعة
بيروت التي تغنى بها الشعراء كعروس المتوسط، صارت في عيون أطفال الشوارع، مدينة صعبة المراس. مدينة قاسية لا تمنحهم سوى الفتات، ومع ذلك حين تسأل أحدهم "شو بدك تصير بس تكبر"؟ يجيب بابتسامة بريئة "بدي يصير لاعب كرة قدم متل ميسي". ابتسامة تختصر المعركة بين الأمل واليأس، بين الحلم والواقع.
في النهاية، تبقى معاناة أطفال الشوارع جرس إنذار يقرع يوميًّا في وجهنا جميعًا. أحلامهم الصغيرة ليست عبئًا على المدينة، بل هي مسؤولية علينا أن نحتضنها، حتى لا تبقى بيروت الكبيرة شاهدة على ضياع طفولة بأكملها.