بيروت بتجمعنا: همّها المناصفة والإنماء… وبيروت مدينتي برنامجها المزايدة وشيطنة السياديين
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
لبنان القوي : لرفع قضية النزوح إلى قمة بغدادتستعد العاصمة اللبنانية بيروت لاختبار انتخابي بلدي مفصلي، يبدو من أولى مؤشراته أنه سيكون عنواناً لمنازلة سياسية كبرى، أكثر منه منافسة على مشاريع بلدية وإنمائية. وسط هذا المشهد، تبرز لائحتان رئيسيتان: بيروت بتجمعنا وبيروت مدينتي، لكن الفارق بينهما أعمق من مجرد أسماء وبرامج ظاهرية، إذ يعكس الصراع البلدي الحالي الانقسام الوطني الأكبر بين مشروع سيادي إصلاحي، وآخر يلبس لبوس التغيير بينما يتفادى الاصطدام مع منظومة الهيمنة والسلاح.
ما نشهده من سيل حملات وتضليل ممنهج تقوده بعض الجهات، لا سيما رعاة بيروت مدينتي، هو محاولة فاضحة لإسقاط تجربة سيادية نزيهة عبر تشويه صورتها. بدلاً من تقديم برنامج بلدي واضح الأهداف والمقاييس، اختار هؤلاء سلوك درب الشعبوية والمزايدات، وتحوّل خطابهم إلى خطاب سلبي يقوم على شيطنة الآخرين، وخصوصاً القوى السيادية التي تخوض الاستحقاق من بوابة بيروت بتجمعنا.
هؤلاء التغييريون الذين ادّعوا الاستقلالية والانفصال عن الطبقة السياسية، لم يترددوا في دعم ترشيح السفير نواف سلام لرئاسة الحكومة، حتى ولو جاء هذا الدعم مشروطاً بموافقة ومباركة من الرئيس نبيه بري وحزب الله. المفارقة أن من وافق على شروط الثنائية الشيعية في تشكيل الحكومات، انقلب اليوم على القوى السيادية، متهماً إياها بالتبعية، ومتناسياً أنه هو نفسه من قايض مبادئه على طاولة مفاوضات السلطة.
إن حملة بيروت مدينتي لا تجرؤ على الاقتراب من حقيقة الهيمنة التي يمارسها حزب الله على مفاصل الدولة. فهم، على عادتهم، ينظرون إلى الحزب بعين خائفة ولسان خجول، لا يجرؤ على تسمية الأمور بأسمائها. أما القوى السيادية، فقد دفعت دماً غالياً في مواجهة هذا المشروع، واستُشهد منها قادة ورموز في سبيل الدفاع عن السيادة والاستقلال، في وقت كان فيه التغييريون يلوذون بالصمت أو يمارسون رماديتهم المريحة.
اللعبة اليوم واضحة: مزايدات شعبوية هدفها تضليل الرأي العام، لكن أهالي بيروت باتوا أكثر وعياً من أن تنطلي عليهم محاولات التزوير وتشويه الحقائق.
المفارقة أن من وافق على شروط الثنائي الشيعي لتأليف حكومة برئاسة نواف سلام، ينقلب اليوم على القوى السيادية نفسها التي خاضت معارك صعبة، وقدّمت شهداء، من أجل استعادة القرار الوطني ومنع لبنان من السقوط التام في حضن المشروع الإيراني. التغييريون الذين صمتوا طويلاً عن سلاح حزب الله، ولامسوا ملفه بخجل، يرفعون اليوم أصواتهم فقط في وجه من لا يخيفونهم، أما حيث يلزم الموقف الجريء، فالصمت هو سيد الموقف.
في المقابل، بيروت بتجمعنا تمثل اليوم صوتاً واضحاً، لا رمادياً ولا ملتبساً. هي لائحة ذات مشروع بلدي إصلاحي حقيقي، يقوده رئيس لائحة هو مهندس ناجح ونظيف الكف، ويضم 23 عضواً غير حزبيين يشكلون فريق عمل متجانساً. هذا الفريق لم يتشكل من أجل الصورة أو التسويق، بل بهدف واضح هو إنقاذ العاصمة من التدهور المزمن الذي أصاب بنيتها التحتية، ومرافقها، وصورتها، بسبب الإهمال وسوء الإدارة.
