الحراك الدبلوماسي الأممي حبرٌ على ورق نتنياهو
klyoum.com
يبدو أن الخناق الدبلوماسي آخذ في الاشتداد حول رقاب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وائتلافه الحكومي اليميني المتطرّف، يومًا بعد آخر. فالتظاهرة الدبلوماسية التي استضافتها نيويورك وتمثلت باجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، استحوذت القضية الفلسطينية فيها حيّزًا مهمًا، أكان من خلال المبادرة السعودية - الفرنسية التي تُوِّجت بمؤتمر حل الدولتين، والذي تمخّض عنه إعلان نيويورك وحظي بتأييد استثنائي من الجمعية العامة للأمم المتحدة بغالبية 142 صوتًا، ويؤكد الالتزام الدولي الثابت بحل الدولتين، أو من ناحية سبحة الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية، أو من خلال الاجتماع المغلق الذي جمع في المبنى الأممي رؤساء دول عربية وإسلامية إلى طاولة قائد سفينة العمّ سام، وبحث في السبل الآيلة إلى وضع حد لجنون الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة المنكوب.
بيد أنه من نافل القول إن رأس الحكومة العبرية، المتفلّت من أي ضوابط أخلاقية وسياسية، والذي يضع نصب عينيه مواصلة الحروب على جيرانه، في ظلّ حكومة يمينية تقتات من استمرار النزاعات الساخنة، سيتعامل مع نتائج الاجتماعات واللقاءات في نيويورك، كأنها لم تكن، خصوصًا أنها صبّت بمعظمها في خانة إدانة الدولة اليهودية على أفعالها في قطاع غزة والضفة الغربية، على حد سواء. فالاستراتيجية العسكرية في العقل الإسرائيلي باتت بعد عملية طوفان الأقصى، هجومية إلى أقصى الحدود وليست دفاعية، ومعززة بـ قَبّة باط أميركية، ولم تعد تحدّد سقفًا زمنيًا للحروب الإسرائيلية، ما جعل بيبي في حلّ من أي وازع أخلاقي أو دولي، وبالتالي ستبقى كل القرارات والإعلانات الدولية والأممية التي لا تستسيغها تل أبيب، حبرًا على ورق نتنياهو. وليس أدلّ على ذلك سوى الضربة التي وجّهتها إسرائيل إلى قلب العاصمة القطرية الدوحة، التي كانت تشكّل حتى الأمس القريب، قبلة المفاوضين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وإذا صحّ وصف القرارات والإعلانات الدولية بأنها بحت فخرية، كون الدولة العبرية لن تلتزم بها حتمًا، إلّا أن بيبي يتوجّس مثلًا من قرار المحكمة الجنائية الدولية، وهو المطلوب إليها لارتكابه جرائم حرب في قطاع غزة، وهذا القلق حدا بطائرة نتنياهو التي أقلّته إلى نيويورك، إلى اتخاذ مسار غير اعتيادي، لتجنب المرور في الأجواء الفرنسية خشية اعتقاله، وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن القرار المِلاحي جاء لتفادي أي تبعات قضائية محتملة.
بعض الأقلام العبرية، اعتبرت ما حصل في أروقة نيويورك وعلى منابرها، بمثابة انتكاسة دبلوماسية حادة لإسرائيل. المحلّل السياسي في يديعوت أحرونوت إيتمار أيخنر رأى أن إسرائيل تلقّت هزيمة دبلوماسية قاسية، في ختام المؤتمر الفرنسي - السعودي، الذي عُقد أخيرًا في الأمم المتحدة، معتبرًا أن بلاده بعد أن صُورت كضحية، عقب هجوم 7 أكتوبر، تجد أنها تنقاد الآن، قسرًا إلى مسارات إشكالية، إذ أن 153 دولة اعترفت باستقلال الشعب الفلسطيني، وبحقه في دولة خاصة به. وبذلك تبدّدت عقود طويلة نجحت خلالها إسرائيل في منع اعترافٍ من هذا النوع، ونشأ واقع سياسي جديد. وأضاف أيخنر أنه كان واضحاً في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة أن إسرائيل في حضيض دبلوماسيّ جديد، وإذا كان الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الماضي اقتصر على دول عدم الانحياز والدول العربية، فإن الوضع الآن تغيّر: لقد قالت دول العالم الحر، والديمقراطيات المستنيرة والمهمة، كلمتها: فرنسا، وبريطانيا، وكندا، وأستراليا، وإسبانيا، فضلاً عن دول في الاتحاد الأوروبي ذات وزن سياسي وأخلاقي كبير، ومعروفة باللغة الدبلوماسية بأنها الدول المتقاربة في الفكر. وختم الكاتب الإسرائيلي باعتباره أن تلك الدول لم تكتفِ بالاعتراف فقط، بل قادت الخطوة في الأمم المتحدة.
بدوره، الصحافي حاييم ليفنسون كتب في هآرتس أن المبادرة السعودية - الفرنسية في شأن الاعتراف بدولة فلسطين تزداد زخمًا، لكنها لا تحمل أي معنى عملي فوري، مضيفًا أن الأهم من ذلك هو الاجتماع المغلق لرؤساء دول عربية وإسلامية مع ترامب في مبنى الأمم المتحدة، حيث ناقشوا الوضع في غزة وسبل إنهاء الحرب هناك. ليفنسون اعتبر في جانب آخر، أن نتنياهو سافر إلى حفلة انتهت فعلاً، هي دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ إن جميع الشخصيات المهمّة تفرّقت، وهو وصل متأخرًا إلى هناك مع عمال النظافة لجمع بقايا قصاصات الورق، وهو، بحسب ليفنسون، وحيد ومعزول أكثر من أي وقت مضى، عند حافة الهاوية، ولا ينقذه من السقوط سوى يد دونالد ترامب. وأضاف الصحافي الإسرائيلي أن المؤتمر الـ 80 للأمم المتحدة قد يكون الأكثر تطرّفًا في موقفه من إسرائيل، فـ بيبي الذي روّج نفسه أعواماً طويلة كعبقري سياسي، ولطالما احتقر كل مَن يخالفه الرأي، والذي اعتاد أن يستخفّ بالمؤشرات إلى وضع إسرائيل المتدهور، جلس في بيته يشاهد في التلفاز، كيف يدير له أولئك الذين اعتبرهم أصدقاءه ظهورهم.