اخبار لبنان

جنوبية

سياسة

وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: رئاسة ترامب.. حفل تتويج أمبراطوري

وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: رئاسة ترامب.. حفل تتويج أمبراطوري

klyoum.com

يخص الدكتور وجيه قانصو «جنوبية» بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع ومنصاته.

بدأ عهد دونالد ترامب، ليس كأي عهد رئيس سابق للولايات المتحدة. دخل إلى قاعة تنصيبه رئيساً دخول الفاتحين، كأنك أمام حفل تتويج أمبراطوري، ليعلن ولادة أميركا جديدة، لا بسياساتها فحسب، وإنما بقيمها وثقافتها وخطابها ومستقبلها.

لا حد لطموح الرجل، ورغبته الجامحة في استعمال السلطة الممنوحة له، إلى أقصى حد ممكن

كانت نشوة السلطة عند الرئيس الجديد عارمة، تصرف لا كشخص فاز في الإنتخابات، بل بدا خطاب قسمه كمن خاض حرباً كونية على عدة جبهات، انتهت بنصر كاسح، وهزيمة ماحقة لخصومه ومخالفيه، تسوغ له القضاء الكامل عليهم، وملاحقة فلولهم ومحو آثارهم في أروقة الحكم والسلطة والحياة العامة.

لا حد لطموح الرجل، ورغبته الجامحة في استعمال السلطة الممنوحة له، إلى أقصى حد ممكن. بخاصة وأن انتخابه كان أقرب إلى شبه تفويض من الناخب الأمريكي.

كانت نشوة السلطة عند الرئيس الجديد عارمة، تصرف لا كشخص فاز في الإنتخابات، بل بدا خطاب قسمه كمن خاض حرباً كونية على عدة جبهات

فالرئاسة ومجلس الشيوخ بشقيّه باتا تحت أمرته، بالتالي لم يعد مبدأ فصل السلطات وتوازنها ساري المفعول، وصار بالإمكان تمرير أي تعيين أو قانون، من دون موانع دستورية أو عوائق سياسية. بخاصة وأن الحزب الديمقراطي، ما يزال تحت وقع صدمة الهزيمة المروعة التي مني بها.

إقرأ أيضا: وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: خطاب رئاسي بسردية حكم جديدة 

أما الحزب الجمهوري فتحوّل إلى حلقة موالين يلتفون حول ترامب، ويتسابقون في إعلان الولاء والطاعة له، ويتبارون في تعظيمه وتمجيده. فترامب لم يعتمد على الحزب الجمهوري ليضمن فوزه، بل كانت شعبية ترامب، هي التي ضمنت للحزب الجمهوري عودة كاسحة له، في مجلسي النواب والشيوخ. فالناخب الأمريكي كان يبحث عن مخلِّص أو قائد كاريزمي، أكثر من اختياره بين حزبين متنافسين.

ترامب لم يعتمد على الحزب الجمهوري ليضمن فوزه، بل كانت شعبية ترامب، هي التي ضمنت للحزب الجمهوري عودة كاسحة له

افتتح ترامب رئاسته بعشرات المراسيم والقرارات الاستراتيجية. محدثاً بذلك قطيعة مع عرف وسياق سابقين، مدشّناً صورة جديدة وغير مسبوقة لأميركا. ليؤكد أنه كان يعني ما يقول في حملته الانتخابية. حيث شرع منذ يوم رئاسته الأول إلى تعطيل قرارات العهد السابق. فألغى تقريبا كل الاتفاقات الدولية السابقة، معلنا الانسحاب من اتفاقية باريس حول المناخ، والانسحاب من منظمة الصحة الدولية.

كما إنه أوقف العمل بأكثر قرارات الرئاسة السابقة، من قبيل إصدار العفو عن أكثر الموقوفين في حادثة اقتحام مجلس الشيوخ، وتجميد التعيينات والوظائف السابقة في الحكومة، وإلغاء ملفات اللجوء والهجرات غير الشرعية، وإطلاق حملات ترحيل قسرية لعدد هائل من المهاجرين غير الشرعيين، متجاهلاً الآثار الإنسانية المترتبة على تلك القرارات.

افتتح ترامب رئاسته بعشرات المراسيم والقرارات الاستراتيجية. محدثاً بذلك قطيعة مع عرف وسياق سابقين، مدشّناً صورة جديدة وغير مسبوقة لأميركا

لا يقتصر طموح ترامب على خلق مسار جديد في الداخل، بل تمتد تطلعاته إلى فرض ترتيبات دولية جديدة. فأميركا العظمى التي يروّج لها، لا تقتصر على الرفاه والاستقرار الداخليين، بل أميركا القوية التي يهابها الجميع في الخارج.

إقرأ أيضا: وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: محور الممانعة.. نهاية طبيعية لتكوين مصطنع 

وهذا يكون بالجمع بين التهديد بفائض القوة، من جهة العقلية التجارية، التي تقيس قيمة العلاقات الدولية بمردودها المالي والاقتصادي، من جهة أخرى. بالتالي، لم يعد هنالك محاور وحلفاء دوليين، بل مشهد عالمي متقلب وهشّ، قائم على عقود وصفقات وتقاطع مصالح.

هذا يشير إلى أن المشهد السياسي الحالي في الولايات المتحدة، يقترب ليكون حكم الرجل الواحد، الذي وضعت بين يديه كل مفاصل السلطة وصناعة القرار.

فلا نتوقع حياة سياسية، أو جدل جدي وفعلي في أروقة صناع القرار، بعدما طغى اللون الواحد والوجهة الواحدة. بل تكاد الكيدية تسود الحياة السياسية، وتتحكم نزعة الإلغاء في صناعة القرار، الأمر الذي يهدد القيم الديمقراطية، ويجفف منابع الضوابط القيمية والروادع الأخلاقية.

ما حصل يظهر أن المجتمع الأمريكي، لم يحسم أمره في العديد من العناوين القيمية والخيارات المصيرية، ما تسبب بانقسام حاد بين مكوناته

هذا لا يعني أن ترامب، قادر على الانقلاب على قيم الآباء المؤسسين، أو نقض الدستور مباشرة.

فالدولة راسخة بمؤسساتها، وصلابة إرثها القانوني، وحيوية مجتمعها السياسي، كما إن المجتمع يتميّز بعراقة جمعياته المدنية وفاعلية منظماته الحقوقية. إلا أن ما حصل يظهر أن المجتمع الأمريكي، لم يحسم أمره في العديد من العناوين القيمية والخيارات المصيرية، ما تسبب بانقسام حاد بين مكوناته.

إقرأ أيضا: «صيد ثمين».. عملية توقيف نوعية لعميل «بارز» في البقاع 

فأميركا ما تزال متأرجحة: بين إيقاع سريع في التحول القيمي، وبين مزاج ديني محافظ يريد إيقاف الزمن، بين دولة العدالة الاجتماعية، وبين رأسمالية متحررة من القيود والأعباء الضريبية، بين تعددية عرقية وثقافية، وبين سيادة مبطنة لقيم العرق الأبيض، بين نظام عالمي يقوم على الشراكة والتعاون، وبين نظام عالمي مؤسس على سطوة القوة والمردود الاقتصادي.

رئاسة ترامب ليست الفصل الحاسم، أو المشهد الأخير في الحياة السياسية الأمريكية، بقدر ما هي مرآة لمزاج أمريكي عام، مرتبك ومترنح بين طرفي جملة نقائض، لم يعرف كيف يستقر على نقطة توازن أو تسوية بينهما.

*المصدر: جنوبية | janoubia.com
اخبار لبنان على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com