تعيينات لا تشبه الوعود وخطاب القسم... وسؤال يثير الجدل: هل لبنان يحتاج فعلاً إلى هيئات ناظمة؟
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
وزارة الثقافة اللبنانية تنفي وجود أي أسلحة تعود لأحزاب في قلعة بعلبكنوال أبو حيدر
في خضم الأزمة الاقتصادية والمالية غير المسبوقة التي تعصف بلبنان، وفي ظل تعثّر مسار الإصلاحات الجذرية المطلوبة من المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي على وجه الخصوص، تحاول الحكومة الحالية برئاسة نواف سلام أن تقدم إشارات «إصلاحية» تُظهر التزامها بتنفيذ الشروط التقنية والدستورية لتحسين مناخ الثقة وجذب التمويل الخارجي. ومن بين هذه الإشارات، تأتي التعيينات الأخيرة في الهيئات الناظمة للكهرباء والاتصالات. لكن، كما جرت العادة في التجربة اللبنانية، يبقى الفارق شاسعا بين الشكل والمضمون. فالمشكلة لم تكن يوما في غياب القوانين والمؤسسات، بل في غياب الإرادة السياسية لتطبيقها بجديّة. من هنا، تبرز تساؤلات جوهرية حول مغزى هذه التعيينات، وتوقيتها، وآلياتها، وحقيقة الأهداف الكامنة خلفها. هل نحن أمام تحوّل فعلي في بنية الدولة الرقابية والتنظيمية؟ أم أن ما يحصل لا يتعدّى كونه محاولة لتجميل المشهد أمام الجهات الدولية، من دون أي نيّة لتغيير النهج السياسي القائم على المحاصصة والتحاصص؟
هذه التساؤلات تزداد إلحاحا عندما ننظر في تفاصيل هذه التعيينات، لا سيما في قطاع الاتصالات، حيث تم توقيع عقد رضائي مثير للجدل مع شركة «ستارلينك» في نفس الجلسة التي تم فيها تعيين الهيئة الناظمة، كما أن الخوف مشروع من أن تتحوّل هذه الهيئات، كما غيرها سابقا، إلى مجرد واجهات فارغة، لا حول لها ولا قوة، أمام هيمنة القرار السياسي.
هل يحتاج لبنان فعلاً إلى هيئات ناظمة؟
من هذا المنطلق، يطرح المدير العام السابق لهيئة أوجيرو، الدكتور عبد المنعم يوسف، سؤالاً: «هل كان لبنان بحاجة في البداية إلى هيئات ناظمة، سواء لقطاع الاتصالات أو لقطاع الكهرباء أو المياه أو النقل المشترك أو غيرها؟!، وهذا سؤال مشروع لا يجرؤ أحد على طرحه، رغم أهميته، خاصة في ظل ما تشهده هذه القطاعات من تراجع مزمن، وعجز واضح في أداء المؤسسات المعنية، وضعف في آليات الرقابة والتنظيم»، ويتساءل «إذا كان لدى وزير الاقتصاد، وصولاً إلى وزير المالية، إلى جميع المسؤولين في مجلس الوزراء، إجابة واضحة على هذا السؤال أم أن هذه الهيئات أنشئت فقط لتكون غطاء شكليا للإصلاح، دون أن تُمنح الصلاحيات أو الاستقلالية التي تخوّلها القيام بدورها فعليا».
وفي سياق متصل، يوضح يوسف أن «الهيئة الناظمة في كل الأسواق الخدماتية تُشبه تماما حكّام الألعاب الرياضية. فعلى سبيل المثال، عندما يلعب فريقان مباراة في كرة القدم، لا يمكن أن تُقام المباراة من دون وجود حكم يفصل بين الطرفين ويُطبّق القوانين. ولكن، من البديهي أن وجود الحكم لا يسبق وجود الفريقين. بل على العكس، لا معنى للحكم إذا لم يكن هناك أكثر من فريق يتنافس».
ويتابع: «وقبل أن نتحدث عن الفريقين أصلا، يجب أن يكون هناك ملعب جاهز ومُعدّ بشكل يسمح بإجراء المباراة. فالملعب هو البيئة التحتية الأساسية، والفريقان هما الفاعلون، أما الحكم (أي الهيئة الناظمة) فهو الضامن لسلامة التنافس وعدالته.
من هنا، فإن إنشاء هيئات ناظمة في لبنان دون وجود سوق فعلي حرّ ومنظم، وغياب بنية تحتية واضحة وشفافة، يُشبه تماما تعيين حكم في مباراة لا يوجد فيها لا ملعب ولا لاعبون».
