اخبار لبنان

المرده

سياسة

الدستور للتعطيل بدل تنظيم الخلافات!

الدستور للتعطيل بدل تنظيم الخلافات!

klyoum.com

كتب صلاح سلام في "اللواء":

تتجه الأنظار بقلق متزايد إلى المشهد اللبناني الذي يزداد اضطراباً يوماً بعد يوم، مع احتدام الخلافات السياسية حول تعديل قانون الانتخابات لإشراك المغتربين في عمليات الاقتراع، وما قد يترتب على ذلك من تعطيل للجلسات التشريعية بعد أن هدد النواب المؤيدون للتعديل بتطيير النصاب، في خطوة تشلّ عمل المجلس النيابي وتعلّق إقرار قوانين حيوية أبرزها قرض البنك الدولي لإعادة الإعمار بقيمة 250 مليون دولار. وفي ظل هذه المناكفات العقيمة، يتعمّق الانقسام الداخلي فيما يشتدّ التصعيد العسكري الإسرائيلي على الحدود الجنوبية والبقاع، لتجد البلاد نفسها محاصرة بين شلل داخلي وضغط خارجي متزايد.

إنّ تجاهل مطالب الأكثرية النيابية وتعطيل الجلسات التشريعية في هذه المرحلة الحساسة ليس مجرّد خلاف سياسي عابر، بل خطيئة وطنية كبرى. فالدولة التي تعجز عن تمرير قوانين إنقاذية عاجلة لإعادة ضخ الحياة في شرايين الاقتصاد، لا يمكنها أن تواجه التحديات الوجودية المحدقة بها. اللبنانيون الذين أنهكتهم الأزمات لم يعودوا معنيِّين بصراعات الكتل والاصطفافات، بل ينتظرون من ممثليهم في البرلمان أن يتحلّوا بالحد الأدنى من المسؤولية الوطنية، وأن يدركوا أن الوقت لم يعد في صالح أحد.

في المقابل، تتحرك إسرائيل بخطوات عدوانيّة على الحدود، حيث أجرت «الفرقة 91 « مناورات واسعة تحاكي اجتياحاً برياً محتملاً للبنان، في وقت يقوم وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس بجولة على الحدود برفقة الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، في إشارة واضحة إلى تنسيق ميداني وسياسي يستبق أي مواجهة مقبلة. هذه التطورات الميدانية لا يمكن قراءتها بمعزل عن الانقسام الداخلي اللبناني، إذ لطالما شكَّل ضعف الجبهة الداخلية فرصة ذهبية لتصعيد إسرائيلي أو لفرض وقائع جديدة على الأرض.

لبنان اليوم يقف على فوهة بركان سياسي وأمني في آن واحد. الانقسام حول قانون الانتخابات يكشف عمق أزمة الثقة بين القوى السياسية، التي باتت تستخدم الدستور وسيلة تعطيل بدل أن يكون إطاراً لتنظيم الخلافات. أما الخطر الأكبر، فهو أن استمرار هذا النهج يهدِّد بفقدان ما تبقَّى من ثقة المجتمع الدولي، ويعرّض البلاد لخسارة المساعدات والقروض التي تمثل شريان حياة ضرورياً لإعادة الإعمار وتحريك العجلة الاقتصادية.

المطلوب اليوم من الحكومة ورئيس مجلس النواب التحرّك سريعاً لإعادة الحياة إلى المجلس النيابي، عبر الدعوة إلى جلسات طارئة مخصصة لإقرار القوانين المالية والإصلاحية العالقة، بعيداً عن الحسابات الانتخابية الضيقة. فالمسؤولية الوطنية تفرض وقف العبث بالمؤسسات، لأن تعطيلها في زمن الانهيار هو بمثابة المشاركة في جريمة قتل الوطن.

أما على الصعيد الأمني، فإنّ الحفاظ على الاستقرار يتطلّب موقفاً وطنياً موحداً يضع المصلحة العليا فوق كل اعتبار، ويعيد للدولة دورها الكامل في رسم السياسة الدفاعية بالتوافق لا بالمواجهة. فإسرائيل لا تُخفي أطماعها، وتراقب ارتباك الداخل اللبناني لتستثمره في لحظة ضعف أو انقسام.

إن لبنان، الذي نجا مراراً من السقوط الكامل، يحتاج اليوم إلى لحظة وعي جماعي تنقذه من فوضى المصالح، وتعيد الاعتبار لفكرة الدولة الجامعة. فالبلد لم يعد يحتمل المزيد من التناحر، والوقت لم يعد يسمح بالتجاذب.

إنها ساعة الحقيقة: آن الأوان للقوى السياسية اللبنانية أن تدرك أن خلافاتها لم تعد ترفاً سياسياً يمكن تحمّله، بل تهديداً مباشراً للأمن القومي. فالوطن اليوم بحاجة إلى وحدة موقف أكثر من أي وقت مضى، وإلى تفعيل مؤسساته الدستورية لاستعادة زمام المبادرة، لأن استمرار الشلل الداخلي لا يعني سوى ترك الساحة فارغة أمام الآخرين لرسم مستقبل لبنان وفق مصالحهم لا مصالحه.

لبنان يقف الآن على حافة مفترق خطير، بين خيارين لا ثالث لهما: إما العودة إلى منطق الدولة وتغليب المصلحة الوطنية عبر التفاهم والتنازل المتبادل، والعودة إلى التسويات الخلاّقة في إطار المعادلات الوطنية المتوازنة، وإما الاستمرار في لعبة الانقسام والمزايدات حتى السقوط الكامل في الفراغ والانهيار. والوقت يضيق، فيما طبول الحرب تجاوزت أصواتها الحدود وتزداد وضوحاً، مع التصعيد الإسرائيلي المستمر. وكأنها إنذار أخير بأن الفرصة لا تزال متاحة، لكنها لن تبقى مفتوحة طويلاً.

*المصدر: المرده | elmarada.org
اخبار لبنان على مدار الساعة