اخبار لبنان

أي أم ليبانون

سياسة

لبنان والمفاوضات: عودة إلى الطاولة… لا إلى "الترويكا"

لبنان والمفاوضات: عودة إلى الطاولة… لا إلى "الترويكا"

klyoum.com

منذ تشكيل الحكومة، تُعدّ على الأصابع المراتُ التي عقد فيها الرؤساء الثلاثة اجتماعًا مشتركًا لهم في بعبدا. فقد جرت العادة أن يلتئم الشمل الرئاسي مع كلّ استحقاق أو قضيةٍ مفصلية. لكنّ الزمن تغيّر، على ما يبدو، بحيث تُظهر الوقائع وجود حساسيةٍ من مجرّد فكرة اجتماعٍ رئاسيٍّ ثلاثيٍّ، ما جعل رئيس الحكومة نواف سلام يتحسّس من فكرة عودة الترويكا الرئاسية، ويُغلِّب فكرة الاجتماعات الرئاسية  الثنائية.

واليوم، ومع توقيع اتفاق وقف الحرب في غزة خلال قمّة شرم الشيخ، وفي غمرة الحديث عن المفاوضات بين لبنان وإسرائيل، برز موقفٌ لرئيس الجمهورية جوزاف عون، أطلق من خلاله مبادرةً تقضي بفتح مسار تفاوضيٍّ جديد، قد يُعيد رسم المشهد الحدودي والسيادي للبلاد. والمطلوب موقفٌ لبنانيٌّ جامع، وتشاورٌ رئاسيٌّ يُجرى بالتقسيط، أي عبر اجتماعاتٍ ثنائيةٍ، مراعاةً لحساسية عودة الترويكا.

مصادر مواكبة للاتصالات أكدت لـ"المدن" أن الحراك السياسي بات فعّالًا ومكثّفًا، لكن ليس بالشكل الذي قد يذكّر اللبنانيين بحقبة "الترويكا" التي ميّزت مرحلة ما بعد الطائف في التسعينيات. اللقاءات الثنائية عادت بين الرؤساء الثلاثة: رئيس الجمهورية، رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة نواف سلام، لكن اللافت هو الغياب التام لأي لقاء ثلاثي رسمي.

سلام يرفض "الترويكا"… وبري أيضاً

بحسب معلومات خاصة لـ"المدن"، فإن رئيس الحكومة نواف سلام رفض أن تُعقد أي اجتماعات ثلاثية حول ملف التفاوض، متمسّكًا بمبدأ الفصل بين السلطات ورافضًا العودة إلى نموذج "الترويكا"، الذي يعتبره إطارًا غير دستوري لتقاسم النفوذ وتجاوز المؤسسات.

هذا الموقف حظي باستغراب الرئيسين عون وبرّي. فرفض بري اقتراح الاجتماع الثلاثي، على قاعدةأنّ من يريد التشاور معي فأنا في عين التينة. وتم تفعيل الاجتماعات الثنائية، على أن يستمر التواصل والتنسيق المشترك عند الحاجة، من دون إحياء صورة "الإدارة الثلاثية" التي حكمت لبنان في التسعينيات.

 من روسيا إلى لبنان: ما هي "الترويكا"؟

مصطلح "ترويكا(Troika)  ، لم يُولد في لبنان، بل في روسيا القيصرية، حيث كان يُستخدم لوصف عربة يجرّها ثلاثة خيول لنقل البريد بسرعة في القرن السابع عشر. ومع تراجع استخدامها في الميدان، دخل المفهوم إلى قاموس السياسة والدبلوماسية، وصار يُطلق على أي مجموعة مكوّنة من ثلاثة أطراف تتقاسم السلطة أو المسؤولية.

في لبنان، دخل هذا المفهوم الحياة السياسية بعد اتفاق الطائف، الذي أنهى الحرب الأهلية، وتحديدًا خلال عهد الرئيس إلياس الهراوي في مطلع التسعينيات. بين عامي 1992 و1998، شُكّل ما يُعرف بـ"ترويكا " التي جمعت بين رئيس الجمهورية، رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، كآلية لإدارة البلاد في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية. لكن هذه "الإدارة الثلاثية" لم تكن محصورة بالرؤساء فقط، بل شملت أيضًا أدوارًا غير رسمية للأجهزة الأمنية والنفوذ السوري، ما جعلها أقرب إلى ائتلاف غير دستوري لإدارة البلاد، حيث كان يُقال إنّ أي خلاف بين الرؤساء يُحلّ بتدخّل "الموفد السوري".

رغم أنها ساعدت حينها في احتواء الانقسامات ومنع الانفجار السياسي، إلا أنها ساهمت أيضًا في إضعاف المؤسسات الدستورية، وأدّت إلى خرق واضح لاتفاق الطائف، الذي شدّد على ضرورة الفصل بين السلطات وتعزيز دور مجلس النواب.

الترويكا مرفوضة… ولكن التواصل مستمر

في ضوء كل ذلك، فإنّ تجنّب إعادة إظهار هذه الصورة قد يكون له أبعاد سياسية ودولية. ويعتبر مقربون من رئيس الحكومة أنّ رئاستي الجمهورية والمجلس النيابي، يحاولان استحداث الترويكا من جديد. وهو ما ظهر- بحسب ما فسّر مطّلعون- في الاستحقاقات والتعيينات التي مرّت بها الحكومة. وتشير مصادر مقربة منه إلى أن سلام يرى أن العودة إلى هذا النموذج قد تُفسَّر دوليًا وداخليًا على أنها تراجع عن الإصلاحات الدستورية وعودة إلى منطق التحاصص. ويقول نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي لـ"المدن" إن موقف سلام يأتي في إطار تجنّبه لحساسية المرحلة ونتيجة حساسيات وعدم رغبة بإظهار أن لعبة الاستشارات تندرج ضمن خلط للسلطات. وبالتالي لا داعي لها. 

وأوضح الفرزلي أنّ رئيس الجمهورية هو المرجعية السياسية للتفاوض وفقا للمادة الدستورية، ويحقّ له القيام باستشارات والتنسيق مع باقي السلطات. واعتبر أنّ لا داعي للترويكا ولتكريس هذه الصورة في هذه المرحلة ، خصوصا أنّ الاستشارات مستمرة بين عون-بري-سلام عبر الاتصالات المفتوحة. وقال الفرزلي إنّ الرئيس بري لا يتعاطى مع ملف التفاوض كممثّل لمؤسسة دستورية بل كممثل لمكوّن (الشيعي). مع ذلك، شدد الفرزلي على أن اللقاءات التشاورية بين السلطات قد تكون ضرورية في لحظات حساسة كالتي تمر بها البلاد.

*المصدر: أي أم ليبانون | imlebanon.org
اخبار لبنان على مدار الساعة