ويضيف: «النتيجة، أن الأسواق اللبنانية في مجال الخدمات ليست جميعها بحاجة فعلية إلى هيئات ناظمة. فثمة قطاعات يمكن أن تعمل بكفاءة من خلال تنظيم إداري مباشر وشفاف دون الحاجة إلى إنشاء هيئة مستقلة. كما أن عددا كبيرا من المسؤولين في الحكومة اللبنانية يُدركون هذه الحقيقة، بل ويقتنعون بها، لكنهم يُفضّلون التزام الصمت، تفاديا لإثارة الجدل أو الظهور بمظهر من يُعارض «المسار الإصلاحي» السائد، حتى لو كان شكليا في بعض جوانبه».
تعيينات لا تشبه الوعود!
في سياق آخر، يرى يوسف أن «وزير التنمية الإدارية، فادي مكّة، ووزير الاتصالات، شارل الحاج، عبّرا عن رغبتهما في تنفيذ ما جاء في البيان الوزاري وخطاب القسم، اللذين تضمّنا وعودا واضحة بتشكيل هيئة ناظمة لقطاع الاتصالات من شباب وشابات يتمتعون بالكفاءة والخبرة، وذلك بهدف ضخّ دماء جديدة في هذا القطاع الحيوي، وفي الإدارة العامة عموما، وتحقيق نقلة نوعية في الأداء والخدمات. غير أن الواقع جاء مناقضا لتلك الوعود. فالذين تم تعيينهم في الهيئة الناظمة للاتصالات هم جميعا من موظفي القطاع العام، الذين أمضوا كامل مسيرتهم المهنية داخل الإدارات والمؤسسات الرسمية. وهذا يعني أن الوزراء، من خلال وعودهم، قدّموا صورة غير دقيقة للناس، وللرأي العام المحلي والدولي، وللمؤسسات الدولية، عن طبيعة الأعضاء الذين سيتم اختيارهم، وكأنهم سيكونون من الجيل الشاب، من ذوي الكفاءات، والخبرات المتخصصة، ومن خارج نمط الإدارة التقليدية».
وفي شرح مفصّل، يفصّل يوسف التعيينات في وزارة الاتصالات، إذ يبيّن أن «المهندسة جاني الجميل، على سبيل المثال، تعمل منذ عام 1998 في هيئة «أوجيرو» ضمن الملاك الإداري للدولة اللبنانية، ولا تزال حتى اليوم تشغل موقعها هناك. أما المهندسة ديانا بو غانم، فهي موظفة في وزارة الاتصالات منذ عام 1995، وما زالت ضمن ملاك الوزارة حتى اليوم. والدكتورة راشيل شريف بدأت مسيرتها ككاتبة في وزارة المالية، ثم أصبحت رئيسة دائرة المحاسبة في الوزارة، ولا تزال أيضا ضمن ملاك المالية، إلى جانب المهندس محمد أيوب الذي تقاعد من وزارة الإعلام، ثم التحق بالهيئة الناظمة لوزارة الاتصالات عام 2007، ولا يزال يعمل فيها حتى الآن. أما بالنسبة للدكتور هيثم سرحال، فقد بدأ مشواره كضابط مهندس في الجيش اللبناني عام 1992، ثم استقال، وأصبح لاحقا رئيس البلدية في الكورة».
وأمام كل تلك المعطيات، يعتبر يوسف أن «التعيينات جاءت بعيدة كل البُعد عن المعايير التي طرحت في الخطابات الرسمية، ولم تعكس ما وُعد به من تجديد وتطوير حقيقي في بنية الهيئة وأدائها. فالهيئة الناظمة للاتصالات، بصيغتها الحالية وتركيبتها كما تم تعيينها، لن تكون قادرة على تحقيق أي من الأهداف أو الوعود التي تم الترويج لها، ولا حتى بلوغ مستوى الطموحات التي رسمها خطاب القسم، كما عبّر عنها فخامة رئيس الجمهورية».
تعيين وترخيص في جلسة واحدة... فهل من جدّية؟
وتحت هذه العناوين العريضة، يتساءل يوسف أيضا «كيف يمكن تفسير أن الجلسة نفسها التي تم فيها تعيين أعضاء الهيئة الناظمة للاتصالات، هي ذاتها التي تم خلالها منح الترخيص لشركة «ستارلينك»، خاتماً أنه «إما أن مجلس الوزراء جادّ فعلا في إسناد إدارة قطاع الاتصالات وتنظيم التراخيص إلى الهيئة الجديدة، فيُفترض أن يُحال إليها هذا الملف وتُمنح صلاحية البتّ فيه، وإما أن الأمر لا يتعدّى كونه ترتيبا شكليا لإظهار وجود هيئة ناظمة، بينما تبقى القرارات الجوهرية تُتخذ مسبقا وخارج إطارها الفعلي».