خاص الهديل: من "فتح لاند" إلى "فتح باب الذاكرة العربية": هذا ما حدث قبل ٧٥ عاماً!!
klyoum.com
خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
كيفما أدار لبنان وجهه يجد أن هناك جداراً تبنيه بوجهه التطورات المستجدة والسريعة في تشكلها والخطرة في انعكاساتها على أمنه وعلى مستقبل استقراره الكياني والسياسي.
لا يتعلق الأمر هنا بالتوصيف الكلاسيكي عن منسوب التشاؤم أو التفاؤل بمستقبل البلد سواء في المدى القصير أو المتوسط أو البعيد.. ما هو مطروح من تحديات يقع في خانة التحديات الجيوسياسية؛ وهذا نوع من التحديات تنطبق عليه لعبة الأواني المستطرقة المتصلة بعضها ببعض بحيث أن ما يحدث في "الإناء أ" ستنتقل تأثيراته إلى "الإناء ب" و"الإناء جيم"، (الخ ..)، والعكس صحيح.
.. وعليه لا يمكن للبنان النظر لما يحدث في سورية من تطورات من دون أن يتحسب لانعكاساتها عليه؛ وأيضاً في دمشق لن يكون بالإمكان النظر إلى ريف درعا الغربي على نحو يفصل تلك المنطقة عن ما يحدث في محافظة القنيطرة والتلال الخمس اللبنانية وغزة المحتلة من إسرائيل وذلك انطلاقاً من أن نتنياهو يفسر كل هذه الأحداث على أنها غنيمة ناتجة عن موازين القوى الجديدة المتأتية التي حققها والتي تهدف بنهاية مطافها لتحقيق كل أهداف حربه في المنطقة وليس فقط في غزة.
وفيما لبنان يتحضر لنزع سلاح المخيمات الفلسطينية بتنسيق بين الدولة اللبنانية من جهة وبين السلطة الوطنية الفلسطينية من جهة ثانية، فإن منطقة درعا السورية شهدت ليلة أمس إطلاق صاروخين فلسطينيين باتجاه الأراضي المحتلة.
هناك ربط – ولو غير مقصود – بين هذين الحدثين، وذلك من باب مقدمة تقول أن سحب السلاح هو حل أمني فيما سحب الاحتلال هو حل سياسي؛ وأيضاً من باب أن الحل الحقيقي الذي يبنى عليه استقرار، هو الحل السياسي؛ أما الحل العسكري فهو بأحسن أحواله نوع من تكتيك إعطاء المريض حبة وهمية لإيهامه بأنه نال العلاج الشافي لمرضه ومشكلته.. ففي سورية سحبت هناك إدارة الحكم الجديد سلاح فلسطيني الفصائل المقيمين فيها؛ وأيضاً دمرت إسرائيل كل مخازن سلاح الجيش السوري؛ ولكن لم يتم سحب الاحتلال من محافظة القنيطرة، ولم يتم سماع أية عبارة عن إمكانية سحب الاحتلال ولو بعد حين من الجولان؛ وكانت النتيجة أن الرد على عدم سحب الاحتلال هو وجود صاروخين لا يمكن سحبهما؛ ببساطة لأنه لا يمكن شملهما في القوائم الرسمية الخاصة بسحب السلاح وفق الحل العسكري من دون أن يتم التمهيد لذلك بسحب الاحتلال وفق الحل السياسي.
والفكرة الأساسية التي يتوجب لفت النظر إليها هنا هو أن هذا النوع من السلاح الذي يتواجد خارج كل ما هو رسمي والذي يظهر كرد فعل تلقائي على عدم سحب الاحتلال من المناطق التي احتلها، لا يمكن – أي هذا السلاح – سحبه؛ وذلك ببساطة لأنه غير ملحوظ وغير مدرج على قائمة السلاح المطلوب سحبه بموجب اتفاقات ممهورة بتواقيع رسمية بين دول وتنظيمات وتحالفات، الخ…
في ستينات القرن الماضي كان العرب بحاجة لمقاومة من أجل تعويض خسارة الجيوش العربية لحرب حزيران العام ١٩٦٧؛ ووقع القرار العربي على أن يتم اقتطاع قسم من لبنان وتحويله إلى ساحة مقاومة نيابة عن كل العرب. سميت هذه المنطقة آنذاك "فتح لاند" المستقلة أمنياً عن الجمهورية اللبنانية. اليوم يجب على لبنان حينما يتحدث مع العرب عن مطلبه ومطلبهم بضرورة سحب أي سلاح لا يخضع للدولة اللبنانية وحتى لو كان سلاح فلسطيني أو من أجل الدفاع عن فلسطين، أن يذكر العرب بأنهم قبل نحو ٧٥ عاماً طلبوا من لبنان أن يسمح للسلاح غير الخاضع للدولة بالتواجد فوق أرضه تحت عنوان أنه سلاح فلسطيني يقاتل نيابة عن كل العرب وسلاح من أجل الدفاع عن دولة فلسطين ولو على حساب دولة لبنان..
على لبنان أن يذكر العرب اقله بأمرين إثنين في هذا المجال:
الأول أنه منذ لحظة إقامة منطقة سلاح فتح لاند التي أوصى العرب بإقامتها في لبنان ولدت قضية أزمة لبنان الراهنة مع السلاح الفلسطيني ومع السلاح اللبناني الموجود خارج الدولة اللبنانية.. باختصار المشكلة الراهنة مبتدؤها وسبب نشأتها هو قرار عربي اتخذ في نهايات ستينات القرن الماضي وفرض على لبنان أن يتحمل على حساب أمنه وسيادته عبء تعويض الجيوش العربية والنظام العربي الرسمي خسارتهم لحرب حزيران ٦٧ ..
ومنطقة "فتح لاند" هي ميدان صممه العرب ليشنوا من فوقها بالواسطة حرب مقاومة شعبية تعوض مسؤولية العرب الرسميين – أو بعضهم – عن الخسارة العسكرية والمعنوية.
الأمر الثاني الذي يحتاج لبنان أن يذكر العرب به هو أن الحرب الإسرائيلية على لبنان يجب أن يوازيها حرب عربية على نتائج الحرب الإسرائيلية على لبنان التي بدأت منذ أيام فتح لاند والبعض يقول بسبب فتح لاند؛ ولذلك فإنه يحق للبنان أن يطلب من العرب مساعدته بإزالة آثار حروب فتح لاند الاستتباعية..
الواقع أن لبنان لا يزال يعيش داخل منطق فتح لاند الذي بناه العرب؛ ولم يتم حتى الآن تفكيك فتح لاند سياسياً كون وجودها بالأساس كان لأسباب سياسية عربية بأكثر مما هي أسباب تخص التوازن العسكري مع إسرائيل..
ما تقدم لا يعني أن لبنان يضع اللوم على العرب في أزمته مع "السلاح غير الميري" كما يقول العامة، ولكنه وكما يقول العامة أيضاً، يريد لبنان في حديثه مع العرب حول كيف نعالج حصر السلاح والحرب والسلم بالدولة اللبنانية، تطبيق المثل القائل "أظهر حقك واتركه..".