هل تقرأ القمة العربية الإسلامية بلغة الوقائع أم التمنيات؟
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
كارول دحدح تدين جريمة بنت جبيل: الصمت أصبح موقفا مفضوحاكتب ناصر قنديل في "البناء":
خاض كيان الاحتلال حربين متلاحقتين في المنطقة، بصفتهما حربي وجود رغم اهتمامه بترسيم الحدود فيهما، في حرب 1948 كان الهم الأكبر إيجاد الكيان، وفي حرب 1967 كان الهم وضع اليد على كامل فلسطين التاريخية، والحربان وجوديتان، والأنظمة التي حاربها واحتل أراضي منها، لم تكن فقط تلك التي تحسب مناوئة للغرب حيث القدس الشرقية والضفة الغربية كانتا عهدة أردنية والنظام الأردني كان ضمن تحالف وثيق بدول الغرب، خصوصاً بريطانيا وأميركا، ولم تكن هذه التحالفات والصداقات سبباً لصرف النظر عن احتلال الأرض ولا سبب إعادتها لاحقاً، وما تمّت إعادته لاحقاً كان حصراً صحراء سيناء التي لم تكن جزءاً من فلسطين، ولأنها مساحة مفتوحة يناسب “إسرائيل” أن لا تكون فيها خلال الحرب وأن يكون عدوها مضطراً لاجتيازها مكشوفاً إذا وقعت الحرب، لكن الكيان تركها في اتفاقات كامب ديفيد دون قطاع غزة لأنه جزء من فلسطين، ولحق الجولان السوري المحتل ومزارع شبعا اللبنانية بالقدس الشرقية لما لهما من أهمية استراتيجية في منظور الأمن الإسرائيلي.
عندما اهتزّ الأمن الاستراتيجي للكيان بعد طوفان الأقصى وحرب الإسناد من جنوب لبنان، وصارت الأراضي المحتلة عام 1948 عرضة للاستهداف، وفشل جيش الاحتلال في مفهوم الردع والحرب الوقائية، ودخل مجدداً في مأزق وجودي، وأخذ المستوطنون يشكّكون بقدرة جيشهم على حمايتهم، عادت الحرب الصفريّة إلى المشهد مجدداً، فالكيان لم يعُد ذلك الذي بناه مؤسسوه، كامتداد للغرب، نموذجاً مصغراً له ومجرد مدافع عن مصالحه، وقد صعدت فيه قيادات جديدة من المستوطنين ترفض البحث بالتفاوض على أيّ شبر من فلسطين التاريخيّة، وتؤمن بدولة دينيّة، وتوظف وصولها للحكم لتنفيذ برنامجها الداخلي والخارجي القائم على الرواية الصهيونية الأصلية، التي كانت أداة دعاية بالنسبة للقيادات التي أسست الكيان، وآمنت بمعادلة العلاقة بالغرب وظيفياً، حماية مصالحه وتنفيذ سياساته، مقابل التمويل والتسليح والحماية من المساءلة.
خاض الكيان بدعم الغرب كله وأميركا خصوصاً، حربه حتى أقصى حدود القدرة، لضمان مفهومه للأمن الاستراتيجي، فنجح بإسقاط سورية، لكن لحساب تركيا وجماعات لا يستطيع أن يثق بقدرتها على ضمان قيام دولة مستقرة من جهة وصدقية الاعتماد عليها لضمان أمنها الحدوديّ من جهة مقابلة، فصارت السيطرة على الجغرافيا أعلى مرتبة من السياسة، ونجح بتوجيه ضربات قاسية للمقاومة في لبنان، لكنه فشل في تدمير قدراتها القتالية، وفشلت فرقه الخمس في التقدم في الجغرافيا اللبنانية خلال الحرب، فاضطر للاعتماد على ما تحقق من تغييرات في تركيبة السلطة في لبنان أملاً بفرض مزيد من الحصار عليها ومحاولة التضييق على سلاحها، وتسبب بإلحاق الأذى بمنشآت إيران النووية وجر أميركا إلى الحرب على إيران، لكنه عجز ومعه أميركا عن مواصلة الحرب أو انتزاع الاستسلام، وفتح مسار إسقاط النظام، فاضطر إلى السير وراء أميركا في العودة إلى مربع الانتظار، وخاض الحرب وقبله ومعه أميركا ضد اليمن، والنتيجة فشل بفشل وبقيت السيطرة على البحر الأحمر يمنية، وبقيت الصواريخ والطائرات المسيّرة اليمنية تتساقط على أهدافها في الكيان.
الكيان العالق في حربه الصفريّة الجديدة، عاجز عن الخروج منها لتسوية تعترف بالعودة للتساكن مع الديموغرافيا الفلسطينية في غزة والسلاح بيد المقاومة، وعاجز عن الانتصار على المقاومة بحرب تنهي أمر السلاح وتحقق التهجير، وهو يواصل الحرب والصراخ بلا رؤية وبلا أفق، وليس أمامه إلا المضي قدما في الإيحاء بأنه الأقوى وأن كل المنطقة مصابة بالعجز والشلل، وهذه هي حرب الإدراك التي يخوضها، حيث يضرب يميناً وشمالاً ويتحدث عن إسرائيل الكبرى ويتوسّع في الجغرافيا، ويقتل ويدمر، ويقول عبر ذلك إن يده الطولى لا تعترف بالخطوط الحمر وتصل حيثما تشاء ومتى تشاء، وبالمقابل يفعل ما يفعل في غزة لزرع العجز في النفوس، فترتسم معادلة ثنائية القطبية، جبروت الكيان وأمامه العجز والعجز فقط، وتغيب صورة الفشل في إنهاء الحرب وتحقيق انتصار حاسم في أي من جبهاتها.
استهداف قطر وقبلها استهداف سورية، إسقاط للكذبة العربية التي تقول إن “إسرائيل” لا تستهدف إلا كيانات تخوض حرب وجود مع “إسرائيل” نفسها، يصفونها بالتطرف، ولا يمانع النظام العربي بأن تربح “إسرائيل” الحرب عليها، فها هي “إسرائيل” تستهدف دولاً تلوذ بواشنطن، تستضيف أضخم القواعد الأميركية، والأمن الإسرائيلي بمفهومه الجديد لا يؤمن إلا بالجغرافيا، السيطرة على الأرض والأجواء والقيام بعروض القوة والترويع والإخضاع، ولا قيمة هنا للسياسة والتحالف مع أميركا وصديقتها وقواعدها، بل حروب صفرية موسّعة، لا تطبيع ولا اتفاقات إبراهيمية، بل خضوع العبيد للأسياد، هذه هي معادلة الأمن الاستراتيجي الجديدة، ومحاولات التهرّب العربيّة من المواجهة مجرد خسارة للوقت، لأن لا شيء سوف يتغيّر، ولا خيار ثالث بين الخضوع والمواجهة.
هل تقرأ القمة العربية الإسلامية بلغة الوقائع أم التمنيات؟ وهل تقرر بعقل الأمن القومي الواثق أم بقلوب راجفة؟ والمطلوب بسيط وهو فرض العزل والعقوبات الجماعيّة على الكيان من خارج الأمم المتحدة التي تعطل واشنطن بالفيتو قدرتها على اتخاذ القرارات.