أهمية بيروت بتجمعنا أنها انطلقت من همّ جوهري: الحفاظ على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في مجلس بلدية بيروت، هذه المناصفة التي تعرّضت لهزات قانونية نتيجة تضارب الصلاحيات بين المجلس والمحافظ. القوى السيادية في هذه اللائحة، إلى جانب شركاء مدنيين مستقلين، سعت جاهدة لتعديل القانون بما يضمن المناصفة نصاً وروحاً، ويمنع الالتباس القانوني الذي كان يُستخدم لعرقلة عمل المجلس أو تركيبة أعضائه. هؤلاء عملوا من أجل إنهاء اللغم الطائفي بهدوء وحكمة، لا بالمزايدات.
في المقابل، الجهات التي أفشلت هذا التعديل القانوني، تركت بيروت في مهب التجاذب، ثم عادت لتلبس قناع التغيير، وتطلق حفلات مزايدة وشعارات فضفاضة، متناسية أنها، بشكل مباشر أو غير مباشر، سهّلت لسنوات طويلة قبضة حزب الله على مؤسسات الدولة، بدءاً من رئاسة الجمهورية ووصولاً إلى الحكومات المتعاقبة.
بيروت تحتاج اليوم إلى من يعيد انتظام المؤسسات فيها، لا إلى من يرفع الشعارات في الصباح ويُساوم في المساء. تحتاج إلى من يؤمن بأن البلدية ليست مكاناً لتصفية الحسابات السياسية الكبرى، بل مساحة عمل وإنماء وإدارة مستدامة. ولهذا، فإن بيروت بتجمعنا لا تكتفي بالتنظير، بل أعدت برنامج عمل واضحاً، محدد الأهداف، ومضبوطاً زمنياً، لتنفيذ مشاريع ضرورية في البنى التحتية، والإنارة، والبيئة، والنقل، وإدارة النفايات، وغيرها من الملفات التي أنهكت العاصمة.
بيروت التي أنهكتها المجالس السابقة، والمصالح الحزبية، والمحاصصات، تحتاج إلى فريق يضع مصلحة المواطن فوق كل اعتبار. بيروت بتجمعنا هي لائحة لكل البيروتيين، لا تتحدث باسم شارع ضد شارع، أو طائفة ضد أخرى، بل تنطلق من روح المدينة الجامعة، العروبية، المنفتحة، التي كانت لقرون عاصمة للشرق وللفكر.
الرهان اليوم ليس فقط على الفوز الانتخابي، بل على إعادة الثقة بالدولة، من خلال استعادة الثقة بالمجلس البلدي. فالمجلس البلدي الناجح هو مقدمة للدولة الناجحة. وهذه الرسالة تعرفها القوى السيادية جيداً، لأنها خاضت معركة تثبيت السيادة في أصعب الظروف، ودفعت الأثمان الغالية من اغتيالات ومحاولات عزل وقمع.
أما لعبة السحر والساحر، فإنها لن تنطلي على أهل بيروت، الذين يعرفون تماماً من عمل ويعمل لأجلهم، ومن يلبس عباءة الثورة في النهار ويتفاوض في الليل خلف الأبواب المغلقة. بيروت ليست صندوق بريد لشعارات دخيلة، ولا هي مساحة لإعادة إنتاج مشاريع لا تمثل هويتها وتاريخها.
ختاماً، لا يمكن لأي مشروع بلدي أن ينجح إذا لم يكن محصناً برؤية وطنية شاملة، تنطلق من احترام الدستور، وتوازن الصلاحيات، والتمسك بالمناصفة، والعمل بشفافية كاملة. هذا ما تعد به بيروت بتجمعنا، وهذا ما يهرب منه الآخرون.
بيروت لا تحتاج إلى ثوار موسميين، بل إلى بناة حقيقيين. بيروت بتجمعنا، لأننا نؤمن أن العاصمة لا تُدار بالمواقف الصوتية، بل بالفعل، والمسؤولية، والشراكة المتوازنة بين جميع أبنائها.